طرح الرئيس الامريكي على حكومة شمال السودان مقترحات تنجيها من العقوبات الممسكة بخناقها منذ ثمانية عشر عاما، وجاء على لسان المبعوث الامريكي الآخر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الامريكي ان واشنطن سترفع العقوبات عن الخرطوم ولكنه حدد يوليو المقبل موعدا لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب في حال التزام الحكومة بإجراء استفتاء سلمي للجنوب وابيي وابداء تعهدات بإيجاد الحل السلمي لدافور. وجاء في الوعد الامريكي ان الخرطوم ستحصل على شطب اسم السودان من كونه دولة راعية للإرهاب والسماح لها بأصناف التجارة الإضافية والاستثمار الإضافي مع امريكا، فضلا عن مشاركة الولاياتالمتحدة مع المانحين والمؤسسات المالية العالمية لمواصلة المناقشات حول عملية تأمين إعفاء الديون المتعددة، اضافة الى تعيين سفير أمريكي لدى السودان والسعي لموافقة مجلس الشيوخ. وشبه البعض الوعد الامريكي بحكاية عرقوب مع اخيه التي تقول: (عرقوب رجل من العماليق أتاه أخ له، فقال له عرقوب: إذا طلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه للعدة، فقال: دعها حتى تصير بلحا فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير زهوا فلما زهت قال: دعها حتى تصير رطبا. فلما أرطبت قال: دعها حتى تصير تمرا. فلما أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل، فجذها ولم يعط أخاه شيئا، فصار مثلا في الخلف وفيه قول الأشجعي: وعدت وكان الخلف منك سجية # مواعيد عرقوب أخاه بيثرب)، فبخلاف ان امريكا اشترطت موافقتها على رفع العقوبات الأمريكية المتبقية على قيام دولة الجنوب كما تخطط له وعلى السلوك السوداني في دارفور فان لها تاريخا عريقا مع الحكومة في قطع الوعود وعدم الوفاء بها. اذ منذ انخرطت الخرطوم بجهازها الامني العاتي في الحرب على الارهاب وفقا للتعريف الامريكي عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر ظلت تنتظر انفراج في العلاقة مع امريكا، فكما اتضح لاحقاً ان السلطات السودانية مدت الولاياتالمتحدة ب (معلومات استخباراتية قيمة) جعلت مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية يقولون: «إن مستوى مؤهلات الجهاز السوداني عالٍ جدا، ونحن لا نستطيع البقاء في ذلك الجزء من العالم دون أن تتوافر خدمات استخباراتية جيدة، وهم في موقع يتيح لهم مدَّنا بمساعدات جليلة). الخرطوم التي ما فتئت تقدم ما يطلب منها وأكثر لم تبرح خانة انتظار تحقق الوعود الامريكية عاما بعد عام ولم تنل سوى انها سلمت من الغزو الذي كان يتهددها ابان هوجة العالم خلف امريكا عقب غزوتي برجي التجارة العالميين كما يدعوهما الاسلاميون اللادنيون (نسبة الى ابن لادن)، وظل هدف الخرطوم المعلن طوال الوقت والمنطقي من وجهة نظرها رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية، الا ان الحال على ما هو عليه، ولعل اصدق توصيف لحال امريكا مع الحكومة هو ما قال به المستشار الإعلامي في سفارة السودان في واشنطن، ل»الشرق الأوسط« عمر ياسين: إن الحكومة الأمريكية »تحرك المرمى كلما وصل إليه السودان«، مشيرا إلى مزيد من الشروط الأمريكية كلما أوفت حكومة السودان باتفاقية معينة. وقال المستشار الإعلامي إن العقوبات على السودان تؤذي الشعب السوداني في المقام الأول. ففي كل عام ترذل الحكومة بتجديد العقوبات عليها مع ما بذلته لامريكا منذ انتبهت إلى خطورة موقفها فاجبرت بن لادن الذى حل فى الخرطوم مطالع عام 1991 الى مغادرة البلاد فى مايو 1996، وعرضت الخرطوم حسب ما اوردت مجلة (التايمز) الامريكية حينها في رسالة الى الادارة الاميركية الاستعداد للتعاون الكامل في مكافحة الارهاب. وربما تنظر الخرطوم الى التوقيت الحالي بايجابية في تحقيق مطالبها اذ جاء الوقت الذي صارت تملك فيه ما يمكن المساومة عليه وهو ما تبقى من استحقاقات اتفاقية السلام الشامل، اذ اتضح لها ان امريكا ترغب في قيام دولة بالجنوب ك صحن الصيني (لا شق لا طق) وتعي امريكا ان هذا غير ممكمن عمليا دون تعاون كامل من دولة الشمال، وان كانت الخرطوم لا تخفي ضجرها من تكرار واشنطن لوعودها وتكرار اخلافها لها كما عبر عن ذلك المستشار الأمني للرئيس صلاح عبد الله قوش الذي انتقد الوعود الأمريكية، عندما قال عقب لقائه بكيري في زيارته السابقة انهم نقلوا له يأسهم من تحقيق تلك الوعود المتمثلة في رفع العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، لكن قوش مع ذلك استمسك بكلام كيري بعد ان أكد له الأخير أن تلك الوعود سترى النور بعد الاستفتاء واخذ بكلمته كما قال. وفي المقابل يبدو ان امريكا تتحرك وفقا لقناعات عندها، ويشير مراقبون الى ان امريكا غير معنية بما تطمح اليه الحكومة بقدر ما هي معنية باجندتها في المنطقة كما انها تعمل وفقا لتصنيفها القديم للحكومة، مشيرين الى تجديدها العقوبات على الخرطوم بين يدي طرحها الجديد، اذ أعلن قبل اسبوعين أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قرر الإبقاء لمدة عام إضافي على العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على السودان، وقال أوباما في رسالة الى الكونغرس أبلغ فيها النواب بتمديد العقوبات المفروضة منذ العام 1997 والتي تجدد سنوياً منذ ذلك الحين أن أعمال وسياسة النظام السوداني »تتعارض مع مصالح الولاياتالمتحدة وتشكل تهديداً مستمراً غير عادي للأمن القومي وللسياسية الخارجية للولايات المتحدة«، وخلق التجديد الامريكي للعقوبات ربكة شديدة للحكومة وقال الناطق باسم وزارة الخارجية السودانية معاوية عثمان خالد ان امريكا تهدم بقرارها كل الجهود التي تقوم بها من اجل السلام في السودان. المعروف ان امريكا فرضت عقوباتها على الحكومة ومن ثم على الشعب السوداني منذ ان وضعت ادارة الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون السودان في اللائحة الاميركية للدول الراعية للارهاب فى اغسطس 1993 عقب حرب الخليج التى وقف فيها السودان مناهضا للموقف الاميركى وصنف ضمن دول الضد، واعلنت ادارة كلينتون وقتذاك أن البلد الأفريقي النامي يملك علاقات مزعجة مع قطاع واسع من المتطرفين الاسلاميين، بل ذهبت إلى انه يدعم تلك الفئة بتدريبات عسكرية ويوفر ملاذات آمنة ووثائق السفر والاموال لهم، وتطور الأمر باغلاق محطة مخابراتها في الخرطوم باواخر العام 1995، ثم اعقبت الخطوة في فبراير من 1996 بسحب سفيرها من الخرطوم، وفرضت واشنطون في نوفمبر 1997م عقوبات اقتصادية على السودان بزعم وجود صلات لها بالإرهاب، وفي اغسطس 1998م قصفت الصواريخ الأمريكية مصنع الشفاء بالخرطوم بحرى على خلفية اتهام السودان بالتورط في هجوم على سفارتي الولاياتالمتحدةالامريكية بدار السلام ونيروبي، ويقول مراقبون ان ما قر في ذهن الامريكان ناتج مثل هكذا اتهامات لن يمحوه الدهر وبالتالي لن يستجيب اداري امريكي لمطالب حكومة الخرطوم وان تناوب الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون سدة الرئاسة بالبيت الابيض.