كما هو معلن من قبل قوى الاجماع الوطني فإن صباح الأحد هو موعدها لمقابلة مسؤولي المفوضية القومية للانتخابات وتسليمها مذكرة تطالب بعدد من الاصلاحات بالسجل الانتخابي الذي وصفوه بالمعيب والمزور ، كنا في الحادية صباحا امام مقر المفوضية بضاحية الطائف شرقي العاصمة الخرطوم ، لا حشود او مجموعات كما تصورنا فالاعلان تحدث عن مسيرة سلمية ، فقط عدد من عربات الشرطة تحيط بمقرالمفوضية وعشرات الجنود متراصون في المدخل المؤدي اليها ، بجانب بعض القيادات السياسية في الطرف الموازي ، لحظة وقوفنا هناك طالبهم الضابط المسؤول بالمغادرة وعدم التجمع. بعدها ابلغنا احد الناشطين السياسيين ان الامين العام للحركة الشعبية بشمال السودان ياسر عرمان وعضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي صديق يوسف داخل مباني المفوضية ، بالخارج كان ممثل الامة القومي عبدالجليل الباشا يحاول الدخول وافلح في ذلك ، لم ننتظر طويلا فالتوجيهات لا تصوير او اقتراب ولا تجمع هكذا حدثني مراسل الاخبارية السعودية ، عدنا الى مقر الصحيفة في انتظار ما ستسفر عنه الساعات القادمة ، والتي لم يمضِ سوى ساعة ونصفها حتى وصلتنا دعوة لمؤتمر صحفي ستتحدث فيه مجموعة من القيادات حول الأمر . تحركنا مرة اخرى للحاق بالمؤتمر الصحفي الذي عقد بمقر الحركة الشعبية بالخرطوم ، ذات الصور التي كانت عليها مفوضية الاستفتاء تنطبق هناك فعربات الشرطة وحاملات جنودها متراصة ايضا امام المدخل الذي غطته اعداد كبيرة من اللافتات التي تنادي جميعها بانتخابات حرة ونزيهة في جنوب كردفان وتحذرمن مغبة التلاعب فيها ، بعجلة تحركنا الى الطابق الاعلى لرصد ومتابعة مجريات المؤتمر الصحفي . الوصول الى القاعة التي سيتم فيها المؤتمرالصحفي يصعب ، لاحتشاد اعداد كبيرة من المشاركين في المسيرة والذين غابوا صباحا من امام مقر المفوضية احد الشابات اخبرت «الصحافة» انهم لم يتمكنوا من الخروج الى المفوضية بسبب اعتراض قوات الشرطة لهم تركتها وتحركت صوب القاعة . بعد وقت ليس بالقليل وصلت قيادات القوى المعارضة بعد ان عقدت اجتماعاً صغيراً كما ابلغنا احد المقربين هناك. ابتدر الامين العام للحركة الشعبية بالشمال ياسر عرمان الحديث مستعرضا ما تم منذ الصباح لحظة وصوله الى مقر الحركة وقال قامت الاجهزة الامنية بحصار كامل لمقر الحركة وحجز كل من بداخله ومنعه من الخروج واتخذت من الموقف المخصص لسيارتي نقطة لارتكاز حاملات جنودهم قبل ان اطلب منهم البحث عن مكان آخر وقلت لهم هذا (مكتبي ولا يمكن ان تطرد دجاجة الخلاء دجاجة البيت) ، بعد ذلك قررنا التوجه الى المفوضية كان برفقتي القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف وعدد من البرلمانيين ممثلي جنوب كردفان لكن قوات الشرطة قامت باغلاق الشارع امامنا لكننا اتخذنا طريقا آخر ووصلنا المفوضية التي وجدناها سكنة عسكرية ليس في خارجها بل داخل المفوضية ، وكان ضابط الامن يوجه الجنود بان لا يسمحوا لنا بالدخول لكن بعد شد وجذب استطعنا الدخول الى هناك بصحبة بعض البرلمانيين من الولاية وممثل الحزب الشيوعي صديق يوسف ، وذهبنا للطابق الثاني لمقابلة رئيس المفوضية مولانا ابيل الير لكن اخبرنا احد الموظفين ان مكتبه بالخارج تحركنا نحوها لكن رجال البوليس اغلقوا فينا الابواب وقالوا لايمكنكم الخروج، كل هذا التصرف الغريب يتم داخل المفوضية التي تسمى قومية ، تدخل موظف يتسم بالنزاهة وقام بفتح الابواب واخبرنا بانه سيقوم بالذهاب الى ابيل الير ويخبره بوجودنا لكن لم تنتهِ المفاجأة وتدخل احد افراد الامن وتحدث نيابة عن ابيل ألير وقال ليس لكم موعد مع الرجل قبل ان نبلغه بانه غير مخول له الحديث نيابة عن رئيس المفوضية ونائب رئيس الجمهورية الاسبق ، هذا ما اوضحه عرمان في حديثه عن ما قامت به الشرطة «الصحافة» تحدثت الى الناطق الرسمي باسم قواتها الفريق احمد التهامي وطالبناه بالتعليق بدوره عزا الامر الى ان المسيرة التي اعلن عنها لم تحصل على تصديق من قبل السلطات وهو امر معروف منذ العام 1925م لذا قامت الشرطة بالتصدي لهم ومنعهم من الخروج قبل ان يضيف لكن لم يتم توقيف احد من بينهم ، الا ان الامر لم ينتهِ هناك فعرمان يضيف بعد وصول بروفسير عبدالله احمد عبدالله والذي ابلغنا انه على استعداد للجلوس معنا و هو في انتظارنا سألناه في الاول عن صلة اجهزة الامن بعمل المفوضية ودخلنا المكتب ودخل الشاب الذي اعترضنا واصر على حضور الاجتماع ورفضنا الامر وطلب منه بروف عبدالله الخروج . وتابع عرمان متسائلا مثل هذا التدخل يتم بالخرطوم كيف يكون في تلودي وهيبان والدلنج وكيف يعامل المواطن هناك بعد هذا التعامل الغريب امام الكاميرات وفي قلب العاصمة، واضاف يريدون ان يجروا الانتخابات في قرية خالية من العواطف السياسية ، واشار الى ان بروف عبدالله اعتذر لهم عن سلوك رجال الامن بعد ان قلنا له ان مثل هذه التصرفات تثير استفهامات حول المفوضية ، لكن عبدالله قال انه سيرد علينا بعد الاطلاع على المذكرة . وحسب المذكرة التي تحصلت «الصحافة» على نسخة منها فان القوى المعارضة تتحدث عن خروقات بكشف المسجلين حيث تختلف ارقام الناخبين الواردة في الكشوفات التي وقع عليها مندوبو الاحزاب في كل الدوائر عن ما اعلنته المفوضية ، فالمسجلون الموقع عليهم في الكشوفات بلغوا 613 ألف لكن الكشف الاخير يتحدث عن 651 ألف اي هناك 38 ألف تم تسجيلهم . واضافت المذكرة ان هناك عشرين ألف تم حذف اسمائهم ووصفت الامر بالتذوير الواضح ، واعتبر عرمان الامر بانه تزوير كامل للسجل وطالب اعضاء المفوضية بالذهاب الى جنوب كردفان للوقوف على الارض ، وقال مالم يعالج الخرق ستحدث انتفاضة في جنوب كردفان ، وتابع (إذا عطست سيصاب السودان كله بالرشح والزكام) لان ما من ولاية لا تملك تداخل معها، واكد ان كل قوى الاجماع ستعمل مع بعضها واعلن عن عقد ندوة بالخرطوم وان الولاية ستشهد كل مدنها مظاهرات سلمية واسعة نتمنى ان لا تعترضها الشرطة ، الى ذلك قطع مكي علي بلايل - رئيس حزب العدالة ان قوى الاجماع الوطني مجمعة على ان الانتخابات المنتظرة بجنوب كردفان استثنائية وليست للتداول السلمي للسلطة لانها ترتبط بقضايا سياسية ومصيرية ويترتب عليها المشورة الشعبية ، واضاف لايمكننا السماح بالتلاعب فيها وتأجيلها من قبل لمدة عام يؤكد استثنائيتها ، واعتبر ان اضافة الاصوات وحذف بعضها اشارة واضحة للتزوير ، ووصف ما قامت به الاجهزة الامنية امس لا يساعد علي تجاوز الانتخابات هناك بل يعمل على تسميم الاجواء وتكميم الافواه ولن تكون الانتخابات حرة ونزيهة ، مشيرا الى انهم مصممون على عمل جماعي متصاعد لمحاصرة التزوير ، قبل ان يقول جنوب كردفان لايمكن التلاعب فيها ، المؤتمر الوطني يعرف الوضعية الاستراتيجية للولاية كما لاتفوت عليه موازين القوى هناك لذا لايتحمل قيام انتخابات حرة ونزيهة لكن نقول ايضا من جانبنا لن نسمح بأي تزوير . وفي ختام المؤتمر الصحفي اكد بدوره عبدالجليل الباشا ممثل الامة القومي ان المطلب الاساسي هو ان تكون الانتخابات حرة ونزيهة وعادلة وتعبر تعبيراً صادقاً عن شعب جنوب كردفان وهي مربوطة بالمشورة التي مطلوب منها تسوية النزاع ، وهي ليست قضية جنوب كردفان بل كل الشعب السوداني لانه قضية يمكنها ان تشكل نهاية لكل الاستبداد والقهر. بذلك انتهت تفاصيل يوم غريب الأطوار بدايته كانت مفوضية الانتخابات ونهايته مقر الحركة الشعبية بضاحية أركويت ، الا ان قوى المعارضة اكدت ان النهاية لم تحن بعد وهددت بمسيرات أخرى لكن في أرض المعركة وليس بالخرطوم .