يمتاز السودان بموقع استراتيجى مهم فى القارة الافريقية ،اذ انه يمثل حلقة وصل بين البلاد الواقعة جنوب القاره وشمالها ، فهو بهذا الموقع يمثل ربطاً بين البلاد العربية والافريقية. تضافرت عوامل الموقع والجغرافيا والتاريخ في تشكيل شخصية السودان وهويته المتفردة بتنوعها الإثنى والعرقي والثقافي وانتماءاتها العربية والإسلامية ، فالسودان يضم ما بين 570 و595 مجموعة قبلية، تنقسم الى 56 مجموعة عرقية لكل منها عاداتها وتقاليدها وارثها الحضاري المميز،كما أن لغالبيتها أماكن وجودها المعروفة. إن مسألة الانتماء والهوية في السودان، في القيم التقليدية، هي مفهوم عميق بقدر ما هو حساس، يعبر عنه بفخر واعتزاز ولا يتنازل عنها إلا بالإكراه مع أنها قابلة للتغير والتبدل ببطء شديد، فهي مع ذلك، مفهوم ديناميكي قادر على التكيف وحتى التحول من جانب الى الآخر، فإن صياغة وتوزيع السلطة السياسية تطرح قضايا المنافسة والصراع، وفى الانتماء يمنح الفرد، في العادة شعوراً بالعزة والكرامة، فقط، عندما تطرح انتماءات وهويات مختلفة في إطار تنافسي واحد بشكل يستلزم ترتيبها، يضطر الناس في بعض الأحيان لإبراز شعور بالتأرجح اتجاه انتماءاتهم وهويتهم. فالوحدة الوطنية هى مفهوم يتألف من عنصري الوحدة و الوطنية ، وأن مجموع هذين العنصرين يشكل هذا المفهوم ، فالوحدة تعنى تجميع الأشياء المتفرقة في كل واحد مطرد ، أما مفهوم الوطنية فقد اختلف فيه الباحثون ، فبحسب رأى الباحث سليمان الطماوي أن الوطنية هي انتماء الإنسان إلى دولة معينة ، يحمل جنسيتها ويدين بالولاء إليها ، على اعتبار أن الدولة ما هي سوى جماعة من الناس تستقر في إقليم محدد وتخضع لحكومة منظمة. ان كل مكونات النظام الدولى فى عالمنا تسعى للوحدة لما فيها من مصادر قوة تمكنها من تحقيق اهدافها التى تسعى اليها ، فالولايات المتحدةالامريكية على سبيل المثال توجهت نحو الوحدة الكونفدرالية وتجاوزت كل مرارات الحرب الاهلية ،وكذلك الاتحاد الاوربى الذى اسس نموذجاً يحتذى به كوحدة اقليمية فاعلة على المستوى الداخلى والاقليمى والدولى لما تملكه من عناصر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، كما برز الاتحاد الافريقى ليقود القارة الافريقية نحو التوحد فى جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية من اجل مواجهة التحديات على القارة الافريقية، اذن فالوحدة هى قرار استراتيجى لكل العالم . فالوطنية تعنى ولاء السكان للدولة الوطنية ، أيا كانت ، الموجودة فعلا على ارض الواقع ،او التى يتطلع اليها النظر الى الوطنية كعامل للتنظيم السياسى المثالى والاطار الطبيعى للانشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، لم تكن الوطنية معروفة قبل القرن الثامن عشر عندما ظهرت فى اروبا وامريكا الشمالية وانتشرت فى القرن التاسع عشر فى كل انحاء العالم حتى اصبحت بعد منتصف القرن العشرين ظاهرة عالمية، تتكيف الوطنية وتتشكل من النظام الاجتماعى والتقاليد والموروثات الثقافية والفكرية لكل بلد ، وقد كان ظهورها مربوطا بالسيادة الشعبية والحكم برضا المحكومين وتعبر الوطنية عن التضامن والولاء للوطن فى مقابل انحسار الولاءات القطاعية القديمة. فالوحدة الوطنية تعرف على انها عملية اجتماعية شاملة تستهدف التقريب - ثم - بعد ذلك ان امكن واريد المزج والصهر والتوحيد - افقيا - بين الجماعات القبلية والاقليمية والدينية ..الخ التى تتكون منها الامة ، فمن المتفق عليه ان الوحدة الوطنية من اهم الاهداف التى تحتاج الدولة والحكومات لتحقيقها والحفاظ عليها ومن اعسرها منالا فى ذات الوقت ،فالدول التى نعمت بالاستقرار السياسى والتقدم الاقتصادى والاجتماعى عبر القرون ما زالت تعانى من حركات انفصالية فى بعض الاحيان كما هو الحال فى المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا وكندا واسبانيا مثلا ،فهنالك دول تفتقد لعوامل الوحدة الوطنية والاستقرار السياسى كالصومال بالرغم من التوحيد الثقافى والتجانس العرقى والترابط التاريخى وقد زاد الامر اشكالا وتعقيدا فى السودان. رغم المعالجات العديدة التي أجريت على مفهوم الوحدة الوطنية في السودان وتناولت العوامل الموضوعية بكل جوانبها ، ورغم التجارب السياسية والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تم إتخاذها بهذا الصدد ، فإن هناك بعض العوامل الذاتية ذات الصلة بالتراكمات النفسية و التي من شأنها أن تعيق تطور الذات القومية وتعمل على تقويض الوحدة الوطنية في السودان . تعتبر قضية السلام والوحدة الوطنية واحدة من أهم القضايا الراهنة فى الساحة الدولية ،سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، فبعد أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها في الجنوب، وبعد التوقيع على اتفاقية السلام والدستور الانتقالي وتكوين حكومة الوحدة الوطنية فى السودان انشغل العالم بكيفية وحدة شمال السودان مع جنوبه. فمقومات الوحده الوطنية وعوامل تعزيزها فى السودان تتمثل فى المحافظة على الشراكة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ، كشراكة استراتيجية مستدامة تهدف الى تنفيذ دقيق للاتفاقية والعمل لاستدامة السلامة والوصول الى الاستفتاء وتقرير المصير ،والعمل على تطوير وتنشيط وسائل الاتصال والمواصلات بين القواعد والمنظمات الشعبية فى شمال البلاد وجنوبها وتعزيز الثقة وتعميق ثقافة السلام والوحدة ، وعناصر مختلفة ترتبط بموضوع الوحدة الوطنية وتؤدى للوصول اليها بصور شتى ، نذكر من هذه العناصر الاشتراك فى الرقعة الجغرافية ووحدة الهدف والتاريخ المشترك واللغة الواحدة والاحساس بالمصير المشترك. وهنالك امكانية لتعايش قوميات ذات ثقافات مختلفة فى السودان من خلال الاندماج الاجتماعي والثقافي، فالتعايش السلمي يعتبر وسيلة ربط يمكن من خلالها إيجاد حل للنزاع والحروب بين الشمال والجنوب، وبالتالي لابد من تفعيل برنامج التعايش السلمي فى الجنوب من خلال إحياء ودراسة الأبعاد الاجتماعية والثقافية للقوميات المختلفة وإظهار الإرث التاريخي والربط بين القوميات الأخرى المتواجدة في المنطقة. * باحثة - المركز العالمى للدراسات الأفريقية