٭ في آخر خطاب لنميري قبيل سفره إلى أمريكا سخِر من الذين ربطوا بين زيادة الأسعار آنذاك وإجازة المدارس.. ٭ وقال نميري بالحرف الواحد: (الناس قالوا نحن إنتظرنا لحدِّ ما المدارس أجّزت قمنا زدنا أسعار السكر).. ٭ ثم أردف ساخراً: (هو نحن بنخاف من الطلبة؟!).. ٭ وبالفعل لم يكن نميري يخشى الطلبة، أو المعارضة، أو الشارع.. ٭ فقد كان يظن أن تحالف قوى الشعب هم أولئك كلهم ناقصاً قيادات الأحزاب.. ٭ وظنه ذلك كان مبنيّاً على ما يرفع إليه من تقارير أمنية وتنظيمية واستخباراتية.. ٭ ثم كان مبنياً كذلك - بشكل أكثر جلاءً - على ما (يُحشدُ!!) له من حشود جماهيرية تهتف له، ولثورته، بطول العمر.. ٭ وما كانت من فراغ - إذاً - مقولة الاتحاد الاشتراكي الشهيرة (ثورة مايو الخالدة الظافرة المنتصرة أبداً. بإذن الله).. ٭ وللأسباب هذه كلها كانت (صدمة) نميري بالانتفاضة أكبر من طاقة عقله على (التصديق) فكان (الانكار!!!).. ٭ الانتفاضة الجماهيرية التي عمَّت الشارع بعد أيام قليلة من إعلان نميري (عدم خوفه) من الطلبة و(سخريته) من الذين ربطوا بين زيادة الأسعار وإجازة المدارس.. ٭ فإلى ان انتقل إلى صاحب (المُلك الحق!!) - جعفر نميري - كان يصرُّ على إنكار (حقيقة) الانتفاضة ويقول إنه لا يعرف أسباب سقوط مايو.. ٭ وفي حوار أُجرى معه عقب عودته إلى البلاد من القاهرة سُئل نميري عن أسباب زوال مايو في أيامٍ معدودات رغم تدابير (تمكينية!!) امتدت ل(16) عاماً فأجاب قائلاً: (لا أعرف).. ٭ أي أنه لا يعرف - ربما - سبباً لثورة الشعب العارمة تلك رغم ما (فعلته!!) مايو من أجله.. ٭ أو لا يعرف ان كانت الجماهير تلك قد خرجت حنقاً عليه، أو تأييداً ألبسه (أعداء الثورة!!) لباس الاحتجاج لتبرير الانقلاب عليه.. ٭ أولا يعرف ان كان الذين خرجوا إلى الشارع أولئك - حسبما رأي في شاشات التلفاز - هم فعلاً جموعٌ من الشعب السوداني (البطل) أم أن الأمر محض خِدَعٍ سينمائية اخراجية.. ٭ المهم أنه لا يعرف و(خلاص).. ٭ فعقله لم يكن قادراً على التعامل مع (الحقائق).. ٭ ومن قبل قال عبود حين أبصر الشارع يغلي كالمرجل في (اكتوبر): (أيُعقل أن يكون هؤلاء كلهم ضدنا؟!).. ٭ فهو كذلك كان عاجزاً عن التصديق.. ٭ فلا يمكن بين عشية وضحاها أن يخلو الشارع من تظاهرات (التأييد) ويمتليء بتظاهرات (الاحتجاج).. ٭ ولكنه هكذا؛ الشارع السوداني.. ٭ والعاقل - من الحاكمين - هو من يتحسَّب لمثل هذا اليوم متى ما رأى الشعب (يستكين!!) رغم الضربات الموُجِعة على رؤوس أفراده.. ٭ الضربات الاقتصادية، والضرائبية، والسياسية، والتكميمية، و(الشُرطية).. ٭ فهذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة.. ٭ وقبل أيام قليلة (جداً) من انفجار ثورتّي اكتوبر وابريل كان الشارع أكثر ما يكون (هدوءاً).. ٭ كان - بلهجة السودانيين الشعبية - (صانِّي!!!).. ٭ وخلال الأيام القليلة تلك كانت أعين أجهزة كلٍّ من عبود ونميري الأمنية والشرطية والاستخباراتية (تُبحلق) في اتجاه قيادات الأحزاب المعارضة راصدةً كل صغيرة وكبيرة من تلقائهم.. ٭ ولكن الذي تتحسَّب له الأعين هذه يأتي من وراء ظهور أصحابها (المُبحلِّقين!!).. ٭ يأتي من تلقاء الشارع وهم لا (يشعرون).. ٭ وهذا الذي نقوله أشار إليه بحذافيره مدير جهاز الأمن والاستخبارات قبل أيام في سياق تنوير صحفي.. ٭ فقد قال الفريق محمد عطا المولى أن الشعب السوداني (الشجاع) أطاح من قبل بنظامي عبود ونميري دون أن يهاب الرصاص.. ٭ ولكن الفريق عطا استبعد خروج الشعب إلى الشارع هذه الأيام رغم زيادة أسعار المحروقات لأنه - حسب قوله - شعب واعٍ.. ٭ ونحن - بإعتبارنا من هذا الشعب - نقول للأخ عطا المولى: (كتّر خيرك) ولكن من الضرورة بمكان - كذلك - أن يكون ولاة أمر هذا الشعب (واعين!!).. ٭ فليس من (العدل!!) استغلال وعي الشعب و - (جيبه) أيضاً - (سدَّاً) لفروقات الدولة المالية بينما يرى الشعب (سدَّاً منيعاً!!) يقف بين امتيازات ولاة الأمر وأشكال الاستغلال هذا.. ٭ وبما أن ولاة الأمر هؤلاء يرفعون شعارات الإسلام فلسنا في حاجة - إذاً - إلى أن نذكِّر الفريق عطا بما اتَّخذه ولي أمر المسلمين عمر من قرارات (تقشفية) في حقِّ نفسه إبان عام الرمادة.. ٭ فقد كان الناس (واعين!!) آنذاك.. ٭ وكذلك (القيادة!!).. ٭ والعدل هذا هو الذي أوصى به عمر بن عبد العزيز أحد ولاته حين طلب منه (ميزانية) يقيم بها سوراً ل(تأمين!!!) عاصمة ولايته.. ٭ فقد كتب إليه عمر يقول: (حصِّنها بالعدل، ونقِّها من الظلم).. ٭ و(الأسوار!!!) هذه لم تقِ نميري من قبل - ولا عبود - حين غاب (العدل!!!).. ٭ لم يقهما من غضب الشعب (تأمين!!) ولا (تهديد!!) ولا (وعيد!!) ولا (عسس!!).. ٭ وما بين (هدوء) الشعب و(غضبه) سويعات.. ٭ وفي الحالين كليهما هو شعب (واعٍ!!!).