تعرض قطاع صناعة الغزل والنسيج في الفترة الماضية إلى هزات اقتصادية كبيرة كادت توقفه تماما، حيث خرجت العديد من المصانع من دائرة الإنتاج نتيجة لجملة مسببات على رأسها قلة التمويل وضعف الوارد إليها من المواد الخام، جراء تراجع إنتاج القطن بالمشاريع المروية والمطرية، علاوة على ارتفاع تكلفة مدخلات تشغيلها وقطع غيارها، الامر الذي حدا بالدولة الى التدخل العاجل، وأعلنت وزارة الصناعة عن خطة مرحلية تستهدف تحريك الطاقات العاطلة بمصانع النسيج بكل من كوستى، الدويموشندي، وأن المرحلة القادمة ستشهد تركيب «96» ماكينة حديثة لمصنع نسيج شندي. ودعت وزارة الصناعة العاملين الى التدريب والتأهيل ورفع كفاءتهم في كيفية تشغيل الماكينات والاستعداد لتشغيل المصنع وزيادة الإنتاج والإنتاجية في صناعة الأقمشة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من السلعة، وأوضحت أن تشغيل مصنع نسيج شندي يسهم في نهضة وتطوير المنطقة على الصعيد المحلي. ويرى البروفيسور عصام بوب إن هناك خطين للصناعة، اولهما صناعات الإحلال أي إحلال السلع المستوردة بسلع محلية، والثاني إنشاء صناعات جديدة بمواصفات تمكنها من منافسة رصيفاتها في السوق العالمي، ففي الخط الأول كانت الدول النامية تسير في مطلع ستينيات القرن الماضي لإحلال سلع تنتج بجودة عالية، ولكن مع مرور الزمن اتضح أن بعض صناعات الإحلال في الدول النامية كانت لا ترقى في جودتها الإنتاجية إلى ما ينتج عالميا، وبالتالي فإن تكلفة إنتاجها كانت مرتفعة مقارنة بأسعار نظيراتها المستوردة، علاوة على ضعف إدارة جودتها، مما قاد إلى بيع منشآتها الصناعية في دائرة الخصخصة، وفي الخط الثاني بدأت العديد من الدول النامية في التخصص في إنتاج سلع لها أسواق عالمية ذات قدرة تنافسية عالية. وقال بوب إنه بالنسبة لصناعة الغزل والنسيج بالسودان فإنها تأخرت لأسباب تمويلية وإدارية أقعدتها عن منافسة الصناعات العالمية جراء تناقص المواد الخام الأساسية فيها «القطن»، فخرجت الدولة من سوق منافسته العالمية كما في مشروع الجزيرة والزيداب وخلافهما، فقد توقف مصنع الزيداب عن الإنتاج، وأضاف قائلاً إن إعادته إلى دائرة الإنتاج تقف وراءها جملة من الأسئلة والاستفهامات والشك في نجاحه. وانتقد عودة دخول الدولة في المنشآت الإنتاجية واعتبره خروجاً عن سياسة التحرير الاقتصادي التي ترفعها الدولة. وقال إن دخولها في إنشاء مصنع نسيج الزيداب يعتبر مخالفة صريحة لسياسة التحرير الاقتصادي، وحذَّر من عواقبه الوخيمة اقتصاديا. ونوَّه إلى ضرورة قصر دور الدولة على التخطيط ورسم السياسات الاقتصادية، ومن ثم إفساح المجال للقطاع الخاص لتنفيذها. وعن مدى قدرة الإنتاج السوداني من الغزل والنسيج على منافسة الإنتاج العالمي، أشار بوب إلى تراجع جميع المنتجات في حقل النسيج أمام المنتجات الصينية التي غزت كل الاسواق جودة ووفرة وقلة اسعار، لذا يرى أنه من الصعوبة بمكان أن تجد المنتجات السودانية موطئ قدم لها في ظل التنافس المحموم للمنتجات العالمية عالية الجودة قليلة التكلفة. وقال إنه لا يتوقع أن يحمي السودان منتجاته من تغول المنتجات الصينية ناهيك عن منافستها. وقال إن أية محاولة لحماية المنتجات السودانية يبعدها عن الدخول في باحة منظمة التجارة العالمية التي يعمل السودن ما في وسعه للانضواء تحت لوائها. وختم قائلاً إنه من الأفضل التركيز على صناعات أخرى، وأن يقتصر دور الدولة على التخطيط وبناء الاستراتيجيات وليس الإنشاء.