ها هي الايام والشهور مرت سراعا، واقبل عيدالاضحى المبارك بشرياته من جديد، فكثيرون سألوا الله في سرهم ان ييسر لهم حج بيته الحرام، وها هم اليوم قد حققوا املهم بالوقوف في عرصات عرفات، نسأل الله ان يتقبل حجهم ويقبل معذرتهم، ويغفر ذنبهم، وأن يعودوا الى ديارهم كيوم ولدتهم امهاتهم.. ولكن هناك شرط اساسي يغفل عنه الغافلون ، ويهمله المهملون وهو الا يعودوا للذنوب بعد ان غُفرت، فإذا فعلوا ذلك كان عذابهم اشد وأصبح مصيرهم اسود، وأُشربوا الغسلين، وحرموا الماء العذب. كما ان هناك اناسا كانوا بيننا صبيحة يوم الاضحى الماضي وهم في سرور وحبور، ينطلقون بين الارحام ولا يدرون انهم كانوا اقرب الى القبور، فبين الفينة والاخرى فقدناهم وودعناهم الى الدار الآخرة وهم الآن بين اللحود، لا ندري ماذا فعل الله بهم، ولكن مقدورنا ان كفناهم وتبعنا جنائزهم وصلينا عليهم، ثم دعونا لهم بالرحمة والعافية ، ثم ولينا مدبرين نطارد الدنيا الفانية، وقليل ما هم الذين بقوا في مقابر ذويهم مسافة نحر جذور وتقسيم لحمها تتبعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وهناك آخرون كانوا في قمة العافية يودون لو يسابقون الخيل، ويصارعون امواج السيل، سباحة، ويناهزون اعظم الفرسان رماية، ولكنهم في لحظة دب عليهم مرض خفي وزحف بين الاوردة والشرايين، ولما اشتدت الآلام زحفوا الى الطبيب ولكن دون جدوى وهم الآن على الاسرة البيضاء نسأل الله لهم العافية والمنفعة والخروج من المستشفيات بسلام.. وآخرون وهم يضربون في الارض يتبغون من فضل الله ، ولكن الدنيا دارت بهم ، وبالظروف المحيطة بعوامل التجارة والزراعة وسياسات دولهم والاعتقالات غير المرشدة وقرارات وزرائهم المرتجلة انعكست عليهم ورمت بكلكلها على اكتافهم، فوجدوا انفسهم فجأة في غياهب السجون ، وكانوا لا يحسبون لها حسابا ولا اذا سُئلوا يتحرون لها جوابا، بل بعضهم كانوا لا يعرفون اين هي سجون بلادهم، لأنهم كانوا يعيشون في أسر كريمة، في جاه ومال وربما كذلك سلطان، وصدقت أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت: إذا ما الدهر حر على أُناس حوادثه أناخ بآخرينا فقل للشامتين افيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا.. وصحيح ان هناك بعض الشامتين يسخرون على الذين وقعت فيهم مصائب ولا يدرون انهم إليها سائرون في يوم من الأيام. فما بين اول يوم للعيد الماضي وأول يوم للعيد الحالي اشياء كثيرة حصلت، منها الخير ومنها الشر، فالذي داومت عليه الخيرات فليشكر الله سبحانه تعالى ويداوم على الشكر، فإن الله سبحانه وتعالى قال في محكم تنزيله ولئن شكرتم لأزيدنكم، وان الذين اصابتهم الشرور فعليهم بالصبر «إن مع العسر يسرا» كما قال الله سبحانه وتعالى. وكما قال صلى الله عليه وسلم: «لو كان العُسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يخرجه» - رواه الطبراني. وإن لم يصبروا على الشرور والإعسار بما في ذلك دخول السجون والدخول في الأسرة البيضاء فنخشى ما نخشاه ، ان ينطبق عليهم الشطر الاخير من الآية السالفة الذكر... «وان كفرتم فإن عذابي لشديد»، والكفر أنواع، ومنه عدم الصبر على الابتلاء. نعم، نعلم ان الظروف المحيطة بنا كمسلمين في هذه البسيطة، في هذه السنون المُرة صعبة جدا، لا شئ فيها يُسر إلا اذا توفرت للفرد منا فرصة الذهاب الى الاراضي المقدسة لتكون قريبا جدا من الله سبحانه وتعالى فإن ذلك سلوى للنفس وراحة للضمير.. او ان يكون المرء في داره ووفقه الله لقيام الليل وظمأ النهار وحفظ اللسان ومُنع من اكل أموال الحرام، ووصل الارحام حتى تكشفت له الحُجب فرأى اهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار... اما في غير هذين الموضوعين ، فلا ارى ان هناك خيرا، الا اذا اخرج احدنا بماله للجهاد في سبيل الله حقا ولم يرجع بشئ. المسلمون اليوم يعيشون اسوأ لحظات حياتهم، وانطبق فيهم تماما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم .. كثيرون ولكن غثاء كغثاء السيل ينزع مهابتكم من قلوب أعدائكم.. ألا تكفي هذه فقط لصدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. الوضع اليوم للمسلمين لا شبيه له في التعاسة، حكام ضعاف، أكل عليهم الحرام وشرب، يستحلون محارم المسلمين، يسجنون ابناء المسلمين ويرمونهم في غياهبها دون محاكمات لسنين عددا، يأكلون اموال المسلمين ويتركونهم يتضورون جوعا وعطشا، يحمون قصورهم ويتركون رعاياهم في فزع الخوف من قطاعي الطرق واللصوص وغيرهم من المفسدين في الارض. بل ان حكام المسلمين او قُل معظمهم يوادون من حاد الله ورسوله والذين تغلبوا على ديار المسلمين، ولا تتحرك لهم غريزة ولا تنهض فيهم حمية للثأر من العدوان والجبابرة. ولا ننسى ان المسلمين انفسهم وهم رعايا هؤلاء الحكام نسوا الله فأنساهم انفسهم، كذلك، هم انفسهم ارتكبوا الموبقات فيما بينهم، إلا من رحم ربي استحلوا محارم بعضهم وأكلوا السُحت فيما بينهم وتعالت شخوصهم على بعضهم البعض،اهملوا فرائض الله وسنة رسوله ، فأنى لهم النصر...؟! في هذا اليوم وايام العيد القادمة، ارى انها ايام التجديد في الايمان والاستذكار لما امر الله ، والتباعد عما نهى، واحسب ان اقرب الناس الى الله سبحانه تعالى وحري بهم ان يدعو لنا الله بالتوفيق واحرى ان تستجاب دعواتهم الذين في عرفات والذين اعتكفوا في بيوتهم يتبتلون الى الله، فهل دعوتم لنا...؟!!