وساطة الفريق اول ابراهيم سليمان: هل تكرار لذات السيناريو    شاهد بالفيديو.. ياسر العطا يقطع بعدم العودة للتفاوض إلا بالالتزام بمخرجات منبر جدة ويقول لعقار "تمام سيادة نائب الرئيس جيشك جاهز"    عقار يشدد على ضرورة توفير إحتياطي البترول والكهرباء    ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا    ريال مدريد يهزم دورتموند الألماني ويصطاد النجمة 15    (زعيم آسيا يغرد خارج السرب)    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    قنصل السودان بأسوان يقرع جرس بدء امتحانات الشهادة الابتدائية    المريخ يتدرب على اللمسة الواحدة    إعلان قائمة المنتخب لمباراتي موريتانيا وجنوب السودان    شاهد بالفيديو.. مواطن سوداني ينطق اسم فريقه المفضل بوروسيا درتموند بطريقة مضحكة ويتوقع فوزه على الريال في نهائي الأبطال: (بروت دونتمند لو ما شال الكأس معناها البلد دي انتهت)    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    منظمات دولية تحذر من تفشي المجاعة في السودان    بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ببنت شفة    صلاح ينضم لمنتخب مصر تحت قيادة التوأمين    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية كبيرة من الجمهور.. أحد أفراد الدعم السريع يظهر وهو يغني أغنية "هندية" ومتابعون: (أغنية أم قرون مالها عيبها لي)    شاهد.. زوج نجمة السوشيال ميديا أمنية شهلي يتغزل فيها بلقطة من داخل الطائرة: (بريده براها ترتاح روحى كل ما أطراها ست البيت)    بعد الإدانة التاريخية.. هل يستطيع ترامب العفو عن نفسه إذا نجح بالانتخابات؟    أسعار الأدوية في مصر.. المصنعون يطلبون زيادة عاجلة ل700 صنف    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون يقدمون فواصل من الرقص "الفاضح" خلال حفل أحيته مطربة سودانية داخل إحدى الشقق ومتابعون: (خجلنا ليكم والله ليها حق الحرب تجينا وما تنتهي)    مسؤول سوداني يكشف معلومات بشأن القاعدة الروسية في البحر الأحمر    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    دفعة مالية سعودية ضخمة لشركة ذكاء اصطناعي صينية.. ومصدر يكشف السبب    في بورتسودان هذه الأيام أطلت ظاهرة استئجار الشقق بواسطة الشركات!    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    السعودية "تختبر" اهتمام العالم باقتصادها بطرح أسهم في أرامكو    ميتروفيتش والحظ يهزمان رونالدو مجددا    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإجماع الجنوبي على الاستقلال بنسبة «99%»
نشر في الصحافة يوم 25 - 01 - 2011

تعتبر اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بين الحكومة «المؤتمر الوطني» والحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2005م، تعتبر أكثر الاتفاقيات التي وجدت اهتماماً ورعاية دولية منقطعة النظير، متفوقة على قضايا إقليمية في مناطق أخرى من العالم مثل قضية كشمير بين الهند وباكستان، والقضية الفلسطينية والصحراء الغربية المغربية، وذلك لما لها من تداعيات على السلم والأمن الدوليين، على المستوى العالمي والقاري والإقليمي لدول شرق ووسط إفريقيا «الإيقاد»، التي ستتمخض عنها تأثيرات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية على كل هذه المستويات.
وبما أن السودان يمثل أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، ويعتبر سلة غذاء العالم بموارده الطبيعية من زراعية وحيوانية ومياه، بالإضافة للثروات المعدنية الضخمة من بترول ويورانيوم وذهب وغيرها، وبما أن الذي يملك المياه والغذاء في الأعوام القادمات يعتبر المسيطر على العالم، لذلك فإن السودان يمثل رأس الرمح في هذا المجال الذي بدأت بوادر حربه بارتفاع أسعار المواد الغذائية عالمياً، والتي تدفع الدول العربية بشمال إفريقيا فاتورتها في كل من تونس والجزائر والمغرب، وحتى مصر لم تسلم منها، وكان كبش فدائها الطاغية زين العابدين الرئيس التونسي المخلوع ثمناً لهذا الطوفان. ولكي لا يستطيع السودان القيام بهذا الدور المهم، كان لا بد من إعداد مؤامرة عالمية تستهدف تفكيك السودان، تقودها الدوائر الغربية المعادية لشعوب العالم الثالث تحت رعاية الدول الغربية على رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومن سار على خطاها، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بالضغط على الشريكين بتنفيذ الاستفتاء في موعده دون تأخير أو تأجيل، وذلك باستغلال نقاط الضعف والثغرات القانونية الموجودة في اتفاقية السلام الشامل، خاصة في قانون الاستفتاء.
ويعتبر اجتماع نيويورك لمجلس الأمن الذي عقد بشأن السودان في الربع الأخير من العام الماضي 2010م، والذي حضره السيد سلفا كير النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب، والسيد علي عثمان نائب رئيس الجمهورية، يعتبر أهم المحطات على الإطلاق في مسيرة اتفاقية السلام الشامل، وذلك للسيناريوهات التي تمت في تلك الاجتماعات من وضع خارطة الطريق في الاستفتاء «إجازة فصل الجنوب» وإلزام الشريكين بإجراء الاستفتاء في موعده، مقابل تقديم وعد من الولايات المتحدة للخرطوم بتحسين العلاقات باعتبار ذلك حافزا لتنفيذ الاستفتاء، وقد أعلنت الحركة الشعبية في تلك الاجتماعات ولأول مرة صراحةً بفشل الوحدة، وأن خيار الجنوبيين هو الانفصال، وأنها تحترم ذلك الخيار، وعند وصول السيد سلفا كير لجوبا صرح بأنه سيصوت للانفصال.
وتأتي أهمية محطة الحوار الجنوبي الذي عقد في شهر أكتوبر 2010م، والذي جاء بوصفه مخرجات لمقررات واشنطون، لتحقيق سيناريو الانفصال، وذلك بإدارة العملية كما تريدها الدوائر الغربية، وقد استطاعت الحركة الشعبية أن تدير هذه العملية بتكتيك عالٍ، وبذكاء خارق، وبدلوماسية تنم عن المكر والدهاء، مستغلة طمع شريكها المؤتمر الوطني في الوحدة الجاذبة، وذلك بابتكار وسائل وأدوات مشروعة لتحقيق أهدافها ومن بينها الانفصال، وتأتي دعوة الأحزاب الجنوبية للحوار وبعض منظمات المجتمع المدني الدينية والشبابية لبلوغ هدف الانفصال، وقد توصل المؤتمر إلى مقررات مهمة تخدم الهدف في توحيد الصف الجنوبي وتوحيد كلمته تجاه الشمال المنقسم على نفسه، وتم الاتفاق في ذلك الحوار على العفو العام عن كل معارضي الحركة الشعبية من حملة السلاح مثل جورج أطور وقلواك قاي وغيرهم، وتم الاتفاق على إجراء استفتاء حر ونزيه وشفاف «Free, Fair & Transparency». واشتمل الاتفاق كذلك على تعبئة المواطن الجنوبي للتسجيل والاقتراع، وتم وعد الأحزاب الجنوبية بحل الحكومة الحالية حال الانفصال، وتشكيل حكومة تستوعب الجميع باعتبار ذلك حافزاً للعمل المشترك.
وقد تمكنت الحركة الشعبية من تمرير أجندتها المهمة عبر بوابة القوى السياسية الجنوبية لكسب شرعية الانفصال، بعيدةً عن المحاسبة المباشرة من القوى السياسية الشمالية بما فيها المؤتمر الوطني، واتهامها بخرق مبدأ العمل سوياً من أجل الوحدة الجاذبة، كما ورد في الاتفاقية والدستور.
ومن خلال ذلك المؤتمر فقد استطاعت الحركة الشعبية أن تعبر مجموعة من المتاريس والأسلاك الشائكة والمطبات الهوائية، وذلك بتجاوز مجلس تحريرها الذي يتخندق فيه كيان الشمال الوحدوي المكون من ياسر عرمان ومالك عقار وعبد العزيز الحلو، الذين نحسب أنهم يمثلون التيار الوحدوى بحكم موقعهم الجغرافي، وبهذه الطريقة فقد تم تهميش بقية أعضائها الوحدويين في المكتب القيادي، إلى أن انتهى الأمر باصطياد مجموعة عصافير بحجر واحد في عملية القفز في الظلام.
وهذا الموقف الغريب في التجاوز والسيطرة على مفاتيح اللعبة السياسية، أشبه بموقف شريكه المؤتمر الوطني «الإنقاذ» في سنينه الأولى عندما كان منفرداً بالحكم، وذلك في مسألة تقسيم الولايات في فبراير عام 1994م، فقد عارض مجلسه الوطني الانتقالي فكرة التقسيم على ما أذكر، فتم تجاوزه بدعوة الفعاليات السياسية من مختلف ولايات السودان في قاعة الصداقة لإجازة التقسيم ووضع المجلس الوطني أمام سياسة الأمر الواقع، وما أشبه الليل بالبارحة لمجلس تحرير الحركة الشعبية و «القرين بالقرين يقتدي». والمعلوم أن مجلس تحرير الحركة الشعبية يمثل السلطة العليا المنتخبة التي لها الحق في إجازة القضايا الكبرى مثل قضايا الانفصال التي أجازتها القوة السياسية الجنوبية نيابة عنه، وهو في إجازة مفتوحة كما خطط له، وتعتبر الخطوة التي أقدمت عليها الحركة الشعبية في عقد تحالفات سياسية مع الأحزاب الجنوبية التي تفتقر إلى القواعد والجماهير بل حتى البرامج والأنشطة، تمثل عملاً تكتيكياً مهماً ناجحاً بكل المقاييس يستحق الإشادة من الأعداء قبل الأصدقاء.
وأخيراً كانت محطة الإعلام والتعبئة السياسية التي لا تقل عن المحطتين السابقتين إن لم تكن تتفوق عليهما، فقد قادت القوة السياسية الجنوبية وهي في قمة نشوتها من المحفزات والأشواق حملات التعبئة السياسية وسط المواطنين الجنوبيين في الجنوب والشمال، والتي اشتملت التركيز على هيمنة الشمال على الجنوب سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وأن الدولة الجنوبية هي المخرج، وأن المواطن الجنوبي سيكون فيها مواطناً من الدرجة الأولى في دولة تسودها قيم الحرية والعدالة والمساواة التي تعتبر مفقودة الآن. بينما جاء الخطاب الوحدوي للمؤتمر الوطني ضعيفاً وخالياً من محفزات وإغراءات للوحدة، بل اعتمد على الخطاب العاطفي «قوتنا في وحدتنا»، ولم يشارك بفعالية في عمليات التسجيل، ولم يكن له مراقبون في كل مراكز التسجيل في الجنوب وفي معظم الولايات الشمالية، وكذلك في حملات التعبئة والندوات والمسيرات، ولم يسجل الحزب حضوراً في إسناد قاعدته وناخبيه أثناء فترة الاقتراع في الجنوب، لذلك جاءت النتيجة هزيلة وفق ما كسبت أيدي الحزب بالنسبة تقدر ب 1% فقط، وهي عادلة في تقديري، وأن الذين صوتوا للوحدة صوتوا لتسجيل موقف، وقد جاء إخفاق الحزب للأسباب الآتية:
1/ ضعف الخطاب السياسي الوحدوي وخلوه من محفزات، وعدم اتفاق قيادات الحزب في تصريحات موحدة تجاه المواطن الجنوبي أثناء إدارة حملة الاستفتاء.
2/ الآلية التي أدار بها الحزب عملية الاستفتاء بالاعتماد على الخبراء من الشمال وتهميش الكادر الجنوبي وجعله «تمومة جرتق» أو «كمبارس» دون العمل بمبدأ «أدي الخبز لخبازه ولو يأخذ نصفه».
3/ تقاعس الحزب أثناء حملات التعبئة والتسجيل والاقتراع.
وجاء الخطاب الانفصالي قوياً ومليئاً بجملة من المحفزات والإغراءات والأشواق، وذلك بتكوين حكومة وطنية جنوبية تستوعب كل الأحزاب، وأن البترول كله سيكون ملكاً للجنوب دون مشاركة الشمال، وأن المواطن الجنوبي سيكون درجة أولى، لذلك جاءت النتيجة لصالح الانفصال بناءً على هذه المحفزات بنسبة لم يبلغها أي استفتاء أجرى في العالم بحوالي 99%، وهو إجماع وطني جنوبي وليس انتصاراً نهديه إلى منبر السلام العادل ومن شايعهم، والذي جاء تحت شعار«نكون أو لا نكون» (To be or not to be).
والله ولي التوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.