إني لأعجب من مآل الأمور في بلادي، وسأظل أعجب حتى يعجب العجب من عجبي، ويا ليت عجبي هذا يحرك ساكناً أو يحرك أذن الفيل الذي جثم على ظهورنا في ظل شجرة بعد أن بشم وعجزنا نحن في الحصول على تبقى مما أكله الفيل. فماذا نقول لافراخ بذي مرخ فقدوا عائلهم وشركة «آيات» تحجر حقهم، فيا إلهي كيف الخلاص من ذلك؟ ألم يسمع القائمون بأمر شركة «آيات» بقول الله تعالى: «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون» 280 البقرة. إليكم نهدي هذه الآية ان كنتم بآيات الله تؤمنون، ثم نمضي إلى قضيتنا علّها تلين قلوبكم وإن كانت كالحجارة او اشد قسوة من الحجارة، لانها قضية تتعلق بأيتام، فظلم الايتام امر يهتز منه عرش الرحمن اذا ظلموا. «ولا يأمن مكر الله الا القوم الفاسقون» اغتيل ابننا الغالي «حسن علي محمد» في ربيع شبابه دفاعا عن مال اؤتمن فيه، ونشهد الله انه كان سائقا فقيرا لا يملك قوت شهره ما لم يضع رجله على «الابنص». فارق هذه الحياة ولم يترك من حطام هذه الدنيا غير منزل عادي لاسرته في قرية ود ماهل بولاية الجزيرة فخلف من ورائه ستة اطفال اربعة من مطلقته واثنان من ارملة وهي الآن حبلى. احضرنا كل المستندات من شهادة وفاة واعلام شرعي وقسيمة عقد زواج من آخر زوجة وشهادات الابناء ومستندات المرحوم الشخصية ثم قدمنا الملف الى شركة آيات التي كان يعمل فيها لصرف مستحقاته المتبقية، ومال التأمين المستقطع من رواتبه من قبل، وهو حق ثابت وامانة لدى الشركة التي استقطعت لنستلمها عند الحاجة وانه مال من عرق جبينه لا منطق ولا قانون يستطيع ان يؤخر صرفه لارملته واطفاله الايتام، حتى لا يحدث تأخير صرف هذا المال هزة اخرى لاسرته المكلومة. وبعد اجراءات طويلة «اطلع وانزل وصور ومستند» وغير ذلك من الاجراءات واخيرا دفعت بنا «آيات» الى الصندوق القومي للتأمين الاجتماعي، وفي ظننا ان هذا الحق يصرف للايتام قبل ان يرتد الينا الطرف لانه حق ايتام. ولكن كانت المفاجأة، وكان العجب عندما قال الموظف المسؤول عن الملفات الجديدة: «نحن ما نستلم ملفات شركة آيات»!! فبادرت مستفسرا عن كلامه هذا، فوضح لي: ان شركة «آيات» مطالبة بمتأخرات بلغت المليارات من الجنيهات لم تدفعها لنا، وما عليك الا ان ترجع الى «آيات» ولا اظنك ان تجد حقك هذا الا ان تأتي بآية. وأني لي بالآية ولم اكن نبيا ولا رسولا. رجعت حاملا ملفي الى حيث اتيت، لننظر كيف يعملون. كما قال لي الموظف «نحن لا ناقة لنا في هذا ولا جمل.» فقفلت راجعا ويقيني ان للصندوق فيه ناقة وجملة، واضيف لعلمه فرسا يركبون عليه لملاحقة «آيات» وامثالها، وفرسه المرتب الذي يتقاضاه كل شهر والحوافز وغيرها من الخزينة العامة للدولة والدولة هي التي انشأت الصندوق حفاظا على حقوق المواطنين ودرعا واقيا من ظلم الهيئات والمؤسسات والشركة المعنية وغيرها. وعلى الرغم من الحجج بالمنطق، فلم نفلح وكان عزاؤنا الوحيد من الشركة والصندوق بأن نصبر على امرنا هذا. فتذكرت مثل اهلنا في دارفور «صبر كتل لي ورل» فهل يصبر هؤلاء الايتام مثل الورل حتى يقتلهم الصبر؟ انني لم اكن رجل قانون ولكن حسب معرفتي القليلة وادراكي المتواضع لا اشك في ان هنالك قانون ينظم علاقة الشركات والمؤسسات بالمؤمن لهم والصندوق القومي للتأمين الاجتماعي، حتى اذا ما حدث مثل الذي حدث من شركة «آيات» التي كانت تستقطع مبالغ التأمين الاجتماعي مقدما من «البيشيت» pay sheet كأمانة لدى الشركة لحين ارسالها الى الصندوق، وترد لصاحبها الامانة «صرة في خيط» عند انهاء الخدمة او الوفاة، بدون ادنى تأخير والا يكون المسؤول عن الشركة او المؤسسة «خائن امانة» ويستحق مساءلة قانونية. فأين نحن من هذه القوانين التي تنظم حياتنا وتحفظ حقوقنا؟ ولقد حاولت ان استعمل المنطق بالنقاش بالجهتين ولكني شعرت انهم يتضايقون من المناقشة ويركنون الى الاستفزاز اخيرا وعلمت ان الموضوع فيه «إنّ» وفضلنا الرجوع الى المنبر الحر لعلنا نجد من ينصفنا او يتهم بالقضية التي تمس استقرار الحياة الاسرية والاجتماعية. اختتم مقالي هذا وفي نفسي كثير من الغبن تجاه «آيات» والصندوق القومي معا لعدم متابعتهم شركة «آيات» حتى بلغت المبالغ مليارات، فهل يعقل ان تعجز دولة بهيبتها من اخذ اموال الضعفاء من الاقوياء؟ يا قوم لا تنسوا ان هؤلاء الضعفاء عليهم التزامات لا يمكن الصبر عليها ولو لحين، فلا توسعوا دائرة الفقر والمعاناة عن طريق الشركات، مثل شركة «آيات» التي حجزت مليارات الجنيهات من اموال الضعفاء بلا مبرر ولا سيما ان الشريحة الكبيرة العاملة مع «آيات» هي شريحة فقيرة «سواقين» «لا يجوعوا يموتوا.. ولا يغنوا يفوتوا» من سواقتهم. فهل من تدخل سريع من الدولة لحل مثل هذه المشكلات وهذه الفوضى في التعامل؟ وآخر سؤال لنا هو انه، كيف تقوى شركة افراد على الدولة وتحجز حقوق مواطنين والدولة «تسكت» واللا نقول السكات رضى؟ مالكم كيف تحكمون؟. كل حياتنا وامورنا صارت مدعاة للعجب فلا شيء غير العجب فلنعجب ونفوض أمرنا الى الله وهو بصير بالعباد وهو المستعان على ما نعجب منه.