(اليوم سعيد وكأنه عيد) هكذا كان يصدح الفنان الراحل عثمان الشفيع في أيامٍ مضت، كان فيها أبناء هذا الوطن ينعمون بالبهجة والسعادة في أيامهم العادية حتى حسبوها أعياداً. واليوم باتت حتى الأعياد باهتة وماسخة اللهم إلا من بهاء وجلال الأثر الديني. لعل السبب هو هذا الكرب والبلاء الذي يعيشه معظم الناس، فالقلوب المنكسرة تحت وطأة الحاجة والمعايش الجبارة كيف لها أن تفرح؟ والشفاه المذمومة والوجوه المتجهمة بسبب وعورة مشوار الحياة ما من سبيل يفضي بها نحو الابتسام. أقبل العيد ومعظم الناس جيوبهم خاوية وتساؤلات الأطفال اللحوحة تسأل عن الخروف والثياب المزركشة الجديدة وعن اللعب والحلوى، فالآمال البريئة الغضة لا تدرك أن سقف الوفاء بالتطلعات بات أقصر من قامات الصغار القصيرة، وإن تكلفة الحياة وفواتير المياه والكهرباء والدراسة والعلاج ولقمة العيش وغيرها ما تركت شيئاً للعيد، بل اعتصرت تلك الجيوب حتى كادت تمزقها... البعض استدان حتى يطفئ وميض تلك الأسئلة في أفواه الصغار ، في حين عزَّ على البعض الأخر الدين أو الدائن... سيخرجون من العيد وهم أكثر حزناً وتجهماً كما خرج فقراء الأطفال من المولد بالغبار. وحتى على صعيد الهم الوطني عزّ الفرح على الناس وهم يرون الغيوم السوداء الحالكة تكاد تسد عين الشمس على امتداد الوطن كله، وثمة حزن يقبض الأنفس من أن يكون هذا العيد هو آخر أعياد الوطن الواحد الموحد ...ذاك الوطن الجميل الذى ما عرفنا سواه وما عشقنا غيره . هذه الهموم الحياتية وجدب وخواء الأفق السياسي جعلت الناس يتحسرون على أيامٍ عادية مضت كانت كما العيد في بهجتها، ويتوجسون من مستقبل الأعياد القادمات ... يقول الشاعر عبد الرحمن العشماوى : أقبلت ياعيد، والأحزان نائمة على فراشي وطرف الشوق سهرانُ من أين نفرح يا عيد الجراح وفي قلوبنا من صنوف الهم ألوانُ؟ من أين نفرح والأحداث عاصفة وللدُمى مقَل ترنو وآذانُ؟ من أين .. نفرح يا عيد الجراح وفي دروبنا جدر قامت وكثبانُ؟ من أين .. والذل يبني ألف منتجع في أرض عزتنا والريح خسرانُ؟ أين الأحبة .. لا غيم ولا مطر ولا رياض ولا ظل وأغصانُ؟ ويمضى معه شاعر العراق مصطفى جمال الدين : هذا هو العيدُ ، أينَ الأهلُ والفرحُ ضاقتْ بهِ النَّفْسُ ، أم أوْدَتْ به القُرَحُ؟! وأينَ أحبابُنا ضاعتْ ملامحُهم مَنْ في البلاد بقي منهم ، ومن نزحوا؟!