قبل ان يجف الحبر الذي كتب به خبر عودة مناوي للخرطوم من اجل مواصلة رحلة جديدة من التعاون ربما تعيد الحياة لاتفاقية ابوجا الموقعة بين الطرفين في العام 2006 من اجل ايجاد صيغة معالجة لقضية اقليم دارفور الملتهب، اذ باخبار اخري مصدرها هذه المرة الشريك الاخر وتحديدا مسؤول ملف دارفور بالمؤتمر الوطني ينفي فيه أية حالة تواصل جديدة مابين الجانبين . ويطرح خبر عودة مناوي ونفيه،مجموعة من التساؤلات حول مغزي الزمان والتوقيت في اطلاقه والغرض منه دون ان ينفي ذلك السؤال المحوري حول مستقبل قضية دارفور وآفاق الحلول وفق ما هو مرسوم في الخارطة الانية او تداعيات المستقبل التي تمثل فيه العلاقة ما بين الحكومة والحركات المسلحة محورا اساسيا في التحليل وعلاقة الحكومة مع حركة مناوي الاكثر حضورا . تفكير مناوي في رحلة عودة جديدة للخرطوم تفتح مسارات لمجموعة من التساؤلات حول مستقبل دارفور بعد ذهابه للجنوب، تتواكب وما يحدث في المسرح السوداني الان الذي تراقبه عيون العالم التي غضت النظر ولو مؤقتا عن دارفور والتي حتما ستعود اليها في مقبل الايام، حديث قال به الرئيس عمر البشير واكده الرئيس الاميركي باراك اوباما بعده، ولكنه لم يمنع الحديث عن حوافز استحقتها الخرطوم قولا جاء من واشنطون التي لا تثق بها الخرطوم، الا ان سؤالا اكثر الحاحا يصعد الي السطح ما مدي جدية الخطوة وكيف سيتم التعاطي معها بين الحكومة ومناوي والذي بينهما ما صنع الحداد وما مدي تأثيرها علي الميدان الدارفوري عموما وهل ستضع حدا للمعاناة التي استطالت هناك ؟ . المحلل السياسي والمهتم بالشأن العام استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية الدكتور صلاح الدومة في افادته «للصحافة » قلل من الخطوة وبدأ متشككا فيها ومتيقنا من انها لن تغير الوضع علي الميدان الدارفوري ، ووصفها بانها محاولة لتهدئة الاوضاع خصوصا انها جاءت في اعقاب التوقيع على اتفاق بين الحركة الشعبية والمنشق عنها جورج اطور، التوقيع الذي يصفه بانه هش ولم يتعرض بعد لامتحان يثبت صدقيته من عدمها بين الجانبين في الجنوب، قبل ان يصف الدومة الخطوة الجديدة بانها احدى الخطوات الحكومية المنطلقة من سياسة فرق تسد وضرب المجتمع الدارفوري بعضه ببعض، ويشير لان الخطوة تسير في الاتجاه العام الهادف الي تهدئة الوضع الدارفوري باعتبارها استراتيجية يتبناها المجتمع الدولي والولايات المتحدةالامريكية في الوقت الراهن من اجل الوصول لغاياتها في الجنوب ومن ثم التفرغ الكامل لملف دارفور، ووصف الدومة سياسات الحكومة في هذا الاتجاه بانها تخدم الاستراتيجيات الامريكية الهادفة لفصل دارفور بعد الجنوب بوعي منها او عدم وعي بالذي يحدث في السطح الدارفوري الان، واشار الى ان المستقبل سيحمل في داخله حق تقرير مصير جديد في السودان مالم تتدارك الحكومة اخطاءها المتكررة في التعاطي مع المسألة، الا انه وفي جانب الحكومة فان التصريحات المتتابعة واقوال منسوبيها تقول بان الوضع في دارفور الان في افضل حالاته وان استراتيجية السلام من الداخل تمضي وفق ما هو مخطط لها ومرسوم والدليل انه الان لايوجد اي نشاط للحركات المتمردة علي الارض والامور تسير نحو الافضل يوما بعد اخر خصوصا في ظل تطبيق استراتيجية السلام من الداخل في اعقاب العودة من الدوحة واغلاق باب التفاوض مع الحركات، الا ان كثيرين ومن ضمنهم الدكتور والناشط الطيب زين العابدين يرون في هذه الاستراتيجية اعادة لمسلسل الفشل الحكومي في التعاطي مع أزمات البلاد خصوصا بعد ان صار الجنوب علي بوابة الخروج الي دولته الجديدة وان العلاج للأزمة يتم في استصحاب كافة مكونات المجتمع الدارفوري من اجل الوصول لصيغة سلام عادل ومرضي لكل الاطراف في الاقليم. ومحاولة ربط عملية عودة مناوي للخرطوم من اجل اكمال تنفيذ اتفاقية ابوجا مع المؤتمر الوطني وربط الامر بعلاقة الشريكين قبل الانفصال وبحسب افادات اهل المؤتمر الوطني فانها لا تعدو سوي ان تكون مجرد اجتهادات صحفية فقط هكذا علق امس مسؤول ملف دارفور الدكتور غازي صلاح الدين والذي قال للصحفيين انهم لا علم لهم بهذه الامر وان علاقتهم مع مناوي الان في حالة قطيعة، مشيرا الى ان مفاوضات كانت تجري بينهم قبلا الا انها الان توقفت بعد تراجع الطرف الاخر عن تنفيذ اتفاقية ابوجا باعتبارها هي محدد العلاقة بين الجانبين، ونفى مستشار الرئيس لملف دارفور، غازي صلاح الدين، وجود تفاهمات بين الحكومة ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، تتعلق بعودته للخرطوم، وقال«لا توجد اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين الحكومة ومناوي». واشارغازي الى توقف المساعي في وقت سابق نتيجة لرفض مناوي تطبيق الاتفاق الموقع معه، والذي يعطي أولويه لبند الترتيبات الأمنية،وأكد للصحافيين عقب اجتماع اللجنة العليا لمتابعة ملف دارفور برئاسة الرئيس عمر البشير امس، اتخاذ الاجتماع جملة قرارات، لم يكشف عنها، للدفع بمسارات السلام في كافة المناحي خاصة المتعلقة بالوصول مباشرةً للمواطن في دارفور. الا ان كثيرين ومن ضمنهم حركة تحرير السودان يرون عودة مناوي محاولة منه لايجاد موطئ قديم جديد في الشمال بعد ابعاده من الجنوب ،وقال رئيس حركة تحرير السودان مصطفى تيراب ان مناوي صار شخصا من الماضي وما يفعله الان هو مناورة سياسية فقط هدف من خلالها للفت نظر المؤتمر الوطني الي اتفاقية ابوجا ،وانه هو الموقع عليها ويجب تنفيذها علي ارض الواقع، وحديث تيراب عن ان مناوي صار شخصا من الماضي يتجه بالسؤال نحو محور اخر هل صارت ابوجا نفسها من الماضي، امر يتضح وبصورة اساسية من استراتيجيات الحكومة المطبقة الان في الاقليم وفي انسحابها من منبر الدوحة واستعدادها لاستئناف التفاوض داخل الاقليم، الا ان المحلل السياسي استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور محمد حمدنا يحلل الامر من نقطة تتعلق بان الامر يتجاوز مناوي كشخص وحركته للاوضاع السائدة في الاقليم الان وحالة عدم الاستقرار فيه والتي ستلقي بظلالها علي اوضاع السودان خصوصا في ظل انفصال الجنوب وهو امر يتطلب تضافر الجهود والوصول لصيغة اتفاق او اجماع سوداني يهدف في الاساس لوضع حل لمشكلة دارفور حلا يتجاوز اخفاقات الماضي التي تمثل ابوجا نفسها واحدة من نماذجها ،حلا يشمل في داخله كافة مكونات المجتمع الدارفوري وايجاد صيغة جديدة للتعايش في سودان ما بعد الانفصال ويجب ان يضع في حساباته ان المجتمع الدولي الصامت الان بفعل الاستفتاء سيتوجه بكلياته نحو دارفور ويجب استباق هذا الامر بخطوة تأتي من اهل السودان بمختلف مكوناتهم بعد انفصال الجنوب ،الدعوة للاتفاق او الاجماع الوطني هي الدعوة التي تطرحها المعارضة الان كرد فعل اولي لانفصال الجنوب وواحدة من مبررات هذه الدعوة هي ايجاد معالجة فعلية لقضية دارفور وفق مشروع وطني متفق علي برامجه بين كافة الفرقاء السياسيين في الشمال او ان البديل سيكون هو اسقاط الحكومة والبحث عن اخري بديلة، قبل كل ذلك فان الدعوة لايقاف سقوط ضحايا جدد في دارفور تبدو هي الهدف الذي يسعي الجميع لتحقيقه علي ارض الواقع فهل ينجحون في ذلك بعد ان صارت عودة مناوي مجرد مناورة سياسية .