شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    شاهد بالفيديو.. كواليس حفل زواج الفنان عبد الله كنة.. إيمان الشريف تشعل الفرح بأغنية (الزول دا ما دايره) ورؤى نعيم سعد تظهر بأزياء مثيرة للجدل والمطربون الشباب يرقصون بشكل هستيري    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وضعية مياه النيل في ظل إنفصال جنوب السودان
قضايا ما بعد الاستفتاء(3)
نشر في الصحافة يوم 11 - 02 - 2011

يعتبر الماء العنصر الأساسي للكائنات الحية وسراً لخصوبة الأرض وازدهارها، مصداقاً لقوله تعالى: { وجعلنا من الماء كل شيء حي } . فالحياة مرتبطة بالماء وجوداً وعدماً، ويستوي في ذلك حياة الإنسان والحيوان والنبات، والقصور في وجود الماء يعني تهديداً خطيراً للحياة والأحياء على السواء.إن السكان بطبيعة الحال يتزايدون وبمعدلات متفاوتة في جميع أنحاء العالم بصورة عامة، وفي العالم الثالث بصورة خاصة. هذا النمو المتسارع للسكان خاصة في دول حوض النيل أفرز احتياجات متفاوتة للمياه ، لتأمين الغذاء والاستهلاك المنزلي،وتوليد الطاقة الكهرومائية وغيرها من الاستخدامات المتعددة للمياه. ولأجل هذه الاحتياجات المائية المتزايدة لدول حوض النيل،انعقدت الكثير من المؤتمرات والندوات، لتأمين شريان الحياة للإنسان والحيوان والنبات، وسخرت التكنولوجيا المائية لتحد من الفواقد المائية، فضلاً عن تكنولوجيا تحلية مياه البحر. يجئ الاهتمام بالحديث عن مياه النيل هنا لاشتراك عشرة دول فيها، وربما أحد عشرة دولة إذا انفصل جنوب السودان . ولوجود اختلافات وعلاقات متباينة بين تلك الدول، وكذلك لارتباطها باتفاقيات وبروتوكولات قديمة ، متجددة بالمطالبة بإلغائها وفقاً لنظرية التغيير الجوهري في الظروف ، تلك النظرية التي تعطي الدولة المتضررة الحق في إنهاء أو إيقاف العمل بالاتفاقية وفق شروط معينة، فدول حوض النيل مرت وتمر الآن بظروف وتغيرات عديدة جعلتها منقسمة بين دول مطالبة بإلغاء الاتفاقيات القديمة الاستعمارية الموروثة « إثيوبيا ، يوغندا ، كينيا ، رواندا ، بوروندي ، الكنغو الديمقراطية، تنزانيا»، وهذه جميعها دول منابع. ودول متمسكة بالحقوق المكتسبة من الاتفاقيات القديمة «مصر والسودان». ودولة غير منضوية حتى الآن في مجموعة دول حوض النيل « اريتريا» وتشارك بصفة مراقب. إن الإشكالية الكبرى في اتفاقيات مياه الأنهار الدولية تتمثل في أن القانون الدولي لم يوفر أساساً قانونياً واضحاً يتيح للأطراف المتنازعة فرصة الاحتكام لمبادئه ، كذلك ومن وجهة أخرى تتزايد أزمة المياه في العالم المعاصر في الوقت الذي لا يخضع فيه حوض نهر النيل لاتفاقية شاملة لتقسيم المياه. إن القاعدة الأساسية في النظام القانوني الدولي ، هي العقد شريعة المتعاقدين أي الثبات ، ولكن الإستثاء أن هناك جانباً متغيراً ومتطوراً في الحياة عامة بكل نظمها الطبيعية والبشرية والنظام القانوني فيها.
مياه النيل في اتفاقية السلام الشامل:-
إن اتفاقية السلام الشامل تضمنت الإشارة لمياه النيل في برتوكول السلطة وليس الثروة، وأعطت كافة الصلاحيات للحكومة المركزية ولم تشر للمشاريع الخاصة بزيادة الإيراد المائي من قناة جونقلي والمستنقعات الأخرى ، وأوضحت أن 40% من مياه حوض النيل تقع في الجنوب وأن90% من جنوب السودان تقع داخل حوض النيل وفي حالة تحقيق الوحدة ينتقل القرار المتعلق بقناة جونقلي للجنوب وفي حالة الإنفصال فإن ذلك يعني ميلاد دولة جديدة تنضم لدول الحوض.
مع اقتراب موعد الاسفتاء في9 يناير 2011م ، أصبحت قضايا مابعد الإستفتاء من أهم القضايا على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، لما يترتب عليها من تداعيات مستقبلية مفتوحة على كل الاحتمالات خشية أن يتحول الانفصال في حالة وقوعه من نهاية منتظرة لحرب طويلة بين الشمال والجنوب إلى بداية جديدة لسلسلة من المشاكل والأزمات والتداعيات غير المحسوبة التي تؤدي بالسودان إلى التفكك والفوضى التي لا تحظي بالنقاش العلمي فالتأييد العام لشعار «جعل الوحدة جاذبة» والتزام طرفا اتفاقية السلام الشامل بالعمل معاً في هذا الاتجاه بدأ يتناقص مع القبول لفكرة أن الوحدة باتت غير مرجحة طبقاً للعديد من التحركات السياسية والتصريحات العلنية التي توضح واقع وملاح المشهد السياسي الماثل في السودان الأن.
رؤية حكومة جنوب السودان لمياه النيل
هناك بعض النقاط يجب النظر إليها لتوضيح موقف حكومة جنوب السودان من مياه النيل :
* معظم دول المنابع تجاور جنوب السودان {إثيوبيا ? كينيا ? أوغندا ? الكنغو الديمقراطية } ولها علاقة قوية جداً مع حكومة جنوب السودان في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية ، بل تمثل هذه الدول الداعم الرئيسي لحكومة الجنوب ، وبناء علي ذلك فإن حكومة جنوب السودان رغم اهتمامها الكبير بمشكلة مياه النيل بين دول المنابع ودولة المصب مصر ، فإنها تتصرف وتتحرك بحذر شديد ، معتبرة حق تقرير المصير الذي نتج عن اتفاق السلام في 9/1/2005م أولوية ومكسبا للجنوب وبأن ذلك سيتحول إلى خطر تم خلطه مع المواقف السياسية لحكومة الجنوب تجاه مياه النيل ، ويرجع ذلك لخطورة هذا الموضوع من قبل دول المنابع السبع ، فجنوب السودان يمثل جزءا أساسيا ومعتبرا في حوض النيل ، ويمر به نهر النيل قبل شمال السودان ومصر ، فإذا قدر للاستفتاء أن يأتي بدولة جديدة (جنوب السودان) فسوف تزيد من الوضع والموقف المتأزم حول مياه النيل ، وسوف تكون غير مرغوب فيها إذا انضمت لأحد طرفي النزاع (دول المنابع ? السودان ومصر) رغم أنها سوف تكون أقرب بنسبة كبيرة لدول المنابع . إذ أن الثقة التي توليها حكومة الجنوب في دول المنابع تجاه المساهمة الفاعلة والكبيرة في الاستفتاء حول تقرير المصير أهم وأولوية ولذلك لا تريد عرقلتها بإدخال نفسها في خلافات مياه النيل المعقدة .
* لكل ما تقدم فإن وضع مياه النيل في حكومة جنوب السودان في هذا الوقت (قبل الاستفتاء) معقد جداً في ظل الشراكة القوية لحكومتها مع دول المنابع. وعليه عملت علي عدم الدخول في الخلافات الدائرة الآن بين دول المنابع والسودان ومصر ، وتركت الموضوع برمته ليتم التعامل معه مع السودان كدولة موحدة حتى الآن وفقاً لاتفاقية السلام الشامل وبالتالي لم تساهم ولم تشارك في كل المؤسسات المتعلقة بإدارة ملف المياه ، ولم تسع للعب دور في مشكلة مياه النيل في هذه الفترة ، وذلك لاهتمامها بملف عملية تقرير المصير التي تحتاج فيها لدعم جميع الدول وخاصة دول المنابع السبع . رغم ما لها من دور فاعل ومشارك في المسائل الأخرى التي تربطها مع حكومة الوحدة الوطنية مثل الثروة البترولية ، الحدود ، الأرض والموارد الطبيعية الأخرى ، الاقتصاد والديون .. الخ .
* حكومة جنوب السودان تري أنه لا توجد مشاريع للري في الجنوب في الوقت الحالي تتطلب الدخول في الصراع والخلاف حول مياه النيل، فمعظم مشاريع الري توجد في شمال السودان . وحتى أن المشاريع الكبيرة في شمال السودان لا تستغل كامل حصة السودان من مياه النيل المقررة حسب الاتفاق الثنائي بين السودان ومصر والتي تبلغ 18,5 مليار م3 . وتقدر الكمية المستخدمة ب 14 ? 16 مليار م3 سنوياً . وحتى المشاريع الصغيرة الموجودة في جنوب السودان التي لم تكتمل بعد أو التي تحتاج إلي إعادة تأسيس لا تتطلب مياه كثيرة فحاجة الجنوب من مياه النيل في ظل هذه المشروعات الصغيرة أو في حالة اكتمال هذه المشروعات ستظل محدودة، وستظل هناك كمية من حصة السودان المائية غير مستغلة، لكل ذلك جعلت حكومة جنوب السودان المسئولية عن حصة السودان المائية وما يدور من خلافات حول مياه النيل بين دول المنابع والسودان ومصر خلال هذا الفترة لحكومة الوحدة الوطنية .
* تراقب حكومة جنوب السودان بحذر، الخلاف الدائر بين مصر والسودان مع دول المنابع السبع . ودول المنابع هي إثيوبيا ، كينيا ، أوغندا ، بورندي ، رواندا ، تنزانيا ، الكنغو الديمقراطية، إريتريا ، والخلاف يدور حول اتفاقية عام 1929م (التي وقعت بين مصر وبريطانيا) ، فدول المنبع لا تعترف بهذه الاتفاقية لأنها وقعت نيابة عنها في وقت الاستعمار وهي ليست طرفاً فيها بدعوى أنها تشكل حتى الآن عقبة كبيرة في سبيل تطورها وتنمية مواردها الزراعية لمواجهة متطلباتها الجديدة في التوسع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي لسكانها المتزايد عددهم . ووفقاً لذلك تطالب دول المنابع باتفاقية جديدة تراعي العدالة في توزيع المياه بين جميع دول الحوض، ويستندون في ذلك لدعم مواقفهم بالقانون الدولي ونظرياته (نظرية الإكراه ، نظرية التغيير الجوهري في الظروف) . بينما تتمسك مصر باتفاقية عام 1929م وتدافع عنها بشدة وتستند كذلك إلي القانون الدولي ونظرياته (نظرية التوارث الدولي في المعاهدات) .
* كذلك تراقب حكومة جنوب السودان بحذر، الخلاف حول اتفاقية عام 1959م التي وقعت بين السودان ومصر ، حيث تعارض دول المنابع بشدة هذه الاتفاقية باعتبارها اتفاقية ثنائية غير ملزمة لهم ، وتطالب باتفاقية جديدة لتوزيع حصص المياه بالعدالة بين جميع دول حوض النيل . فيما تتمسك بها مصر والسودان ويؤكدان حقوقهما التاريخية المشروعة لاستخدامهما لمياه النيل . ويؤكدان حماية هذه الحقوق بواسطة القانون الدولي ويقولان أن هذه الاتفاقية غير قابلة للتفاوض ، ويريان أنها مثل اتفاقيات الحدود التي أقرتها منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً والإتحاد الإفريقي حالياً ، بالاحترام لكل الاتفاقيات التي أبرمت في فترة الاستعمار كاتفاقيات الحدود بين الدول الإفريقية .
* من ذلك نستنتج أنه في حالة اختيار شعب جنوب السودان للانفصال، فإن موضوع مياه النيل ونصيب الدولة الجديدة سيكون من أهم مواضيع التفاوض، وستكون حكومة الجنوب في وضع أفضل كونها دولة مستقلة ضمنت تعاون الجميع ( دول المنابع السبع + السودان الشمالي ومصر) في تحقيق مصيرها . وبدأت في موقف استقلال ذاتي غير مرتبط بضغوط للتفاوض في مسألة موقفها من المياه بصورة أفضل بناءا علي التوسع الذي تريده في زيادة المشروعات التنموية .
علاقة مصر مع حكومة جنوب السودان :- « تطمينات دبلوماسية مائية متبادلة «
رغم أن اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان لعام 1959 م ينص على التحالف المائي بين البلدين :حيث أنشأ البند خامساً من الاتفاق تحالفاً مائياً بين البلدين في مواجهة الدول الأخرى المشاطئة للنيل ، خاصة وأن الاتفاق ثنائي ولا يلزم سواهما. فقد نصت الفقرة (أ) من البند الخامس على أنه إذا دعت الحاجة إلى إجراء أي بحث في شئون النيل مع أي بلد من البلاد الواقعة على النيل ، فإن حكومتي مصر والسودان تتفقان على رأي موحد بشأنه بعد دراسته من قبل الهيئة الفنية الدائمة.
الا ان الحكومة المصرية وفي خطوات استباقية،دعما لعلاقاتها المستقبلية مع دولة جنوب السودان، أقامت العديد من المشاريع المائية . وتتضح علاقة مصر مع حكومة جنوب السودان في الاتي :-
* أكد وزير الري والموارد المائية في حكومة جنوب السودان جوزيف دوير جاكوك للشرق الأوسط : ( أنه لا يري خطورة من الجانب السوداني في حال انفصال الجنوب أوبقاءه موحداً على مياه النيل وأضاف : ( لدي الجنوب من المياه الجوفية ومياه الأمطار كميات كبيرة جداً غير متوافرة لمصر التي تعتمد على مياه النيل أكثر من أي بلد في حوض النيل .... ولا يعقل إطلاقاً أن يشكل السودان كدولة موحدة بعد الآن أو انفصل الجنوب خطورة على مياه النيل وليس هنالك سبب يدعو الجنوبيين لإيقاف جريان النيل لمصر . ...... وأن الجنوب حالياً يستخدم حصة المياه العابرة والإقليمية ، والمياه الآن من مسئولية الحكومة المركزية في الخرطوم ولا صلة لجوبا بها . وقال جاكوك : (أن حكومة الجنوب منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2005م لم تبن أي سد مائي في الجنوب ....وليس لدينا حاجة لإقامة سد مائي ، ولكن لدينا خطة مشتركة مع مصر لنظافة حوض بحر الغزال في الجنوب... وأن إنجاز هذا المشروع سيكون من أسباب استمرار تدفق مياه النيل مشيراً إلي وجود العديد من مشاريع التنمية والمساعدات التي تقدمها مصر إلي جنوب السودان في النواحي الصحية والتعليمية والفنية الخاصة بالمياه واستغلالها وتابع ( لا تفريط في حصة مصر من مياه النيل) . (33)
* مصر تبني سداً وميناء هدية لجنوب السودان ، أعلنت وزارة الري المصرية في 15/9/2009م عن اختيار موقع أول سد متعدد الأغراض في جنوب السودان تقرر أن تبنيه لخدمة ولايات الجنوب . وقال محمد نصر الدين علام وزير الري : أن السد الذي تعتزم الوزارة بنائه يقع على نهر سموي أمام مدينة واو في جنوب السودان . ويعد هذا السد من المشروعات الإنمائية الحيوية في جنوب السودان التي تبنيها مصر . ويتميز هذا السد عند الإنتهاء من بنائه بقدرته على توفير مياه الري التكميلي لزراعة ما يصل إلى أربعين ألف فدان . وتشمل المشروعات المصرية في جنوب السودان أيضاً بناء مرسى نهري بمدينة واو وتطهير المجاري المائية في حوض بحر الغزال لربط مدينة واو مع مدينتي بانتيو وملكال ، ويتضمن ذلك ربط بحر الغزال ملاحياً بالنيل الأبيض ثم شمال السودان ومصر (34).
* أوضحت السفيرة منى مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية أن مصر استعدت لسيناريو محتمل بانفصال جنوب السودان لكنها قالت بأنها لا تعلم ما إذا كان سيتم تقسيم حصة السودان وهي 18.5 مليار م3 من المياه سيتم تقسيمها بين الشمال والجنوب . أم سيحصل الجنوب على حصة من مياه النهر غير محددة . وأضافت أن بلادها قامت بدراسة كل الاحتمالات لهذا الموضوع ، ووصفت الوجود المصري في جنوب السودان بالقوي جداً ، وتابعت « أحنا في الجنوب مش قليلين وأتقل من أي حد ولدينا علاقات قوية مع الأخوة في الجنوب وعدد من المشاريع والمستشفيات والخبراء الموجودين هنالك ، مشيرة إلى أن الاتفاقية الإطارية تحقق مصلحة جميع الدول بما في ذلك جنوب السودان إذا انفصل معتبرة أن أزمة حوض النيل ليست في نقص المياه ولكن في سوء استعمالها « (35).
* ومن جهته أوضح روبين مريال بنجامين نائب ممثل حكومة الجنوب في القاهرة: « إن الذين يهرولون الان إلى مصر للتحذير من خطورة انفصال الجنوب على مياه النيل والأمن القومي العربي ، عليهم أن يدركوا أن جنوب السودان ليس في حاجة إلى مياه النيل حتى يشكل انفصاله خطورة على حصة مصر من مياه النيل مبيناً :» أن كمية المياه المستخدمة في رش شوارع القاهرة أكثر بكثير من كمية المياه التي يحتاجها جنوب السودان، وأكد أن العلاقة بين الجنوب ومصر في حالة الانفصال ستكون أقوى من علاقة مصر مع شمال السودان . مشيداً بما ظلت تقدمه مصر لجنوب السودان منذ الاستقلال وأن طلاب الجنوب الذين تخرجوا من الجامعات المصرية أكثر من الذين تخرجوا من الجامعات السودانية . وأضاف أن جنوب السودان لن يبخل على مصر بشيء»(36).
* أوضح النائب الأول للرئيس رئيس حكومة جنوب السودان الفريق أول سلفاكير ميارديت خلال افتتاح المؤتمر العربي للإستثمار في جنوب السودان أنه في حالة انفصال جنوب السودان عن الشمال فإن الروابط الاقتصادية والثقافية بين الجانبين لن تنقطع وستظل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مستمرة . وأنه لو حدث الانفصال فإن الجنوب لن ينتقل إلى المحيط الهندي أو شاطئ الأطلسي وستستمر العلاقات بين الجانبين مضيفاً أن جنوب السودان من ضمن العالم العربي. (37).
الوضع القانوني لمياه النيل في ظل انفصال جنوب السودان
إتفاقية عام 1959 م:-
اتفاق عام 1959م واحتمال انفصال الجنوب:إن قيام دولة جديدة في جنوب السودان لن يؤثر من حيث المبدأ على الاتفاق حيث أنه أنشأ نظاماً إقليمياً في سياق المادة 12 من اتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978م. ويدور هنا جدل كثير حول حصة الدولة الجديدة هل ستسحب من إيراد النيل بالخصم من حصة السودان، أم بالخصم من حصة السودان ومصر معاً بموجب الفقرة (ب) من البند خامساً من اتفاق عام 1959م. (38) البند خامساً من الاتفاق الفقرة (ب) تنص على استحقاق الدول الأخرى المشاطئة للنيل لحصص من مياهه وأن تتفق مصر والسودان على رأي موحد بشأن مطالب تلك الدول ، وإذا أسفر البحث عن تخصيص أي قدر من إيراد النهر لأي من هذه الدول فإن هذا القدر يقتطع مناصفة من حصة الدولتين « وهذا رأي مجحف للسودان بل مستحيل « .
مواقف الدول النيلية الأخرى: إن اتفاق عام 1959م لم ينكر حقوق الدول الأخرى التي ليست طرفا فيه. فقد تركت الفقرة (ب) من البند خامساً الباب مفتوحاً أمام هذه الدول للمطالبة بأنصبة من مياه النيل. علماً بأن هذه الدول ترفض أصلاً الاتفاق ناهيك من مطالبتها بتخصيص نصيب لها بموجبه ، ولا تعترف به وتأخذ عليه أنه اتفاق ثنائي غير ملزم لها ، أبرم بدون استشارتها أو أي اعتبار لاحتياجاتها المائية.
إتفاقية مياه النيل 1959 م: نص البند خامسا أحكام عامة :
1/ « عندما تدعو الحاجة إلى إجراء أي بحث في شئون مياه النيل مع أي بلد من البلاد الواقعة على النيل خارج حدود الجمهوريتين فإن حكومتي جمهورية السودان والجمهورية العربية المتحدة يتفقان على رأي موحد بشأنه بعد دراسته بمعرفة الهيئة الفنيةالمشار إليها . ويكون هذا الرأي هو الذي تجري الهيئة الاتصال بشأنه مع البلاد المشار إليها. وإذا أسفر البحث عن الاتفاق على تنفيذ اعمال على النهر خارج حدود الجمهوريتين فإنه يكون من عمل الهيئة الفنية المشتركة أن تضع بالاتصال بالمختصين في حكومات البلاد ذات الشأن كل التفاصيل الفنية الخاصة بالتنفيذ ونظم التشغيل ومايلزم لصيانة هذه الأعمال وبعد إقرار هذه التفاصيل واعتمادها من الحكومات المختصة يكون من عمل هذه الهيئة الإشراف على تنفيذ ماتنص عليه هذه الاتفاقات الفنية.
2/ « نظرا إلى أن البلاد التي تقع على النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين تطالب بنصيب في مياه النيل ،فقد اتفقت الجمهوريتان على أن يبحثا سويا مطالب هذه البلاد ويتفقا على رأي موحد بشأنها وإذا أسفر البحث عن إمكان قبول أية كمية من إيراد النهر تخصص لبلد منهما أو لاخر فإن هذا القدر محسوبا عند أسوان يخصم مناصفة بينهما. وتنظم الهيئة الفنية المشتركة مع المختصين في البلاد الأخرى مراقبة عدم تجاوز هذه البلاد للكميات المتفق عليها» .
ولكن ماذا لو رفضت مصر تطبيق هذا الالتزام ؟
هنا على السودان الانضمام فورا إلى دول المنابع التي تطالب بإعادة النظر في جميع الاتفاقيات السابقة واعادة توزيع مياه النيل من جديد، وفي هذا ستكون مصر هي الأكثر تضررا .كذلك يمكن لجنوب السودان رفض نسبة المياه التي نصت عليها اتفاقية عام 1959 م،وبالتالي الانضمام لدول المنابع والمطالبة بإعادة النظر في جميع الاتفاقيات السابقة واعادة توزيع مياه النيل من جديد.
هكذا تتداخل وتتعدد المشاكل بين كل من مصر والسودان من جهة ودولة جنوب السودان الجديدة ومصر من جهة أخرى، ومصر والسودان ودول المنابع من ناحية أخرى .وهذا الأمر سوف يفتح ملف مياه النيل من جديد.
* ورقة قدمت في المؤتمر السنوي الرابع للجمعية السودانية للعلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.