مدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أمس الأول (الثلاثاء) في إجراء روتيني مرتبط بالزمن الذي تعرض فيه على الكونقرس العقوبات المفروضة على البلاد منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، عاما آخر، وقال أوباما إن السياسات التي تتخذها الحكومة السودانية لم ترتق بعد إلى الدرجة التي تؤهلها لرفع العقوبات. وتقيد حزمة العقوبات التي فرضتها واشنطن عام 1997 التجارة الأمريكية مع السودان وتجمد أرصدة الحكومة السودانية ومسؤولين سودانيين. وأعتبر الرئيس الأميركي أن الوضع في دارفور يشكل تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية، مشدداً على أن تمديد العمل بهذا القانون يأتي على خلفية تصرفات وسياسات الحكومة السودانية، كما اعتبر أوباما في رسالته للكونغرس أن سياسات وممارسات حكومة الخرطوم ما زالت تشكل تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة- على حد قوله. وأردف: "لذا، قررت أن من الضروري مواصلة حالة الطوارئ الوطنية المعلنة فيما يتعلق السودان والحفاظ على القوة لفرض عقوبات ضد السودان للرد على هذا التهديد".وانتقدت وزارة الخارجية بشدة قرار الرئيس الأمريكي، معتبرة أنه ينطلق من دوافع سياسية. وقالت الوزارة في بيان لها الثلاثاء، "تدين حكومة السودان بشدة تجديد هذه العقوبات"، مضيفة "العقوبات المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية هي عقوبات سياسية، كانت تهدف ولا تزال إلى تدمير المصالح الحيوية وذلك بعرقلة الطموحات التنموية وخطط محاربة الفقر". في سبتمبر الماضي، وفي تطور لافت في مسار العلائق بين السودان والولاياتالمتحدةالأمريكية فاجأ الرئيس الأمريكي العالم بأسره وهو يتحدث عن السودان في خطابه أمام أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ويصفه بأنه - اى السودان - قدم مثالا رائعا يحتذى به في عملية صنع السلام بعد المعاناة من الحرب الطويلة، واوباما الذي نصح الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء بالاقتداء بالتجربة السودانية التي صنعت دولتين عبر المفاوضات السلمية الطويلة، سبق وان قال إن حكومته ستعمل على حمل بقية الفصائل المسلحة في دارفور للحاق بركب عملية السلام التي انطلقت من الدوحة. وبغض النظر عن نتائج هذه الوعود وأثرها على ارض الواقع يمكن أن نعتبر هذه المواقف خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء علاقات بين السودان والولاياتالمتحدةالأمريكية تقوم على أساس المصالح المشتركة وتبادل المنافع دون أن يكون ذلك محفزا للتدخل في شئون الغير أو قد تكون الولاياتالمتحدة توصلت لهذه القناعات عن السودان وتأكدت بأنها كانت تمارس ظلما على الخرطوم في كافة المحافل وأنها اى الولاياتالمتحدةالأمريكية قد سقطت في الفخ الذي ظل من هم خلفه يصورون السودان بأنه دولة للإرهاب وما إلى ذلك من أوصاف كاذبة جعلته مهيئا لتلقى كل إشكال العقوبات الأحادية والأممية نتيجة لتلك الفرية ولعل ما نقله المبعوث الأمريكي للسودان، برينستون ليمان، لوكيل وزارة الخارجية الذي زار واشنطون حينها، بان بلاده ترفض تصرفات بعض أعضاء حكومة الجنوب ومنسوبي ما يسمى الحركة الشعبية بالشمال ومتمردي دارفور ودعوتهم لإسقاط النظام عبر العمل المسلح وإشعال الحرب يعزز من الفرص التامة لبناء وتأسيس علاقة بين واشنطون والخرطوم . والآن وبعد مرور شهر واحد من تلك التطمينات، جاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجدد العقوبات التي تفرضها بلاده على السودان. ومعلوم أن تلك العقوبات كانت قد فرضتها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون في شهر نوفمبر 1997م، وقد سبق فرض تلك العقوبات ببضع سنوات عندما وضعت إدارة الديمقراطيين نفسها السودان ضمن لائحة الدول إلى ترعى الإرهاب، وذلك في خريف عام،1993م، كما صنفت السودان ضمن ما تسمية أمريكا بدول "محور الشر" وهي إيران وسوريا والعراق على أيام صدام حسين، وكوريا الشمالية وليبيا والسودان، وقد ظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض تقوم بتجديد تلك العقوبات، رغم عدم أهميتها وتأثيرها في السودان، ولكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتخذها وسيلة للضغط السياسي والإعلامي على السودان، أو تدخلها في إطار حسابات داخلية أمريكية تتعلق بالانتخابات على مستوياتها المختلفة، كما فعلت إدارة أوباما خلال الأيام الفائتة. وتحاول الخرطوم إحداث اختراق في ملف علاقتها مع واشنطن ويتمثل هذا الاختراق في ما كشف عنه مولانا أحمد إبراهيم الطاهر، رئيس البرلمان، عن وجود اتصالات وترتيبات لإجراء حوار مباشر مع أعضاء الكونغرس الأمريكي حول المواقف العدائية التي تضمرها بعض المجموعات داخل الكونغرس حيال السودان، وقال الطاهر في تصريحات صحافية (الأحد) إن هناك مجموعة من المسيحيين الجدد وبعض المجموعات تمسك بملف السودان تتصرف فيه بعدائية ظاهرة، وأضاف بأن تلك المجموعات تغذيها الحركة الشعبية وأصدقاؤها بمعلومات وأجندة معلومة، وقال الطاهر إن بعض الشخصيات كياسر عرمان وباقان أموم درجت على مد الكونغرس بمعلومات عن السودان ما أسفر عنه مواقف عدائية للكونغرس ضد السودان. والمتابع لسير العلاقات الأمريكية السودانية خلال الثلاثين عاماً الماضية، يرى أن لا ضرر يصيب السودان جراء تدهور علاقاته الاقتصادية مع الإدارات الأمريكية، حيث إنه ومنذ عام 1983 لم يتلق السودان منحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية تدخل ضمن ميزانيته السنوية، كما يحصل مع كثير من بلدان العالم الثالث. وهذا جعل الحكومات السودانية المتعاقبة في وضع مستقل ومتحرر من أساليب التركيع التي تستخدمها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل وحفز حكومة الخرطوم الحالية كي تتجه شرقاً ناحية الصين وماليزيا وغيرها من الدول التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة، كما تفعل أمريكا .وكان لهذا التوجه السوداني الأثر الكبير في تحسن الاقتصاد بصورة ملحوظة في مشاريع التنمية مثل استخراج البترول ومشاريع التنمية المستدامة كمشروع سد مروي لتوليد الكهرباء، وغيرها من المشروعات الزراعية والاقتصادية، والتي تسهم في تحريك الاقتصاد السوداني . عموماً ومهما تكن وعود واشنطن فإن الحقيقة التي ظلت على استمرار هي أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان صارت متلازمة مع بقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام 1993م، برغم أن تلك العقوبات لم تُؤثر كثيراً على الاقتصاد السوداني الذي تمكن بحسب تقارير اقتصادية دولية من تحقيق معدلات نمو مدهشة زادت على 10% في عامي 2006م و2007م، حيث سعت الحكومة السودانية إلى مستثمرين آسيويين وخليجيين لاستخراج النفط، وهو ما تحقق لها بعيداً عن تكنولوجيا شركات النفط الأمريكية، ولم يكن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما – العام الماضي - لتجديد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولاياتالمتحدة على السودان منذ عام 1997م لمدة عام آخر هو غريباً في حد ذاته، ذلك أن الحكومة على أية حال ظلت تتعايش مع عقوبات واشنطن هذه منذ العام 1997. وهي على قناعة بأن أسباب هذه العقوبات – دون أدنى شك – سياسية بحتة، ولكن الأمر الغريب حقاً هو ما أورده الرئيس أوباما في خطابه المرسل إلى الكونغرس بغرض تجديد العقوبات، حيث قال أوباما في خطابه بالحرف: "إن أعمال وسياسة النظام السوداني مناهضة لمصالح الولاياتالمتحدة، وتمثل تهديداً غير اعتيادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة" وما من شك أن هذه العبارة هي الجور والظلم السياسي بعينه، فالرئيس أوباما يستهل العبارة بأن سياسة النظام السوداني مناهضة لمصالح الولاياتالمتحدة، وهي عبارة فضفاضة وغير دقيقة، فالسودان ساعة صدور هذا الخطاب كان يتباحث مع الموفد الأمريكي الخاص أسكوت غرايشون - حينها - ومازال يناقش معه القضايا الحيوية الهامة، ومن البديهي أن السودان لو كان يناهض مصالح الولاياتالمتحدة – غير الواضحة هذه – لما استقبل موفد واشنطن الخاص، وظل يستقبله ويتباحث معه منذ أكثر من عام. ولنا أخيراَ أن نتساءل: أيهما يُهدد مصالح الآخر؟، واشنطن بعقوباتها هذه على الخرطوم، أم الخرطوم التي ما فتئت تستقبل الساسة والمسئولين الأمريكيين وتتباحث معهم سعياً لعلاقة متكافئة ومعقولة؟ ولعل الأغرب إشارة خطاب أوباما لعبارة أن سياسة السودان "تمثل تهديداً دائماً واستثنائياً للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية". \ نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :3/11/2011