وصف خبراء ومختصون تقرير البنك الدولى بشأن الأوضاع الاقتصادية عقب انفصال الجنوب، بأنه ليس به جديد قائلين بأنه سبق ان حذر البنك الحكومة السودانية من فشل السياسات الاقتصادية، الا ان الخبراء الاقتصاديين اقروا بتجاهل الحكومة السودانية لتحذيرات البنك الدولى، موضحين انها «اى الحكومة» لو اتبعت خطوات معينة فى مجال التحوط النقدى من العائدات وتوظيف تلك العائدات فى مشاريع منتجة لكان الحال افضل من الآن، وربما يتطور الى آثار ايجابية. ولكنهم اقروا بأن الحكومة اذا اتبعت سياسات تقشفية وترشيدية يمكنها أن تخلق توازنا معقولا يؤدى الى تخفيف الآثار السالبة المتوقعة. والى ذلك يرى فريق من الخبراء أنها عديمة الجدوى إذا ما كانت الحكومة محتاطة بقدر من النقد الأجنبي يمكنها من تخطي المرحلة الحرجة عقب الانفصال لمدة عام ونصف العام على أقل تقدير، فيما يرى آخرون أنها جيدة غير أنها لا تجد الأذن الصاغية لتنفيذها. وحذروا من عدم الانصياع لها وتطبيقها على أرض الواقع. وكان البنك الدولى قد أشار في تقرير صادر عنه أخيراً إلى أن الصدمة المالية على شمال السودان عقب الانفصال فى التاسع من يوليو، ستكون كبيرة ودائمة، ودعا السلطات الاقتصادية فى الشمال الى البحث عن ترتيبات في ما يتعلق بالعائد والإنفاق، وإعادة النظر في ميزانية 2011م بناءً على بيئة مالية جديدة، مبيناً أن الإجراءات التى اتخذتها وزارة المالية والاقتصاد الوطنى فى الفترة الاخيرة خطوة فى الاتجاه الصحيح، مشيرا إلى الحاجة لزيادة العائدات غير النفطية لتقليل الاعتماد الكبير على النفط بما في ذلك المستوى الولائي. وقال البنك الدولى في تقريره إنه لا بد من العمل على توجيه الإنفاق لصالح الفقراء وتركيز الاستثمار على تطوير النمو غير النفطي، مبينا ان التحويلات المالية المقدمة إلى الولايات الشمالية ضعيفة بالنظر إلى أداء الميزانية السابق. واكد ان انخفاض الصادرات النفطية سيحد من الصرف الأجنبي المطلوب لتمويل الواردات، كما ان الاستثمار الأجنبي المباشر غير مؤكد، مشيرا الى احتمال زيادته فى حال تلاشي الشكوك السياسية، موضحاً أن الروابط التجارية بين الشمال والجنوب غير مؤكدة، ودعا الى تجديد العلاقات «الشمالية.. الجنوبية» لكي تكون الحدود الجديدة فرصة للتجارة بدلاً من أن تكون عائقاً لها على كلا الجانبين. وقال إن النمو الاقتصادى فى القطاعات المختلفة بجانب قطاع النفط، يحتاج الى محفزات جديدة من أجل النمو. وجدد البنك الدولى الحاجة للقطاع غير النفطى باعتباره محفزا للنمو بجانب انعاش موارد جديدة فى نمو القطاع الزراعى باشراك القطاع الخاص، وتقديم الخدمات الفاعلة لتسهيل تنمية حقيقية، مبيناً ان النمو الحقيقى لاجمالي الناتج المحلى بلغ 5% فى عام 2010م، مؤكدا أن القطاع غير النفطى اتخذ دورا اكبر باعتباره مساهما رئيسيا فى النمو وتقوده الاهمية المتزايدة للقطاع الزراعى، حيث ان الزراعة ساهمت بالثلث لنمو اجمالى الناتج المحلى خلال عام 2010م، كما ان الصادرات غير النفطية تمثل جزءا صغيرا من الصادرات بنسبة 5 10% من التجارة الكلية. وقال من المحتمل أن يؤثر انخفاض قيمة العملة ايجابا على الصادرات غير النفطية، وشدد على اهمية زيادة الانتاجية. ورجح البنك الدولى أن تضع نتيجة الانفصال عبئا ثقيلا على الاستقرار الاقتصادى فى الشمال، حيث تنتقل الآثار الاقتصادية فى الغالب عبر الحسابات المالية والخارجية، مؤكدا ان الديون الخارجية والمتأخرات المرتبطة بها تقيد العلاقات الطبيعية مع شركاء التنمية، فى وقت تبلغ فيه ديون السودان الخارجية 36.8 بليون دولار اميركى مع متأخرات تبلغ 30.8 بليون دولار. وقال ان المتأخرات تظل قيد الحصول على التمويل ذى الشروط الميسرة، مبينا ان البنك وصندوق النقد الدوليين يقودان مجموعة عمل فنية للديون تتكون من كبار دائنى السودان. وأكد أن انخفاض قيمة العملة يقود إلى أسعار أعلى للغذاء المستورد، مع العلم ان السودان مستورد للغذاء مما رفع اسعار الغذاء العالمية، واشار الى ان التطورات السياسية الاخيرة اضحت مثارا للتحديات الاقتصادية المستقبلية. ويرى البروفيسور عصام بوب أن ما ورد بتقرير البنك الدولي من وصفات لإصلاح شأن الاقتصاد بالشمال عقب الانفصال لا جديد فيها، وقد سبق أن دعا الخبراء والمختصون لها، غير أنها لم تجد آذانا صاغية وعميت أعين الحكومة عنها عمدا أو بدون قصد، لجهة «كنكشة» المسؤولين وحرصهم على المناصب، فانطبق على الحكومة المثل «المكتولة ما بتسمع الصايحة»، أو أنها لا تستبين النصح إلا ضحى الغد بعد وقوع الفاجعة. وأجمل إفادته إلينا في أن الخلاص للاقتصاد السوداني ووضعه على جادة الطريق الصحيح لا يمكن الوصول إليه إلا بعد إجراء إعادة هيكلة كلية لمفاصل هياكله، وهذا عين ما عناه تقرير البنك الدولي، ومن غير ذلك، يقول بوب، لا تجدي أية حلول، وإن لم نفعل فلينتظر الناس الهاوية. وختم بأن اليأس قد تسلل إلى نفسه من صعوبة إصلاح الحركة الاقتصادية في البلاد، في ظل تمادي وإصرار الإدارة الحالية على عدم اتباع النصح والإرشاد. أما الدكتور محمد الناير فيرى أن تقرير البنك الدولي يصبح عديمة الجدوى لو أن الحكومة السودانية قد احتاطت خلال الفترة السابقة ببناء احتياطي مقدر من النقد الأجنبي لمقابلة تداعيات الانفصال خلال النصف الثاني من العام الحالي، ولتغطية الاحتياجات منه على أسوأ تقدير في النصف الأول من عام 2012م إن لم يكن العام بأكمله، وعندها، يقول الناير، إن اقتصاد الشمال لن يعاني مطلقا لجهة قدرته على ضخ كميات مقدرة من النقد الأجنبي لمقابلة الطلب عليه التي تنعكس إيجابا على استقرار سعر صرف الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى، ومن ثم استقرار كل الأمور الاقتصادية، لاسيما إذا ما استمرت سياسة ترشيد الإنفاق وضبط الاستيراد لتقليل الطلب على النقد الأجنبي، فتستقر أسعار السلع المستوردة. ودعا الناير إلى إسراع الخطى في إحلال الواردات بالإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير، خاصة في السلع الضرورية مثل السكر والزيوت عبر حفز إنتاجها لتوفير المواد الخام لتصنيعها محليا. وطالب الناير بالتوسع في استخراج الذهب والنفط بالشمال لزيادة غلة الخزينة العامة من العملات الحرة وبناء احتياطي مقدر منها. وقال من الأفصل استمرار البنك المركزي في شراء الذهب المنتج محليا لزيادة قوة ومتانة الاحتياطي من العملات الحرة، مع ضرورة اتباع إجراءات خاصة لترشيد الإنفاق الحكومي، والتوسع في المظلة الضريبة أفقياً وليس رأسياً لزيادة حجم الإيرادات شريطة تقليص الهياكل التنفيذية والتشريعية والتنفيذية الحكومية، بغية تقليل الإنفاق وترشيد الصرف عليها ليوجه لمشاريع التنمية.