سياسة التعامي واللا مبالاة التي تنتهجها شركة السكر السودانية مع مأساة التلوث بالبقاس الخارج من مداخن مصنع سكر الجنيد، هي حقاً لا مبالاة غريبة ومريبة، فقد ذهبنا لقضاء عيد الأضحى المبارك مع أهلنا في قرية ود السيد التي تقع على بعد أقل من كيلومترين جنوب مصنع سكر الجنيد، وكنا نمني أنفسنا بقضاء عيد سعيد وأيام هادئة، فإذا بمصنع سكر الجنيد يصب على رؤوسنا أطناناً من البقاس الأسود، فاستحالت حياتنا بدلاً من العيد إلى جحيم، واستحالت الملابس والفرش والطرقات والأرجل كلها إلى «سكن» أسود. وإذا حاولت النوم في هذا التلوث الهابط من السماء كما حاولت فإنك ستجد أنفاسك مكتومة وصدرك ضيقاً كأنما تتصعد في السماء. وللأسف الشديد فإن إدارة شركة السكر تعاملت مع هذه المشكلة بقدر كبير من عدم الاهتمام والكذب للأسف، لأنها وعدت بالحل عدة مرات حلاً تدريجياً، ولكنها لم تفعل شيئاً. والمهم في الموضوع أن الحل موجود ومقترح وشركة السكر تعرفه جيداً بعد أن أجريت الدراسات اللازمة، وبات الموضوع لا يحتاج سوى قرار من الجهة المختصة، ويبدو أن الموضوع يتأخر لأنه من الناحية الفنية يكلف الشركة مبلغاً من المال للمعالجة والشركة طبعاً من سلوكها تضن بأي مال لمعالجة الأمر، ولا يؤرقها كثيرا ما أصاب الناس من أمراض ومن أضرار نفسية أحالت حياتهم إلى جحيم. ومن المعلوم والمعروف أن هذه المصانع تنشأ أصلاً من أجل الناس وراحتهم وتغيير نمط حياتهم، وأنها تفعل المستحيل من أجل أن يعيش المواطن حياة طيبة وكريمة، ولكن هذا الذي يحدث عندنا غريب ومريب، وهو إن دل على شيء إنما يدل على نمط في الإدارة ونوعية من المسؤولين تتسم بعدم الاهتمام وتضرب بمصلحة الناس وصحتهم عرض الحائط. إن المنظمات المختصة بصحة البيئة في العالم إذا تكرَّمت وتفضلت بالنظر لما صار يحدثه مصنع سكر الجنيد من خراب ودمار للناس، فإنها بالقطع سيكون لها رأي آخر. لقد سادت على مرِّ تاريخ هذا المصنع علاقة طيبة بينه والمواطنين الذين ينظرون إليه على أنه مؤسسة غيرت حياتهم وغيرت وجه المنطقة بكاملها، ومصنع الجنيد علي وجه الخصوص أصبح مثالا يُحتذى في العلاقة بينه والمواطنين في المنطقة كافة، وأصبح هو المعين والمساعد في التعليم والصحة والرياضة وكافة المناشط الحياتية، فمن العيب ومن المؤسف أن تستحيل هذه العلاقة إلى خراب ودمار بسبب مال قليل يمكن لشركة السكر أن تنفقه وتعالج به ما هو حادث الآن بسبب البقاس الأسود الخارج من مداخن المصنع. إنني من هذا الموقع أناشد الأخ الأكرم الدكتور عوض الجاز وزير الصناعة، أن يتدخل عاجلاً لحل هذه المشكلة المعروفة والمدروسة والموضوعة لها الحلول من جهات الاختصاص، ولكن يبدو أن هناك أزمة في اتخاذ قرار حلها، كما أناشد المسؤولين في شركة السكر أن يتدخلوا ومعظمهم يعرفون المنطقة ويعرفون أهلها، ويعلمون يقينا أنهم لا يستحقون هذا الغضب الأسود المصبوب على رؤوسهم من مصنع سكر الجنيد. اللهم إني قد بلغت فاشهد. * المحامي