مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استفتاء جنوب السودان وتداعياته محليا وعربيا
نشر في الصحافة يوم 09 - 01 - 2011

نظم مركز الجزيرة للدراسات ندوة في الدوحة امس حول استفتاء جنوب السودان ، وتورد (الصحافة) فيما يلي كلمة الامام الصادق المهدي زعيم حزب الامة في الندوة .
في افتتاح هذه المائدة الهامة التي نشكر الفضائية المستنيرة الجزيرة على ترتيبها أود أن أطرح أسئلة مفتاحية وأجيب عليها باختصار لكي تلقى ضوءا للمناقشات المزمعة.
ما الذي جاء بدعوة تقرير المصير؟ ثم بالانفصال المتوقع؟ وما هي المآلات بعد ذلك؟
1. كان السودان على طول تاريخه ملتقى ثقافات هذا ما دلت عليه حفريات كرمة ثم آثار كوش. هذه الطبيعة التمازجية جعلت السودان يغير هويته أكثر من مرة سلميا: فالمسيحية الارثودكية دخلت السودان سلميا وأقامت فيه ممالك: نوباطيا- المقرة- وعلوة منذ القرن السادس الميلادي. ثم دخل الإسلام سلميا فقامت في السودان ممالك إسلامية الفور- الفونج- والمسبعات- وتقلي- والكنوز والمدهش أن البلدان التي أسلمت بعد الفتوحات أبقت على أقليات معتبرة من الأديان السابقة كما في الشام والعراق ومصر. ولكن في السودان لم يبق ولا واحد من أتباع المسيحية.
الاستثناء من هذه القاعدة هو الجنوب الذي حالت ظروف جغرافية من وصول المسيحية الأرسوذكية إليه ثم حالت أيضا دون وصول الإسلام.
ولكن في مرحلة لاحقة لدى احتلال السودان انفتح الجنوب للمؤثرات وكان أكبر انفتاح هو الذي تم على عهد الاحتلال البريطاني.
المسيحية التي أدخلها الاحتلال هي المسيحية الأوربية بمذاهبها وقرر المحتلون إقامة عازل ثقافي بين الشمال والجنوب واحتكروا الجنوب لهوية جديدة انجلوفونية مسيحية أفريقانية.
هذه الهوية الجديدة عبرت عن نفسها بصور مختلفة:
* لدى فترة استقلال السودان عبر الجنوبيون عن رغبتهم في الفدرالية.
* في مرحلة الستينات وعبر مؤتمر المائدة المستديرة، ولجنة الاثنى عشر، ومؤتمر الأحزاب السودانية عبروا عنها بالمطالبة بالحكم الذاتي الإقليمي.
هذا المطلب تبلور أثناء حكم الديمقراطية الثانية (1964- 1969م) التي أطاح بها انقلاب 25 مايو 1969م.
الانقلاب الذي تبنى قادته فكرة الحكم الذاتي الإقليمي وأبرموا مع حركة الجنوب المسلحة في يوليو 1972م اتفاقية أديس أبابا.
* في مرحلة الثمانينات صار مطلب الحركة الشعبية لتحرير السودان المجسد للهوية الجنوبية الخاصة هو مؤتمر دستوري يمنح الجنوب حكما لا مركزيا ونصيبا في السلطة والثروة بحجم سكانه واستثناء الجنوب من تطبيق الأحكام الإسلامية وتخلي السودان عن أية أحلاف خارجية تمس السيادة (اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان).
كانت هذه هي أجندة المؤتمر القومي الدستوري المزمع عقده في 18/ سبتمبر 1989م. ولكن وقوع انقلاب 30 يونيو 1989م أجهض هذا المشروع.
* النظام الانقلابي لم يتبنى تحضيرات الديمقراطية الثالثة (1986 -1989م) كما فعل نظام جعفر نميري مع تحضيرات الديمقراطية الثانية وبدأ مفاوضاته مع الحركة الشعبية من خانة الصفر.
* كانت فكرة تقرير المصير تراود بعض القادة الجنوبيين ولكنها في عام 1992م صارت لأول مرة في تاريخ مفاوضات السلام محل اتفاق بين مفاوض حكومي «الإنقاذ» د. علي الحاج وفصيل منشق من الحركة الشعبية بقيادة د. لام أكول.
* وفي عام 1992م أظهر النظام الانقلابي لأول مرة بصورة مجردة من التقية التي مارسها النظام منذ بدايته هوية إسلامية عربية ونظم المؤتمر الشعبي الإسلامي العربي.
ونتيجة لهذا الموقف اجتمعت كل الفصائل السياسية الجنوبية في واشنطن بدعوة من السناتور الأمريكي السابق هاري جونستون في واشنطن وتداولوا أمر التطورات الجديدة في السودان وقرروا أنه ما دام السودان قد حسم هويته أنها إسلامية وعربية وقالوا نحن لسنا مسلمين ولا عربا لذلك اجمعوا لأول مرة على المطالبة بتقرير المصير للجنوب.
* وفي يونيو 1995م اجتمعت كل قوى المعارضة لنظام الإنقاذ في أسمرة عاصمة إريتريا وإزاء إجماع الجنوبيين وافقت المعارضة السودانية عل تقرير المصير للجنوب.
* بطلب من حكومة «الإنقاذّ في السودان أقدمت دول الإيقاد وهم جيران السودان في القرن الأفريقي على التوسط لإنهاء الحرب الأهلية في السودان. وقبل الشروع في الوساطة اقترحوا على طرفي النزاع الموافقة على إعلان مبادئ من ست نقاط خلاصتها إقامة نظام سوداني ديمقراطي علماني أو منح الجنوب حق تقرير المصير. نظام الإنقاذ في البداية لم يوافق على إعلان المبادئ هذا ولكن في عام 1997م وقع عليه.
* وفي يوليو عام 1997م وقع نظام الإنقاذ مع فصائل منشقة من الحركة الشعبية على اتفاقيات سلام من الداخل منحت الجنوب حق تقرير المصير.
* وعبر مفاوضات امتدت من 2002م إلى 2005م وقعت حكومة السودان بقيادة المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية بقيادة د. جون قرنق على اتفاقية سميت بالسلام الشامل في يناير 2005م كان تقرير المصير من أهم بنودها.
2. اتفاقية السلام الشامل كانت اسما على غير مسماه، كانت ثنائية فلم تشترك فيها إلا حكومة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. وسميت بالسلام الشامل في وقت فيه الحرب الأهلية دائرة في غرب البلاد وشرقها.
ونصت الاتفاقية على مقاصد حميدة هي:
* جعل الوحدة جاذبة لدى أجراء تقرير المصير.
* تكوين حكومة جامعة Inclusive) ) لإدارة الفترة الانتقالية (2005- 2011م).
* تحقيق تحول ديمقراطي في البلاد عبر كفالة الحريات العامة. وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
الاتفاقية لم تحقق هذه المقاصد: فالحكومة التي إدارت الفترة الانتقالية لم تكن جامعة. والتحول الديمقراطي عبر توافر الحريات والانتخابات العامة الحرة لم يتحقق فالحريات ظلت حبيسة والانتخابات كانت زائفة. أما الوحدة الجاذبة فقد تحقق نقيضها ما جعل الانفصال جاذبا.
العوامل التي جعلت الانفصال جاذبا هي:
?أ. عوامل في بنية اتفاقية السلام:
* فبروتوكول ميشاكوس قسم البلاد على أساس ديني أي شمال يحكم بالشريعة وجنوب علماني. هذا خلاف لتصور آخر كانت لجنة مشتركة بيننا وبين المؤتمر الوطني قد توصلت إليه وهو تخصيص الأحكام الإسلامية على المسلمين واستثناء الآخرين. هذا التقسيم كرس لانفصال جغرافي.
* وبروتوكول اقتسام الثروة خصص للجنوب نصف بتروله بدل أن ينسب نصيب الجنوب كما ينبغي للثروة القومية. ما شجع جنوبيين للمطالبة بالانفصال للاحتفاظ بكل بترول الجنوب للجنوب.
?ب. ومن عوامل التنافر أن المؤتمر الوطني ينادي بمشروع حضاري هو مسمى آخر للتوجه الإسلامي والحركة الشعبية تنادي بمشروع السودان الجديد هو مسمى آخر لعلمانية أفريقانية.
التباين بين هذين المشروعين غذى التنافر بين الشريكين في الحكم ما انعكس على تنافر بين الشمال والجنوب
?ج. منذ أيامه الأولى اكتسب الحزب الحاكم في الشمال المؤتمر الوطني عداوات خارجية تكونت بموجبها لوبيات متنفذة لا سيما في الولايات المتحدة لوبيات أهمها تسعة:
- لوبي مسيحي لنجدة المسحيين في السودان.
- ولوبي صهيوني يتدخل بصورة معادية في كل الشئون العربية.
- ولوبي ضد الإرهاب.
- ولوبي حقوق الإنسان
- ولوبي الحريات الدينية.
- ولوبي الأمريكيين من أصل أفريقي.
- ولوبي ضد الرق.
- ولوبي إنقاذ دارفور.
- ولوبي كفاية.
هذه اللوبيات تبنت تعاطفا نحو الجنوب وعداءا للمؤتمر الوطني ما شجع الانفصاليين الجنوبيين الميل للانفصال لتجنب العقوبات والسياسات المعادية للمؤتمر الوطني الحاكم في الشمال.
لذلك لا غرابة في ترجيح كفة الانفصال وهنالك دلائل ملموسة على ذلك أذكر منها:
- مواكب الشباب في الجنوب الشهرية المؤيدة للانفصال.
- اتجاهات الصحف الناطقة بالانجليزية الداعية غالبا للانفصال.
- تبني قادة الكنائس بعد طول صمت لدعوة الانفصال.
- تحول شخصيات قيادية جنوبية كانت وحدودية نحو الانفصال ? أمثال- جنرال جوزيف لاقو ود. توبي مادوت.
- تبني الحركة الشعبية للانفصال.
صحيح أي قياس للرأي يؤكد ترجيح الانفصال في الاستفتاء. ولكن مهما كان رأي المواطن الجنوبي فسوف يكون الاستفتاء وفق إرادة الحركة الشعبية لأن قانون الاستفتاء جعلها متحكمة فيه كما أن مفوضية الاستفتاء المركزية أغلبية أعضائها جنوبيون والصلاحية الحقيقة في يد مكتب المفوضية الجنوبي الذي تسيطر عليه الحركة الشعبية.
إذن: نعم غالبية الجنوبيين مع الانفصال لأسباب ذكرناها. ولكن الاستفتاء لن يكون بأي مقياس ديمقراطي تمرينا ديمقراطيا.
3. القيادة الجنوبية منذ الانتخابات الأخيرة في أبريل 2010م تواجه تحديات عسكرية بحيث أن 3 ولايات من العشر ولايات سيجمد فيها الاستفتاء.
وفي دراسات علمية أجراها خبراء غربيون كثيرون ما يدل على أن دولة الجنوب الجديدة سوف تواجه بعد شهر عسل قصير تحديات هائلة. أذكر من تلك الدراسات كتاب: تناقضات جنوب السودان الداخلية للأستاذين ماريك شوماروس وتيم ألن الصادر في عام 2010م، ودراسة توماس تالي في مجلة الحروب الصغيرة الصادرة في أكتوبر 2010م، ومقالات في مجلة اكنومست ونيوزويك وغيرها.
دولة الجنوب سوف تواجه في مولدها مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية بلا حدود.
واضح أن القيادة الجنوبية الحالية تدرك ذلك لذلك أقدمت على تجاوز خلافاتها مع خصومها وجمعت كل القوى السياسية الجنوبية في أكتوبر 2010م واتفقت معهم على خريطة طريق لبناء المستقبل الجنوبي كما أقدمت على تنشيط علاقاتها بحلفائها الدوليين حيث تحظى بمودة خاصة.
ومع ذلك فإن دولة الجنوب الجديدة تدرك أن دولة الشمال تستطيع زعزعتها عبر العيوب الكثيرة الموجودة في الجسم الجنوبي.
دولة الجنوب الجديدة سوف تحتاج لحليف ويمكن لدولة الشمال السعي للقيام بهذا الدور وهي تملك مقومات كثيرة إن غيرت سياساتها واستعدت لهذا الدور.
لا سيما ودولة الشمال نفسها سوف تواجه بعد الانفصال مشاكل كثيرة أهمها: أصداء انفصال الجنوب على مشكلة دارفور، والمشاكل المتعلقة بالمناطق المتداخلة مثل أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق.
والآثار السلبية والتي بدأت تظهر منذ شهر سبتمبر الماضي.
مصلحة الدولتين في انفصال ودي وسياسة شمالية تجعله جاذبا.
إن لهذا الانفصال الودي استحقاقات تقوم على موقف شمالي مستنير من دولة الجنوب الجديدة وتقوم على دستور شمالي جديد ترتضيه المناطق المتداخلة في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. دستور يوفر حقوق المواطنة للكافة، ويوفق بين الحقوق المدنية والتوجه الإسلامي، ويعترف بالتنوع الديني والثقافي، ويحقق اللامركزية الفدرالية، ويحقق القسمة العادلة في السلطة والثروة على أسس ديمقراطية.
أما مقولة أنه بعد انفصال الجنوب لا مجال لتعددية دينية وثقافية وطرح تطبيق الشريعة في تناقض مع التنوع الديني والاثني فعلامات في طريق مدمر لأن هذه اللغة هي التي أدت لمطلب تقرير المصير ثم انفصال الجنوب وسوف تكرر السيناريو في السودان الشمالي.
السودان مكون من ثلاثة ديانات: الإسلام والمسيحية وأديان أفريقية ومن خمسة اثنيات: عرب ?وزنوج- وبجة ? ونوبة- ونوباويون.
انفصال الجنوب لن يؤثر في هذا التنوع إلا بتقليل عدد الزنوج وعدد المسيحيين
التنوع الديني والثقافي والاثني من طبائع البشر ومن حقائق الوحي.
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)1، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)2
4. إذا اخفق الشمال في اتخاذ سياسيات تجعل الوصال الودي جاذبا واخفق في جعل الشمال نفسه مستقرا حول مبادئ توفق بين الوحدة والتنوع فإن الخيار الآخر الذي سوف تتجه إليه دولة الجنوب الوليدة هو الركون للحليف الخارجي العدائي للشمال. وسيكون لإسرائيل في هذا المجال الدور الأهم.
على طول حركة المقاومة الجنوبية كان ركونها لعنصر خارجي كبيرا. ولا شك أن أثيوبيا الماركسية، واليمن الجنوبية الماركسية، وليبيا المتحالفة مع المعسكر الشرقي في عام 1982م وقد كونوا حلف عدن قد احتضنوا الحركة الشعبية في مهدها وجعلوها تولد بسنونها. وبعد تجاوز تلك المرحلة اتجهت الحركة الشعبية نحو الغرب. ولكن في المقابل تدرك الحركة الشعبية الآن أن الغرب لا يستطيع أن يفي بما يعد به وأن لاستعداء الشمال ثمنا باهظا ومدمرا لذلك يحتمل أن يستجيب لدواعي علاقة ودية خاصة بالشمال إذا استطاع الشمال نفسه أن يتحدث بلغة سياسية تلائم المرحلة.
5. المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في الشمال في وجه المسئولية عن انفصال الجنوب ، واستمرار أزمة دارفور، والتردي الاقتصادي المحمل بعوامل المواجهات، الملاحقة الجنائية الدولية أمامه خياران:
الأول: أن يعتبر أن تلك المخاطر تهدد مصالحه وسلطانه ولذلك يجب أن يواجهها بالقمع ويلتمس من شعارات الشريعة شرعيته وسيجد من تيارات الانكفاء الديني دعما لذلك. في هذا النهج القمعي يمكن للمؤتمر الوطني محاولة تحييد دولة الجنوب بينما يوجه بأسه ضد معارضيه في الشمال. هذه هي الخطة التي اتبعها المؤتمر الوطني على طول الفترة الانتقالية. ولكنها لم تنجح في الماضي بل أدت لتحالف بين معارضيه والحركة الشعبية. تحالف ربما استنسخ بصورة أخرى في الظروف الجديدة. النتيجة لهذا كله هي نقل التوتر الذي ساد الفترة الانتقالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ليكرر نفسه في العلاقة بين دولتي السودان. ولكن طبيعة الظروف الجديدة تجعل أثر المواجهات في اضطرابات الجنوب والشمال، وزعزعة أمن القرن الأفريقي والقاري كبيرا جدا.
الخيار الثاني: أمام الحزب الحاكم في السودان هو اعتبار أن مرحلة الحكم الانفرادي قد انتهت باتفاقية السلام، وأن مرحلة الحكم الثنائي قد انتهت بنهاية اتفاقية السلام، وأن المرحلة القادمة هي مرحلة تحديات كبرى لكتابة دستور جديد، ولتحديد علاقة إيجابية مع الجنوب، ولحسم أزمة دارفور، ولمواجهة الحالة الاقتصادية، ولتوفير الحريات العامة، وللتعامل مع الأسرة الدولية. هذا النهج ممكن وبموجبه يتحقق التراضي الوطني في الشمال، والعلاقة الأخوية مع الجنوب.
في الختام،
إن التجربة السودانية محملة بكثير من العظات للسودانيين ومن الدروس لغيرهم وهي:
أولاً: جدوى انتشار الإسلام بالقوة الناعمة حيث عم البلاد بصورة شاملة منتشرا سلميا. حقيقة يؤكدها الآن تمدد الإسلام سلميا في كل القارات رغم ضعف دول المسلمين بالقياس للقوى الإستراتيجية والاقتصادية في العالم. تمدد جعل الإسلام في عالم اليوم القوة الثقافية الكبرى.
ثانياً: خطل محاولة فرض أية برامج أيديولوجية عن طريق الانقلاب العسكري لأسباب موضوعية وهي:
- العسكريون سوف يحرصون على قيادة النظام وهم غالبا غير مؤهلين لذلك.
- يضطرون أمام مطالب الواقع أن يتخذوا سياسات براجماتية مما يعرضهم لتهمة التراجع ويثير ضدهم تيارات معارضة.
- تدريبهم يجعلهم يركنون للقوة الخشنة وسيلة لحسم المشاكل فتتكاثر ضدهم حركات المقاومة المسلحة.
- أما بالنسبة للإسلام فإن أمر المسلمين شورى بينهم وإقامة نظام حكم على الإكراه باطلة.
ثالثاً: إن فرض أحادية ثقافية على مجتمع متعدد الأديان والثقافات من شأنه حتما أن يؤدي لاستقطابات حادة. لقد قامت الحرب الأهلية في السودان نتيجة لصدام الذهنية التي صنعتها سياسة المناطق المقفولة منذ عام 1922 والذهنية المضادة لها. هذا الصدام زاد حدة نتيجة لأيديولوجية وسياسات نظام الإنقاذ مما عمق أسباب الحرب الأهلية ووسع قواعدها داخلياً وأتاح لها سنداً خارجياً قوياً.
رابعاً: في يوليو القادم من عام 2011م سوف ينتهي عهد اتفاقية سلام نيفاشا. الواجب الوطني، والقومي، والإسلامي، والإنساني يتطلب أن يقف أهل السودان مع الذات لاستخلاص العبرة من تجاربهم ومآلاتها الراهنة لكي يتراضوا على خريطة طريق للتأصيل المجدي ولبناء الوطن، وإلا فإن نكبات الحاضر سوف تتكرر في المستقبل.
والله ولي التوفيق.
1 سورة الروم الآية (22)
2 سورة البقرة الآية (62)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.