صديقي التونسي محمد البنزرتي يحزم حقائبه هذه الأيام تأهبا للرحيل الى بلاده التي غاب عنها سنوات طويلة ، بحجة عدم وجود أمل في غد أفضل في تونس الخضراء ، وبطبيعة الحال غير الصديق محمد البنزرتي هناك أعداد هائلة ستعود الى تونس ، من بينهم شباب يانع ، وشيوخ حرموا لسنوات طويلة من معانقة المساجد .. نعم افلح هذا الشعب في أن يزيح زين العابدين بن علي في ثورة شعبية عارمة ، لم تنجح معها محاولة زين العابدين بن علي في الالتفاف حولها بقوله»الآن فهمتكم « !!وهو أمر عجيب وغريب أن يقول رئيس دولة بعد 23 سنة من الحكم انه الآن فهم شعبه ، وهو الذي تولى السلطة عام 1987م كونه وزير الحبيب بورقيبة المريض قبل الرحيل ،و»الأعجب» أن يخرج رئيس عربي آخر ليقول للتونسيين: «كان عليكم الانتظار ثلاث سنوات» تنقضي فيها ولايته ، ولن يرشح نفسه مرة ثانية.. وكأن الثلاث سنوات قصيرة في عمر الشعوب .. المهم ان صديقي البنزرتي حزم حقائبه دون ان يفكر لحظة فيما ستؤول إليه الأمور بحجة ان أي خيار دون بن علي سيكون أفضل لتونس.. وهو يؤكد بان أهل تونس لن يسمحوا من جديد لأشباه بن علي ان يكتموا أنفاسه!. وتبقى المفارقة المدهشة ان يفر رئيس من شعبه الذي كان حرياً به ان يلتحم به ، وهم الذين يرددون دوما «التحام القائد بشعبه» ، حقيقة لا أستطيع ان افهم كيف يكون الفرار هكذا سريعا .. وتبقى القصة المؤكدة بان الأمر ليس زيادة أسعار ، وضعف فرص التوظيف فكل هذه يمكن علاجها أو تحملها لحين.. ولكن الذي يصعب على الإنسان « السًوي» تحمله هو « القهر والظلم» فبينما الشباب لايجدون وظائف يشاهدون عائلة الرئيس ومدامه المصون وهم يفسدون في الأرض ، للحد الذي يجعل زوجة بن علي وهي تسارع للهرب ان تنقل معها طناً ونصف الطن من الذهب الخالص ، ويكون مصير من تبقى من أسرة الرئيس القتل والملاحقة القانونية ، ودعوات الثكلى والمحرومين ، والشيوخ الذين عاب عليهم ان يرفعوا شعارات إسلامية ، تنبع من إرادة شعبهم المسلم . وأخيرا أقول لصديقي محمد البنزرتي الذي ظل بعيداً عن تونس الخضراء ل 19 سنة هنيئا لك بعودة رائعة لوطن يستعيد حريته المسلوبة ، أملا في عافية تسري في جسده .. ونتمنى أن يعي كل حاكم مستكبر ان شعبه قد يهب لحظة ، حينها لن تجدي معه كلمات «والآن قد فهمتكم» ، لان إسماع الشعب تكون قد «أغلقت» تماما . ولو كان الشاعر الراحل ابن تونس الخضراء عايشا لقال لأهل تونس.. الم اقل لكم من قبل وقد عزفت لحن الحياة : إذا الشعب ُ يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ومن لم يعانقه شوقُ الحياة تبخر في جوِها واندثر