ربما أمكننا أن نلحظ أن الاهتمام بمستقبل علاقات التفاعل بين دولة الجنوب المحتملة ودولتها الأم ونسبة لتعقيدات التاريخ وحجم المشكلات التي أفضت في نهاية الأمر إلى فض الشراكة( القُطرية ) وبالتالي الانقسام إلى دولتين ،جعلت من المخاوف واستدعاء التفسيرات الصراعية هي من تظلل التحليلات ، وكأنما انسد أفق المستقبل لعلاقة طيبة وبناءة لصالح البلدين والمحيط الاقليمى لطالما هم ليسو في معزل عن التأثيرات الإقليمية والدولية. على ضوء الرؤية التحليلية لأهمية التكامل الإقليمي يهدف المقال إلى تسليط الضوء على آفاق التعاون والتكامل الاقليمى Regional Integration في حالة السودان وجاره الجديد ، وإلى إثارة النقاش حول الفرص التي توفرها الإقليمية الجديدة كنمط متميز في أفريقيا لتحقيق الاعتماد المتبادل ، فإلى أي مدى تستطيع دولتا الشمال والجنوب الارتقاء إلى مستوى الوعي بالمسؤولية الإقليمية طالما عجزا عن الوعي( بالمسؤولية الوطنية) ويدفعهم بالتالي إلى الاستفادة من فرص التكامل الاقليمى ؟، والى اى مدى ستسعى الهيئات الإقليمية إلى تفعيل أهدافها ومبادئها لاستيعاب التغيُر في الخارطة الاقليمية ؟. تدخلت علاقات التفاعل الإقليمية في مشكلة الشمال والجنوب منذ فترة طويلة ويعد بروز دولة الجنوب بمثابة وليد شرعي لتفاعل الهيئات الإقليمية وتمثل ذلك من خلال رعاية الهيئة الحكومية للتنمية المعروفة اختصارا بإيقاد إذ عملت إيقاد بفعالية لوضع حد لأسباب النزاع في السودان ونجحت في ذلك ويعد بروز ودخول الجنوب كعضو وشريك إقليمي جديد قانونيا نتاج لهذا التفاعل وبالتأكيد إنها ستؤثر وتتأثرلامحالة بوضعها الاقليمى وان كان يتوقف الأمر على مدى إدراك ما يفترض أن تؤديه على نحو يفسر سلوكياتها في السياسة الخارجية ومدى تقديرها لحجم التغير في النسق الاقليمى وافق المسؤوليات لتوظيف الإمكانيات للقيام بدور نشط على الصعيد الاقليمى بالرغم من ظروف تكوُنها في ظروف معقدة قد تلقي بها في أحضان التبعية ولكن يتوقف ذلك على نضج النخبة في الجنوب وتطور وعيها بأهمية الشراكات الاقتصادية قبل الانضمام للمحكمة الجنائية مثل ما ترشح خلال الأيام الماضية . وبنفس حجم التساؤلات تواجه الدولة الأم في الشمال مسؤوليات لعب دور الشريك الإقليمي بالرغم من توجهاتها الداخلية التي لا تؤهلها على لعب هذا الدور على المدى القريب ولكن على الأقل في تبنى الوعي الاستراتيجي بأهمية الشراكات الإقليمية الأفريقية والعمل على استثمارها وانفاذ توجهاتها السابقة مثل تشريعات مجلس رؤساء دول وحكومات الإيقاد التي تدعو إلى تشجيع التجارة الداخلية وازالة الحواجز التي تعوق حرية التجارة وخلق فرص الاستثمار وتوفيق السياسات التجارية لتسهيل حركة السلع والأفراد والخدمات ...الخ ففي مثل هذه البرامج فرص جيدة لدفع علاقات الجوار بين السودان ودولة الجنوب بوعي إقليمي . ولكن نتيجة لقراءة مستقبل التفاعلات بين الشمال والجنوب على ضوء تعقيدات الحاضر وتركة تاريخ الحرب ،طغت النظرة التشاؤمية لمستقبل التفاعل ولكن هناك على الجانب الآخر نافذة التكامل الإقليمي يمر منه بصيص أمل قد يغمر علاقات الطرفين مستقبلا ليس من باب التمنيات أو خبط عشواء للاحتمالات إنما من خلال قراءة المحيط الاقليمى وتطور نظريات العلاقات الدولية القائمة منذ فترة طويلة وكان فاعلا بتعثر ،وباختصار يمثل النظام الاقليمى في ابسط معانيه نمطاً من التفاعل المنتظم بين عدد من الدول ،وفى حالة السودان بشقيه شمالا وجنوبا وجواره الاقليمى يجب أن تتطلع الدبلوماسية الذكية لا نماط التفاعل - التي تمكن من تحقيق التفاعل interaction والاعتماد المتبادل interdependence-والحفاظ على لذات - maintainكخصائص رئيسية لأنماط التفاعل الاقليمى . فما يجمع الجنوب بالشمال بموازين العلاقات الإقليمية والدولية محيط واسع من أشكال الشراكات إن تحلت نخبة البلدين بالمسؤولية واستيعاب لمواثيق علاقات الجوار باحترام أمكنهم تحقيق مصلحة شعوبهم صحيح إنها مشروطة بالقيم الكونية لتحقيقها كالديمقراطية والحكم الرشيد والشفافية وهذا يعني إصلاح هيكلي في بنية الدولتين ،عوضا عن إدراك الشركاءالاقليميين لذلك فإثيوبيا وكينيا بما لديهم من قدرات وثقل كدول قائدة في محيط الدولتين يجب أن يضعا نصب أعينهم هذا التحدي فصنع السلام ليس كحفظه ،وهو ما يبعث إلى التفاؤل بان الإيقاد ربما تدرك أن تعطى القضايا الاقتصادية خاصة وأن المنطقة لن تتحمل مزيدا من الجوعى إثيوبيا وحدها لديها أكثر من 2.5مليون في حاجة إلى غذاء عاجل وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي مزيدا من الاهتمام على نحو ما ورد في الاتفاقية المنشئة لها والتغلب على أوجه القصور التي شابت عملها في الجوانب الاقتصادية وان يكون تعاونها وفقا لخطة تعكس مصالح الأعضاء وضرورات التنسيق وغيرها من الهيئات العاملة في الإقليم ،والاهم من ذلك زيادة الاعتماد على الذات وتقليل الاعتماد على الشركاء خاصة فيما يتعلق بقضايا التمويل بالرغم من إدراكنا لعبء التبعية المرتبطة بالسوق الدولية ومشروطيات إعادة هيكلة الديون على كاهل الدول الأفريقية إلا أن أفق الإقليمية الذي استشرفه الأفارقة بتجمعاتهم العديدة كفيلة بخلق قوى إقليمية تستطيع تبيئة مبادئها التي تكتلت من اجلها ،فالدولة الجديدة تقع في محيطها وربما أصبحت العضو الثامن وبذلك تكون الدولة الثانية التي تنضم إلى الإيقاد بعد نيلها استقلالها بعد نشأة الهيئة ،فالأولى كانت اريتريا التي انضمت في العام 1994 ،وأيضا تقع دولة الجنوب في محيط السوق المشتركة لدول شرق ووسط أفريقيا المعروفة بالكوميسا التي تعد أضخم الأسواق من حيث عدد السكان وفرص العمل رغما عن فقرها ،أم ستتجه دولة الجنوب إلى تجمع شرق أفريقيا التي تضم كينيا ويوغندا وتنزانيا وهو التجمع الذي اضعف فرص الكوميسا إلى حدٍ بعيد ربما تندفع الجنوب لذلك مدفوعة بالخلفية العاطفية لاسترجاع ميراث الصراع وهو مالن يجدي نفعا للمشاركة الإقليمية ، وهناك تجمع (الأندوجو) وهى تعنى كلمة الإخاء بالسواحيلية كإطار اقليمى للتشاور وتنمية علاقات التعاون الاقتصادي لصالح شعوب دول حوض النيل .وهنا يبرز أهمية الدور المصري للعب دور الشريك القائد،صحيح أنها لم تستطيع ممارسة دور يمكنها من المحافظة على مصالحها الاستراتيجية في بقاء السودان موحدا حينما انتصرت عليها الإيقاد واستضافت كينيا مباحثات السلام التي أفضت في نهاية الأمر إلى إضافة شريك دولي جديد في مياه النيل ،مهما قيل عن اتفاقيات المياه إلا أن للواقع أمر آخر ستتضرر منه مصر لا محالة ولكن يمكن الرهان على مستقبل جوار إقليمي يعمه التكامل الذي يرتفع عوامل نجاحه في ظل تشابك المصالح في محيط حوض النيل الشرقي والتي تعد مصر أكثر تأهيلا للعب دور الشريك القائد . ويمكن صياغة تصور مفاهيمي كاستراتيجية ذات ثلاثة أبعاد تتضمن إعادة تقييم عوائق التكامل المتمثلة في تخلف إمكانيات الموارد البشرية صعوبة المواصلات الحروب والفساد ويتضمن البعد الثاني زيادة درجة الوعي بأهمية علاقات التكامل الإقليمي كاستراتيجية مستقبل لصالح الشعوب وليس الحكومات تنهض به الحكومات والشعوب عبر تشكيلات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ،ويتضمن البعد الثالث تشجيع الاستثمارات الأجنبية وربط المجتمعات ببعضها وتوحيد السياسات الاقتصادية..... إلخ. *باحث في الدراسات الأفريقية