المبرر لإهتمام دولة الكيان العبري الإسرائيلي اللصيق بل لدرجة التدخل المباشر في الشأن الداخلي (المصري) لعلمها أن (أمن) إسرائيل يكمن في عمق (مصر)، ومحلياً، فأمن الجنوب مفاتيحه بيد دولة الشمال (الأم) الآن، فدعوه يستقر لنستقر، كما نحمد للدبلوماسية التي تقدمت على البندقية في حسم هذا الملف الشائك والمعقّد والمقعد بنا دوماً باللحاق بركب الأمم الصاعدة والواعدة فالمتوجب علينا استثمار الدبلوماسية الشعبية المحشودة والموفورة بيننا والميسورة لتحقيق أهدافنا العليا. فإذا كنت (انفصالي) داعماً لخيار الإنفصال قبل تقرير المفوضية وبعده، فأحرص في الوقت الراهن على أمن وسلامة الجنوب، فلما الشماتة بإنعدام الأمن في الجنوب والتقتيل والتنكيل والإحراق والتبشير بسوء المصير والمنقلب؟ دعوا الدبلوماسية الرسمية التي أعطت كل ذي حقٍ حقه وحقنت الدماء (تراضياً) أن تكمل مشوارها حتى النهاية المتوجة بعلاقة حسن الجوار والتكامل الاقتصادي والسلام الدائم والمستدام والذي هو أحوج ما يكونون إليه وما نقلُّ نحن من حاجة إليه، فامسكوا عن بث سموم الغلّ والكراهية والبغضاء وقد أوفت الإتفاقية لهم كما لكم، وأعطتهم مبتغاهم كما أعطتكم وقُفل الملف، فلنسمح للوقت أن يُدمل الجراح في هذا الوطن المسماح وكونوا سمحين إذا تقاضيتم، فكلما اقترب جرحنا من بُرئه سُلّطتْ علينا أقلام الأذيّة الموقظة للفتنة النائمة والناعسة، دعوا الجراح تندمل لا تنكؤها، ودعوا المؤسسات الرسمية الأمنية والمخابراتية تقوم بواجبها فأجمل ما في إتفاقية السلام الشامل هو (الوفاء) أي أنها نُفذت بالكامل فصلاً فصلا بنداً بندا، ووضعت حلاً لمشكلة تعد من أعقد القضايا التي جابهت كل الحكومات المتعاقبة في السودان الحديث، وقد ظلت قضية الجنوب تأخذ أكبر مساحات التعاطي في الحراك السياسي الوطني وغدت الأساس في الأجندة السياسية ولها الأولوية في مفهوم الأمن القومي والنشاط السياسي على ما عداها لأي تنظيم سياسي وأية حكومة وقد كانت وظلت قضية منهكة ومستهلكة، وسياسياً ليس في مصلحة السودان (الوطن الكبير) عدم إطمئنان وإستقرار دولة (الأماتونج) المقترحة اسماً أو جمهورية جنوب السودان الوليدة ، وشرر دولة الجنوب إذا اشتعل لا أقول يحرقنا ولكن سوف يصيبنا وغالباً ما ندفع جزء مقدراً من فاتورة الإطفاء الدولي لأي حريق يشتعل في دولة الجنوب الناشئة، لذلك كفوا عن دعاوي الويل والثبور فالقوم مشوا. واجتماعياً يجمعنا تاريخ طويل مع شعب الجنوب مهما كانت هنالك مسافة وتنائي فالتاريخ والوطن جمعنا قروناً والمأثور عنا في السودان الكبير المآثر الجميلة والتي طالما تغنينا بها وهي محط تفاخر ومباهج كالقدح الكبير، وعشا الضيفان، وإغاثة الملهوف، والوفاء بالعهد وعدم النكوث وحسن الجوار، فلماذا نقدّم ما لا يشبهنا؟، وإذا كانت هذه الشيّم تقادمت وأتى عليها الدهر بتعاقب الجفاف والتعرية ولم تعد مغروسة فينا وقد نُزعت منا للأسباب المعلومة، فقد إنتهت (القضية) وطالما فشلنا في الإمساك بالمعروف فليكن (التسريح) بإحسان. كفوا عن التشفي و(الشماتة) في انفراط الأمن بالجنوب والجوع الذي لا يشبه إنسانيتنا و(المغرم) الشخصي يكفيه الآن (المغنم) القومي وهو الاستفتاء الحر وتقرير المصير المشهور والمشهود والنتيجة المعترف بها رسمياً وشعبياً فدعوا الجنوب ينهض ويشيل (حيلوا) ولنتفرغ لقضايانا الكبرى والملحة، وهذه الرقعة من الأرض العزيزة أين يذهبون بها وليس بمقدور (سلفاكير) ولا (باقان) أن يحتقبها إلى (ألاسكا) أو يحادّ بها من يشتهى من دول العالم، فإذا نهض الجنوب خيره يأتينا وإذا عطس مستغيثاً فلايقع واجباً أولى به سوانا، ولا أقول إن (البشير) عندما يرى سحابة في السماء تسوقها الرياح نحو الجنوب أن يخاطبها قائلاً اذهبي وأمطري حيث شئتِ سوف يأتيني (خراجك) ولكن حتماً لو نهض الجنوب في ظل تعايش سلمي خيره سوف يغمرنا، فدعوا الجنوب يتفرغ لمشاكله وأمنه وإنسانه وجيش الرب وحدوده مع دول الجوار الأفريقية ونتفرغ نحن لمبتغانا، فلماذا الحرص على تسويق أن الجنوب يُقاد إلى مصيدة نصبنا شراكها نحن أو إلى محرقة أعددنا لإشعالها نحن وحفرنا حفرتها. فلا تنسوا أن الجنوب ظل يستنزف الشمال حرباً ويستنزفه سلماً وإذا ظللنا نتناول قضية الجنوب ونتعاطى معها بعد هذا المخاض بالإيحاءات والإشارات السالبة والحربية سوف نظل ندفع الفواتير وبأثر رجعي حتى وهو (دولة) كاملة السيادة، فالمتوجب ولو إلى (حين) ألا نستبيح حمى إخوان الأمس كما إننا في حاجة لخطاب إعلامي جديد بعيد الإنفصال أدفنوا الخنادق ونكسوا البنادق إنها دعوة لاستراحة محارب.. [email protected]