صوت الجنوبيين الذين يدعون للانفصال يبدو اكثر وضوحا بفضل المساحات الإعلامية الواسعة التي تتيحها الفضائيات الأجنبية ، هذا الامر جعل العالم يحس بأن كل الجنوبيين راغبون فى الإنفصال ،وأن الوحدة باتت بورا ولا تلقي أي اهتمام ،هذا التوجه ايضا اعطى انطباعا سالبا بين المواطنين في الشمال بأن اشقاءهم وبني جلدتهم قد عمدوا الى الغاء كل حقب الوحدة بحلوها ومراراتها . غير ان الصورة الحقيقية التي نجدها على ارض الواقع تؤكد ان هنالك جنوبيين يقفون مع الوحدة وعلى قناعة تامة بأنها هى الخيارالأفضل والأنسب لهم وللشماليين،حفاظا على دولة السودان والتي ظلت واحدة منذ مئات السنين. الصحافة التقت المهندس جاك بيتر الذي يعمل بقطاع المنشآت حيث لم يخف حسرته على المؤشرات التي تؤكد غلبة توجه الانفصال، وقال بيتر بأن السياسيين اوردوا البلاد اسباب الانفصال وهو توجه لا يعبر عن رغبة الغالبية الصامتة من ابناء السودان عموما وابناء الجنوب على وجه الخصوص. وحمل بيتر الحركة الاسلامية مسؤولية دفع ابناء الجنوب نحو خيار الانفصال برغم انها لم تقم الدولة الاسلامية واختذلته في الشعارات فقط وعندما سألت بيتر عن وضعه بعد فصل الجنوب قال : ( لم احس يوما بأنني في غير بلدي وبرغم ان فرص العمل في قطاع الانشاءات بالجنوب محفز الا انني باق بالشمال فهنا ولدت وفيه تربيت وسوف ادفن هنا ايضا، علما بأن لي علاقات اجتماعية واسعة على مستوى الحي وفي مجال العمل ). وتشير ايزابيلا جيمس وهي سستر بأحد المستشفيات الخصوصية بالخرطوم والتي تمتد جذورها الي منطقة طمبرة بالولايات الجنوبية تقول ايزابيلا انها ظلت بمنأى عن الحديث في السياسة ولكن صمتها وصمت الغالبية من اهل السودان عن التعاطي في الشؤون السياسية اورد البلاد اسباب الانقسام واتفقت بذلك مع المهندس بيتر بأن ترك الامر للسياسيين قد ادخل البلاد في مأزق تاريخي. وعن مستقبلها قالت ايزا، كما تناديها زميلاتها بالعمل ان اسرتها قررت البقاء بالشمال خاصة انها واخوتها جميعا قد ولدوا وشبوا فيه . وفى ولاية النيل الأبيض هنالك الكثير من الجنوبيين الذين فضلوا البقاء بالولاية ورفضوا أية محاولة للعودة إلى الجنوب ،ليقينهم بأن الإنفصال سينعكس سلبا على حياتهم ويهدد مصير أبنائهم ،خاصة الذين عاشوا معظم حياتهم أوكلها في إحدى مناطق الولاية . ومن بين الجنوبيين الذين آثروا البقاء بالشمال على العودة، المواطن سانتينوميقور والذى يقيم بكوستي منذ فترة ليست بالقصيرة حيث يعمل كمديرلإحدى الشركات ، وقدتحث ل (الصحافة) قائلا إنه وحدوي ويرى أن يظل السودان موحدا رغم بعض إيجابيات الإنفصال على حد قوله،واضاف أنه لايمكن أن يرحل عن كوستي مسببا ذلك بأنه يحس بالراحة ويعيش حياة مستقرة وآمنة ،إضافة للعلاقات الوثيقة التي ظلت تجمعه مع الكثيرمن المواطنين الشماليين من جيرانه وزملائه وأصدقائه،وقال إن هذه العلاقة تمثل الكثيرله فى حياته وأنه لايمكن أن يبدل وضعه بحياة أخرى غيرمحمودة العواقب، وقال إنه عاش في الشمال (27)عاما لم يجد خلالها غيرالتعامل الطيب من قبل الشماليين ،وأكد سانتينو أنه ورغم تصريحات بعض المسؤولين الشماليين المطالبة برحيل الجنوبيين من الشمال إلا أن ذلك لم يغير في قناعاته ببقائه في مدرينة كوستي والتى قال إنه أصبح جزءا من مجتمعها بدليل رئاسته لأحدأ نديتها الرياضية. وحول رد فعل أصدقائه الشماليين من مسألة البقاء بالشمال ، قال ان من اسباب إصراره على أن يواصل حياته بكوستي هو تعلقهم به وعدم قبولهم لأية فكرة للرحيل مهما كانت الأسباب. ولم يكن حال جوزيف والذي يعمل موظفا بأقل من حال سانتيونوا إن لم يكن أكثرمن ناحية موقفه من عدم تحمسه للعودة إلى الجنوب ،حيث قال ل (الصحافة)إنه عاش معظم عمره بولاية النيل الأبيض متنقلا بين مدنها، وقال إنه وأسرته إنصهروا في المجتمع المحلي وشاركوا في كل مناسباته وبادلهم ودا بود دون أن يحس يوما بأنه غريب أوغيرمرغوب فيه ، وأوضح أن الكثيرمن الشماليين ظلوا يشاركونه أفراحه وأتراحه ويشدون من أزره في الملمات ، وأكد جوزيف أنه هنالك الكثيرمن الجنوبيين سواء بالنيل الأبيض أو بولايات الشمال الأخرى ،غير راغبين في مغادرة مساكنهم ،لإرتباط مصالحهم الحياتية بالشمال وإندماجهم فى المجتمع بصورة أصبحت لاتقبل أى إنفصال عنه . هذه نماذج للفئة الصامتة من الجنوبيين والتي لايسمع أحد صوتها رغم أنها ذات نسبة معتبرة من ناحية العدد والنوع، إذ أن معظم من رفضوا العودة إلى الجنوب هم من اصحاب المؤهلات العلمية والكفاءات الإدارية،وهي بالتأكيد تعتبرشريحة مؤثرة ولها رؤية ثاقبة للأمور، وإذا كان هؤلاء قدوجدوا فرصة للتعبيرعن رأيهم مثل دعاة الإنفصال ،لكان الأمر قد تغير، ولأصبح خيارالوحدة هو المرجح.