(إنها الحرب)..... هكذا تحدث معظم المشاركين في مؤتمر العلوم السياسية الرابع الذي تستضيفه قاعة الشهيد الزبير محمد صالح في يومه الثاني، الحرب تبدو اكثر النتائج الماثلة الآن على ساحة السياسة السودانية بعد ان اجتمعت مكونات قيامها ونشوبها حربا لن تترك شيئا هذه المرة. هكذا دارت كل النقاشات التي تكاملت حلقاتها وسط حضور اكاديمي كبير لم يغب عنهم من يهتمون بشأن الحرب ويمارسونها من قادة القوات المسلحة ومع إقتراب نهاية الفترة الإنتقالية لإتفاقية السلام الشامل وإجراء إستفتاء تقرير مصير جنوب السودان يناير 2011م، تبلورت الإتجاهات العامة للحركة الشعبية نحو دعم الإنفصال مع الإصرار على عدم حسم القضايا العالقة التي يجمع المحللون أنها شرارة لحرب قادمة، حرب يرى الجميع بأن خيوطها قد تكاملت في ظل العجز عن حسم القضايا من جانب وفي الجانب الآخر الحالة المعبرة عن تناقض الرؤى ما بين الشريكين فيما يتعلق بعملية حسم الخيارات بين الوحدة والانفصال، ان لم يتم قيام الاستفتاء في موعده فإن الحرب ستشتعل وان تم في موعده وجاء بالوحدة فإن الانفصاليين سيشعلون فتيل النزاع وان قاد لانفصال فان دعاة الوحدة سيشعلونها هذه المرة وهو ما يعني ان كل الطرق تؤدي الى الحرب ولا سبيل الى مواجهتها. هكذا جاءت السيناريوهات المرسومة في الاوراق التي قدمها الخبراء والاكاديميون في المؤتمر الذي ناقش قضايا ما بعد الاستفتاء في محورها الامني واكد المناقشون على ان تحديات كبيرة ستواجه الامن السوداني في الشمال والجنوب، تحديات لن يكون الجانب الخارجي الساعي لتحقيق اجندته بعيدا عن تحديد الحراك المستقبلي في البلاد. في ورقته (الحرب الثالثة ومستقبل السودان السياسي ) ينطلق الدكتور عمر عبد العزيز رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة جوبا من فرضية اساسية ان الانفصال صار هو الخيار الاقرب ولكنه خيار لن يتم بصورة سلمية وان مجمل السيناريوهات تقول بان الحرب صارت على الابواب بعد توفر معطياتها في عملية عدم حسم القضايا العالقة. ويرى ان هذه المسوغات ستقود لاندلاع حرب ستكون بين الدولة الجديدة في جنوب السودان بقيادة الحركة الشعبية وبين دولة السودان بقيادة المؤتمر الوطني والتي لن تدخل الخرطوم الحرب إلاَّ مرغمة لتحقيق هدف واحد هو الحفاظ على وحدة السودان (بخارطته الجديدة) والوقوف في وجه المخططات الدولية التي تسعى لتمزيقه وإجهاض مشروع الحركة الإسلامية فيه .أما الحركة الشعبية التي تقود الدولة الجديدة فستعمل على قيام الحرب لتحقيق مجموعة من الاهداف من اجل مقابلة تحديات المرحلة القادمة مثل: { كسب الأرض المتنازع عليها ذات الأهمية الإستراتيجية من حيث الموارد والموقع الجغرافي وأهم هذه المناطق حفرة النحاس في غرب السودان وأبيي في غرب كردفان، وربما تتمدد شمالاً في عدد من المناطق التي لا خلاف عليها لفرض واقع سياسي تستفيد منه مستقبلاً في أية مفاوضات سياسية في المستقبل تنال منها ما تريد مقابل العودة إلى حدود 1956م التي تجاوزتها حين يتم التفاوض حول قضايا البترول والديون والأصول والمواطنة التي أجلت إلى مابعد الإستفتاء وحصر النقاش لحسم قضية الحدود وأبيي فقط قبل الإستفتاء. تعاني دولة الجنوبالجديدة من مشاكل معقدة على المستوى الأمني والإقتصادي والسياسي تهددها بحرب أهلية قد تمزقها والدخول في حرب مع الشمال قد يكون مدعاة لتوحيد الصف الداخلي لمواجهة العدو الخارجي وتأجيل المواضيع الأُخرى إلى حين تثبيت أمر حدود الدولة الجديدة وضمان وحدة أراضيها، تحقق الحرب عنصراً مهماً للحركة الشعبية لدعم جذور حكمها وإقتلاع منافسيها في الجنوب، حيث أن الحرب ترتبط بحالة الطوارئ التي تصلح غطاءاً لتجريد القبائل الأُخرى من سلاحها وتأجيل تأسيس الحكم المدني الديمقراطي لعدة سنوات أُخرى . المساهمة مع الحلفاء الدوليين في حصار النظام في الخرطوم والدفع نحو تفتيت السودان. وكذلك يرى عبد العزيز ان الحرب ربما تشتعل في مسارح اخرى بعيدة عن الجنوب في المناطق الطرفية في جبال النوبة وفي النيل الازرق. وفي قراءته للخريطة الحربية يرى عبد العزيز ان المعادلة تميل لصالح حكومة الشمال والجيش السوداني المحترف على حساب جيش الحركة مستندا الى التاريخ القريب وهو ان الجيش السوداني طوال نزاعه مع قوات الحركة الشعبية لم يخسر معركة بالاضافة لعامل آخر يرتبط بالاحساس العام في الشمال الذي بدأ يشعر بحجم المؤامرة ضد البلاد ويمكن ان يدعم توجهات الحكومة في هذا الجانب ،هذا بالاضافة للبنية الاستراتيجية في الجنوب والتي تتميز بانها ضيقة مقارنة برصيفتها في الشمال الا ان عبد العزيز لم يستبعد ان تجد الحركة الشعبية دعماً خارجياً من دول الجوار ومن الدول الغربية في صراعها مع المؤتمر الوطني وحكومة الشمال، ضعف بنية الدولة في الجنوب سيكون عاملا في صالح الشمال لكن الامر لم يخلُ من جوانب سلبية قد تعاني منها الحكومة مثل: أنَّ الحرب الثالثة ستكون في مقابل دولة وليست حركة متمردة وهذا له تبعات كثيرة على الصعيد السياسي والعسكري فلن تتحرج الدول الحليفة والمنظمات الدولية من الدعم السياسي والعسكري والمادي للدولة الجديدة. على أنَّ الحرب الثالثة تأتي خلافاً لسابقاتها بعد أحداث سبتمبر2001م وما حدث من متغيرات على الساحة الدولية ، فالحرب الأولى كانت في ظل الحرب الباردة والثانية كانت في عقب إنهيار الإتحاد السوفيتي وتأتي الثالثة في ظل الحرب على الإرهاب و إستهداف القوى العظمى للحركات الإسلامية عموماً و التي تقود شعوبها خصوصاً. تأتي الحرب الثالثة كجزء من خطة واسعة للإجهاز على السودان وهويته وتقسيمه وليس لتغيير النظام في ظل السودان الموحد مثل الحرب الثانية أو لتحقيق مكاسب سياسية محدودة للجنوب مثل الحرب الأولى . سيتزامن مع الحرب الثالثة حصار دولي تحت ضغط الدول الكبرى والإقتصاد الوطني يعاني من آثار الإنفصال مما سيزيد الضغط على ميزانية الحرب والتنمية بالدولة . ويرى عبد العزيز ان خلق تعديل في قيادة الاجهزة الامنية والسياسية من شأنه ان يجعل السودان يتجاوز مخاض هذه المرحلة الحرجة في تاريخه. وفي ورقته التي تناولت الانفصال واثره على الامن الاقليمي في المنطقة وضع الدكتور بدر الدين رحمة استاذ العلوم السياسية بجامعة امدرمان الاسلامية الحرب ما بين الشمال والجنوب باعتبارها اولى التداعيات السلبية التي لن تقف عند هذا الحد وانما ستفتح المجالات لتأثيرات اخرى تتمثل في فتح ابواب التدخل الاجنبي والاسرائيلي في المنطقة كما ان هناك مخاطر مستجدة في الفضاء العالمي لا تعترف بالحدود مثل الجوع وصناعة الفقر ولانتشار الأمراض والمخدرات والأوبئة ، كما أن هناك الأخطار البيئية مثل التلوث والتغيرات المناخية هي مداخل للمنظمات غير الحكومية والدول الكبرى لتحقيق أهدافها. - الكنائس العالمية تبدي اهتماما واضحا في السودان منذ آماد بعيده ، قانون المناطق المقفولة وكان هو بمثابة محاربة التعايش السلمي والانصهار بين أبناء الشمال والجنوب ، مرورا باتفاقية أديس أبابا ثم نيفاشا ، وتشدد الكنيسة العالمية عبر تصريحات الأمين العام السابق لمجلس الكنائس بأن تكون الانتخابات في مواعيدها ، وتأثر النخب الحاكمة بروح الكنيسة. - اعتماد الدول الغربية والمنظمات الدولية على الشرعية الدولية وتقليص مفهوم السيادة واتساع تدخل المجتمع الدولي في الشؤون الداخلية عبر مسارات متعددة مثل حماية الديمقراطية ، وحماية حقوق الإنسان وحماية البيئة وحماية الأقليات ومكافحة الإرهاب ، يجعل دول المنطقة غير مستقرة ويسهل بالتالي تجزئتها إلى دويلات صغيرة. في حالة عدم الوصول إلى حل كل القضايا مثل الحدود والديون الخارجية والمواطنة والعملة والبترول ستكون هناك حرب بين الشمال والجنوب وتمتد لدول الإقليم . الحديث عن امتداد فكرة الحرب على كل دول الاقليم جاء ذكرها في ورقة اخرى تناولت موضوع تحديات الامن الانساني في ظل خيارات الاستفتاء قدمها الاستاذ عمر عبد الله جمعة مشيرا الى مجموعة التداعيات السلبية على الامن الانساني في المنطقة في حال اختار الجنوب الانفصال عن الشمال في ظل احتقان الموقف في المنطقة ككل. وفي ورقة اخرى تناولت الدكتورة فاطمة عمر العاقب استاذة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الازهري الوضع الامني في السودان ما بعد الاستفتاء والتي اشارت الى ان مجمل المؤشرات تؤكد على اختيار مواطني الجنوب للانفصال وهو اختيار تختفي حوله مجموعة من المهددات الامنية وعلى المستويات كافة سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية ،وتناولت المهددات الاجتماعية التي ستلقي بظلال سالبة على المجتمع السوداني في الشمال والجنوب على السواء. يمكن القول إن الأمن الإجتماعي عقب الإنفصال سيكون معرضاً لعدة تهديدات أولها: الجنوبيون المقيمون بالشمال و هذه الشريحة أو الفئة التي بالضرورة عقب الإنفصال لا يحق لها الإقامة في الشمال، فما هي الحلول المطروحة لتفادي مسببات عدم الإستقرار الأمني بالنسبة للمجتمع، و يجب أن تضع في الإعتبار أن جزء من هذه المجموعة عبارة عن مليشيات مسلحة تقطن في الشمال، بالإضافة إلى روح الصراع المتنامية بين الشريكين التي ألقت بظلالها على المجتمع، و يجد ذلك سنده في أحداث الإثنين الأسود، حيث كان الأمن الإجتماعي حينها مباحاً، لذلك الرأي عند الباحث أن أول مهدد للأمن الإجتماعي هو فئة الجنوبيين المقيمين في الشمال و إذا افترضنا إفتراضاً لا نمضي فيه كثيراً، أن هذه الشريحة ستقيم تحت باب المواطنة العامة، هنا يتبادر سؤال ما هي إحتمالية أن تصبح هذه الشريحة الضغط و المصالح أو حكومة الجنوب نفسها، هذا جانب، الثاني هو ما هي علاقة النظام الإجتماعي القائم بهذه الشريحة، حيث من المتوقع أن يكون هناك تغير إجتماعي ملموس عقب الإنفصال، فما هو موقعها في النسيج الإجتماعي، ففي السابق كان الجنوبيون عبارة عن مواطنين و عقب الإنفصال بالضرورة هم عبارة عن أجانب. وتمضي الورقة متناولة مهددات اخرى ذات طابع سياسي تتمثل في مدى قدرة النظام القائم على الاستمرار خصوصا وان الانفصال سيخلق حالة من عدم الثقة مابين الحكومة والمواطنين خصوصا مواطني الاطراف قبل ان تضيف ان حالة من الاحباط العام بدت تضرب كافة شرائح المجتمع بما فيها القوات المسلحة السودانية، وهو الامر الذي احتج عليه منسوبوها ممن كانوا حضورا مؤكدين استعدادهم لكافة الاحتمالات بما فيها الحرب.