في الوقت الذي بدأ فيه المواطن يتفاءل خيراً ويؤمّل في حياة مستقرة وآمنه فوجئ بإعلان آخر أو بمعنى أدق إعلاء ورفع أسعار المشتقات النفطية كالبنزين والديزل والغاز والسكر أيضاً بالإضافة لزيادات ضريبية وجمركية، ليترتب على ذلك إرتفاع تلقائي صامت في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية ليُصيب ذلك المواطن في مقتل بخاصة صاحب الدخل المحدود موظفاً وعاملاً وفلاحاً وغيرهم من الفئات التي طحنها الغلاء تلو الغلاء والجرعة تلو الجرعة، المعلنة منها والصامتة، ليتبدد بذلك تفاؤله وحلمه الذي كان يُمني نفسَه به من أن يكون في إيقاف رحى الحرب في الجنوب تحريكاً لعجلة التنمية والبناء والنهوض بمستواه مادياً وصحياً وتعليمياً، أو على الأقل تركه على حاله ووضعه الذي تكيّف معه رغم قسوة ظروفه وسوء حاله، ولكنه فوجئ بهذا الرفع الأخير للأسعار ليقضي على كل تفاؤل ويحيل حلمه إلى كابوس يراوده في صحوه أكثر مما يراوده في نومه الزيادات الأخيرة في هذه الفترة بالذات لها انعكاسات وتأثيرات سيئة جدا على المواطن، لأنه أصلاً في حالة قلق من انفصال الجنوب الذي يعني بالضرورة فقدان مورد هام للخزينة وهو البترول، قد يكون للحكومة مبررات قوية لهذه الزيادات غير التي ذكرها وزير المالية بان الأسعار أقل من الأسعار العالمية وخوفهم من تهريبها عبر دول الجوار «مبرر غريب» هل تقتل الحكومة المواطن خوفا من المهربين وأين أجهزة الدولة التي تكافح التهريب؟ هل المجتمع السوداني يعاني ويواجه اختلالاً في منظومة الأمن الغذائي؟ وهو الوضع الذي ارتقى بالمشكلة الغذائية إلى مستوى التحدي للأمن القومي، وفي ضوء عدم قدرة الدولة على دعم الشريحة الأوسع من الشعب في موازنة مواردها المحدودة مع المتغيرات الكبيرة في أسعار السلع العالمية، وفي هذا تهديد للأمن الذاتي واستقرار الفرد وبقائه وتكاثره. وبطبيعة الحال هناك عوامل ذاتية المنشأ وخارجية المصدر كان يجب التعامل معها بإستراتيجية واضحة المعالم. لكن دعونا نرى الفئة الأكثر تضررا بأنفلونزا الأسعار بالتأكيد محدودي الدخل في السودان وهم غالبية الشعب السوداني، لكن هناك فئة مغلوبة على أمرها كل كوارث الحكومة تقع على رأسها ألا وهم المغتربين، عماد الأسرة السودانية فهم من بعد المولى عز وجل تعتمد الأسر السودانية عليهم، حيث لا يخلو بيت في السودان من مغترب، وهو أصلا كان، مضغوطاً وسوف تزداد عليه الضغوط أكثر، لكن هذا جانب والآخر هو أن كل المغتربين في حالة قلق من أن الحكومة سوف ترجع الضرائب مرة أخرى، وإذا حدث ذلك وهو في ظل هذه الأوضاع أمر شبه مؤكد، حينها ماذا يفعل المغترب، الذي تحطمت آماله وروحه المعنوية حيث كان يمني النفس بتحسن الأوضاع حتى يعود إلى وطنه نهائيا، انه الإحباط. ينبغي على الحكومة وضع الخطط والمعالجات العاجلة المنظورة والمستقبلية لتخفيف حدة التحدي واحتواء أخطاره القادمة وخاصة إن المؤشرات الوطنية والعالمية تؤكد أن الأخطار الغذائية مستمرة والمستقبل أشد خطورة. بخلاف ذلك يجب التأكيد بان بقاء الأنظمة واستقرار الحكومات مرهون بقدرتها على تخطي ومواجهة الأزمات الوطنية وفي مقدمتها أزمة الغذاء والاستقرار المعيشي لأفراد المجتمع.