بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    راشد عبد الرحيم: امريكا والحرب    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    محمد وداعة يكتب:    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    عالم «حافة الهاوية»    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في روايتي: «الزمن الفضائي المعوج» ...و... «ملكة الشمس والجان»
الكتابة في أزمنة صعبة
نشر في الصحافة يوم 04 - 03 - 2011

قبل الدخول في حيثيات عنوان المقال أود أن أشكر السادة أعضاء اللجنة والقائمين علي تنظيم جائزة الطيب صالح للكتابة الإبداعية التي أقيمت بقاعة الصداقة يومي 17- 18/2/2011م.. ضمت لفيف من نجوم الأدب والفن والسياسة من السودانيين والعرب وممثل رئيس الجمهورية وحشد من وسائل الأعلام المرئي والمسموع والمقروء.
وعلى هامش الحفل جلست في حضرة كاتب روائي وشاعر قادم من شمال بلادي.. أهداني روايتين من تأليفه أحداهما حملت عنوان» ملكة الشمس والجان والأخرى تحت عنوان «الزمن الفضائي المعوج» ولقد علمت بان رواية «الزمن الفضائي المعوج» كانت قيد الحجز في المصنفات الأدبية ولكن لحس القائمين علي الموقف الأدبي هناك وعلي رأسهم حينهاالأستاذ. التيجاني حاج موسي تم إطلاق سراحها معلنين مولد عمل ان تمت ترجمته الي لغات عالمية أخري كما حظيت روايات الطيب صالح لحصدت الجوائز والسعفات الذهبية لان المشاهد داخل الرواية مكتوبة بطريقة السيناريو وموزعة لفصول وفيها رسم واضح للشخوص والازمان والامكنة تصلح لتكون عملاً سينمائياً وتليفزيونياً.
فطفقت أقرأ الروايتين لاستكشف لماذا منعت في البدء من النشر والتداول لبعض الوقت.... حتي أتيت عليهما... فعرفت حينها أنني أقرأ لكاتب مبدع ينتمي لمدرسة الواقعية التي تنقل القارئ إلي قلب الحدث والحياة اليومية وتجعله ينغمس حتي النخاع داخل سطور الروايتين كونها تحكي عن احداث قال عنها الكاتب انها مشاهد واخبار وسير حقيقية.
فرواية «الزمن الفضائي المعوج» رشحت للفوز بالجائزة الأولي في مسابقة الإبداع الروائي بتونس.. هي رواية ترسل صيحات مدوية في عالم الصدي هذا ذو المنحنيات والمطبات الزمانية والمكانية التي تحد من انطلاق الروح والجسد ... اسم يحكي مأساة ومعاناة الفرد في زمان معوج لايستطيع أي كان ان ينطلق بكل عنفوانه وبكل ما أوتي من قوة في طريق رسمه لنفسه ويمني النفس بتحقيق ذاته دون الأصطدام بجدران ومنعطفات ومطبات علي الطريق تكبح من جماح إنطلاق النفس وتحد من أنفتاحها علي الحياة .. أنه حقاً زمناً مليئاً بالانهزامات... أسعد طفل هائم منذ الصغر ثم كبر وسافر وعاد ومات محصوراً بين متاهات النفس... رسم له القدر طريق فسار فيه يداعبه حلم كبير لتحقيق ذاته..ولكنه بالرغم من بعد المسافات يظل يجتر صوراً وحكايات .. فمرة الأسعد يجري خلف السقا المتشح بقميص من الخيش وسروال من الدمور... يسربان بين بيوتات القرية ثم يضيف الأسعد مزيداً من المشاهد والصور والحكايات لمخزون صندوقه الأسود الذي صار يجترها وهو بفرنسا ليدرس الفرنسية.. نراه هائما بين مقاهي باريس وطرقاتها بين « البانتيون» و «روي دي أولم» وفتيات المكسيك «روساريو» و «شارو» ومادلين» اللائي كن سببا في موت صديقيه رفيقا سكنه وسبباً في تحطم عظامه عندما هرب من رصاصات «جيرالد» قافزا من الطبقة الثالثه.. ( جيرالد) ذلك الجار الذي يؤمن بأن السود مواطنين من الدرجة الثانية ... ثار الجار العنصري لكون شباب سود البشرة ويتسكعون مع فتيات بيض ومواطنات من الدرجة الأولي
نجده بالرغم من سفره الجسدي فأن الروح مازالت تغني لوطنه كاغنية «راي شارلس» لمدينة جورجيا ... اصابته لعنة جداته بنات الشيخ لفعل قام به هو واقرانه في الصبا... فكان الماضي يدمر حاضره وحاضره يهدم احلام آتية... يقول أنا كتلة في المكان المفرغ والزمان... عاني البطل ظلمة رحم امه والحبس داخل برميل الغار فظل مغروساً بلا حراك... ليموت بعدها داخل نفق مظلم باحد جبال مسقط رأسه....كان يعتقد أنه أنسان حر قائلاً» أنا أفكر كما اريد... وأقول كما أفكر.. وافعل ما أقول...»البطل هائماً بين العقل والجنون..يمثل كشاهدا في محكمة باريسية للايقاع بقاتل رفيقيه... هناك تعرض لاستجواب طويل لا يمت لقضية القتل من قريب او بعيد... سئل عن دينه الاسلامي وهل يبيح له ممارسة الجنس خارج اطارها المرسوم..وتم استعراض آية الزنا من سورة النور باللغة الأنجليزية... وعن دوره في حرب الجنوب... وعن وعن... ثم يعود في (FLASH BACK) متكرر الي موطنه... حيث تتغلغل ذكريات احتشدت داخل عقله فصار راسه مثل «صندوق الدنيا» في الأفلام القديمة فيه يمكن للفرد ادخال راسه ليشاهد أحداث واحقاب وآثار ومدن واشخاص.. تتضارب وتصطرع الرؤي عند اسعد وتحجب عليه منافذ الرؤية... القاضي يسأله داخل قاعة المحكمة بباريس وينتظر الرد منه ولكن أين هو.. ساربا متسرباً الي موطناً بعيداً يتذكر كيف قضي طفولته شاهد عصر علي تصرفات الكبار صور وحكايات .. خمراً وخيانة لم يك يتوقع ان يراها.... سرد الكاتب في روايته بكل شجاعة عن كيف تمارس الخيانة في الخفاء بين الأشجار الكثة ويُسكب الخمر بافراط... كلها كانت معاول كسرت في داخله اشياء ومفاهيم وقيم... كلها تسببت في وصوله الي محلله النفسي بباريس (Psychiatrist) باحثاً عن الذات التي تجمدت وتسربت برودة الصقيع لاطرافها... تغلغلت البرودة داخله واحتوته وقتلت فيه الرغبة حتي في النساء الباريسيات الجميلات... تهرب وتتسرب روحه من بين انامله ومن داخل المحكمة الي النظر من خلال صندوق الدنيا... يدير المشغل اليدوي لصندوق الدنيا ويجتر حكايات طفولته... مشاهد يختلسها من عقب الباب .. وكان يوماً عاد فيه باكراً من المدرسة وكانت امه خارج البلد ليفأجا برمز الصرامة عنده في وضع مخل مع احد النساء... ممارسات الكبار ونزواتهم وتقارعهم لكووس المُدام... لقطات بالكاد أفلتت من مقص الرقيب عندنا لتترك الكاتب حراً... ليرسم بفرشاته خطوط ومنحنيات ورسوما وحكايات لما يدور خلسة في الخفاء ومن وراء الأبواب والجدران في محاولة لطرح مشكلات اجتماعية علي طاولة البحث والتقصي..محاولة للفت النظر للفتنة المندسة بين طيات المجتمع فما الكاتب الإ شاهد علي العصر.. وأن لا نكذب علي الذات و ندعي الطهر والنقاء محاولاً القول أن: من لم يكن بلا خطيئة فليرمها بحجر..الفتنة مائلة براسها بيننا ولكننا ندس بروؤسنا في الرمال... ففي وسائل أعلامنا نري بذور الكارثة,, في مجتمع تبدل وتغير.. يكفي أن نلقي نظرة علي بيوتات الأيواء التي صار القائمين عليها يجأرون بالشكوي من قلة ذات اليد وارتفاع عدد اللقطاء... الدور كان لها هدف سامي تم تحريفه من قبل هؤلاء قائلين فلنمضي قدما في اهواءنا وثمرة ذلك سيتم التعامل معها من قبل المتطوعين والخيرين الكرماء في دور الايواء ...
وبعيداً من هنا وعودة الي هناك... الرواية حملت صرخة واشارت فيها لمشكلة السود المشتتين بين اصقاع اوروبا والغرب.(Diaspora) كمواطنيين من الدرجة الثانية ... وكما أسلفت ليس للاسود ما لمواطن الدرجة الأولي من حقوق..التقطت اذن أسعد يوماً كلمات الصغيرة في الشانزليزيه وهي تقول لامها: أمي ان السود صارو منتشرين في كل مكان.. وفي احد البرامج التليفزيونية وعلي الملأ سئل تلميذ صغير عندهم عن معني كلمة الغريب فرد قائلاً: «هو الأسود الذي ينظف الشوارع من فضلات الكلاب».. انظرو هذه وجهة نظرة العالم المتحضر لنا أنهم يدافعون عن حقوق الحيوان في العيش الكريم..ولكن يُذل السود في موطن الحريات.. أي تناقض ذاك..عاني بطلنا ما عاناه مصطفي سعيد في رواية الطيب صالح «موسم الهجرة الي الشمال» الذي وصل لاعلي درجات العلم ولكن بشرته السوداء كانت وصمة وبصمة جعلته كأسعد يعود ليموت وحيداً ولكن لا ندري كيف واين مات مصطفي سعيد ... حتي في موته كان ضائعاً...والأسعد مات وحيدأ بعد ان اضافت اوروبا ضغطاً وعبءً نفسياً لا يعالج بمحلل نفسي او بمعالج جسدي..هل العبورو الأنفلات لعوالم ارحب يولد فراغ اوسع في طيات النفس..كان الأسعد شاهداً علي مأساة عصر وزمان... طاشت يوماً رصاصات «جيرالد» الوشيكة عن قتله ليموت جسده وحيداً داخل نفق مظلماً بتخطيط من بنات الشيخ (وهن اسطورة لا يخلو منها بيت بالشمال» أرض السحر وبلد الأساطير والقباب والشيوخ والمزارات.. واهرامات الفراعنة.. ولعنة الملوك التي اتت منها لعنة بنات الشيخ وانتقامهن من يكفر بكرامتهن ? كما يعتقد اهلنا في قري الشمال اطال الله عمرهم وغسل عقولهم من بقايا الخرافات)...ومات أسعد (لماذا اختار له الكاتب اسماً سعيد) مات وهو يستميت بحثاً عن البقاء والخروج من النفق المظلم الذي اظن انه امضي فيه 6 اشهر.. ولكن ذلك الزمن المعوج كان ملازماً له .. ضاع ومات وهو يحارب طاحونة الهواء تلك... ثم انسلت روحه من جسده وخرجت ممتطئة ذلك الحمار الفخم العالي الغالي الذي اهدته أياه بنات الشيخ لتستمر معاناته أيضاً حتي بعد ان فارقت روحه الجسد فمازال يعاني.. عجبت كيف رسم لنا الكاتب مشهداً يشهد فيه بطلنا يوم موته ويهيم بين الباكين ويسأل عن من مات يا تري في منزل والده؟؟؟... يقترب ويسمع الصائح (الأذاعة البشرية المتنقله لنقل اخبار الوفيات بين القري والتخوم) مسرعا علي ظهر حماره صائحاً:» الحي الله والدائم الله.. اسعد ود المكي راح في حق الله» رفع صورته منادياً علي الرجل ولكن هل تُري الروح بالعين المجرده .. عندها تذكرت في احد الصفحات حينما قال الأسعد كلمات مستنكراً فيها قول هاملت «أكون أو لا أكون هذا هو السؤال»؟ .. مؤمنا بقول ديكارت الذي يقول» أنا أفكر أذاً أنا موجود» مازال يفكر حتي بعد فناء جسده.. أذن هو حي..هرب من باريس والموت ليموت داخل نفق مظلم... حبوباته بنات الشيخ كما فهمت احسسن بروحه التعبة المنهكة الهائمه المحاصرة باطار الجسد أمكسن بيده ليدلف للنفق ليموت في صراع بين الروح الإطار الخارجي لتتحرر الروح وتخرج بعد معاناة... لتهرب وتهيم روحه بين طرقات القرية المتربة لتواصل من انقطع من مشاهد في زمن فضائي معوج غير معبد.. حتماً لن يستطيع الجسد الأنطلاق ومتاريس الحياة تستوقفه لتخصم من رصيد الروح أحلام وآمال عراض لم تتحقق... ولكن للروح اسراراً وخبايا وسطوة عند كاتبنا تجعلك تهيم في عوالم الوعي واللاوعي تعبر بك بحوراً وفيافي صاعدة بك للعوالي.. فما اجمل الروح ان تحررت من الجسد وأنطلقت لا تلوي علي شئ...
ثم ندلف الي رواية «ملكة الشمس والجان» فيها سيجد القاري نفسه ممتزجاً بأبطال الحكاية بين الحواري وتحت النخل ... يدور مع جرار الساقية راقصاً طرباً علي إيقاع انسكاب الماء وطقوس تغير حبالها(الهييوووووب) وتارة اخري غائصاً بين حبات رمل الصحراء مع عبدالغني وهو يبحث عن التمثال الذهبي للملكة «أمانتيري» الذي ضاع بين لصوص الآثار في الداخل حتي قيل انه سرق أخيراُ من مكان عرضه عام 2002م لتعرض في متحف ما في بلد ما.... فأنا أتسآل هل تم استعادة التمثال الذهبي لاما نتيري لان في ذلك استعادة لكنوز وتاريخ ملوك مملكة مروي و أمانتيري آخرهم.
طفقت أمعن التأمل في بطل الرواية الهلامي اللامنتمي لمكان أو زمان... المسافر في اللاوعي الذي رسم لنا كفرد مسلوب يرمي بمأساته خلف ايمان واهن بأنه أنسان مسير يستسلم لاقداره... يجتر بطولات من حوله الذين استماتوا من اجل الشرف الغالي مثل عمته (بت حمزة) التي قتلت الرطاني وتركته في مكانه حتي أتي زوجها ولم يهتز لها طرف... ثم أقتيدت للمحكمة يسير خلفها اسطول من بني شايق الأمر الذي اخاف المحكمة الانجليزية وأصدرت فرماناً بأن المتهمة قتلت الرطاني دفاعاً عن شرفها وشرف زوجها وأسرتها وقبيلتها وستصرف لها المحكمة راتب شهري 7 جنيهات لبطولتها .... وحتي عندما صور لنا الكاتب ذلك المشهد المستفز الذي يستحيل ان يصمت امامه...وهو الاعتداء علي الشرف وانا اعتقد ان الكاتب أمعن في رسمه وسجنه داخل ذلك الاطار ليولد استفزازاً مقصودا داخل نفس القارئ وإرسال رسالة ما...
وغرق الكاتب في حكيه كما يقول في وصف ألفاظ عجائز القرية والصبية الجنسية الغير مغلفة بورق سولفان يحد من قوتها...التي جعلتني أتلفت حولي ثم أدس كلماتي وسط سطور مقالي. سطور الكاتب تعاطت في الممنوع والمسكوت عنه في مجتمعنا السوداني ممزقاً الستار عن ما هو (taboo) مدفون داخل تابوت عاداتنا وثفافتنا والكثير من الأشياء الممنوعة تم التعامل معها وتداولها علناً في جرأة طاغية وفي تحدي غير مسبوق فحتي عند الطيب صالح نجد الحديث عن تلك الممارسات ورد متباعداً فنري كاتب الرواية كأنه يصعد أعلي نخلاتنا هاتفاً ومعلناً بكل جرأة قائلاً: هاأنذا اتحدث علي المكشوف محطماً ذلك الصندوق الفولاذي فاضحاً ما يدور خلسة في مجمعنا السوداني...فالكل يسكت علي العار وخوفاً من الفضيحة وبهذا يتفشي التدني الأخلاقي وياكل مجتمعنا من الداخل بدلاً من اجتثاثها و لكنه اطلقها .. معلناً أن أوقفو الهمس سراً..
في الرواية تطرق الكاتب لبعض المفاسد التي تدور في بعض بيوتاتنا...فهناك ابناء عاقون.. خيانة وسرقة...دراويش وصالحين وطقوس.. جلسات خمر (وما يدور فيها من احاديث ماجنة تصنف في قائمة الممنوع من التداول).. أيضاً هناك اسياد وعبيد... عسكر وحرامية.. احباء وعشاق..رجال ونساء ماجنات (مثل ست النفر وترناوي الذي لا ينفك يرسل دعاباته الماجنة ولا يكترث أن كان في فرح أو ترح) ونجد أيضاُ جان وصولجان ...وحبوبات الكاتب بنات الشيخ (وهي اسطورة مازالت حية ممتداولة بين الحبوبات لمقدرة بنات الشيخ ناس سيحه وميحة اُمات سنوناً فضة اُمات فرشاً مخده أمات لباس مده... كما كان يجئ علي لسان حبوباتي وهن يحكين بايمان تام عن بعض كرامات بنات الشيخ)
وفي منحي آخر ارسل الكاتب سطوراً اخري وصيحة من نوع آخر ... صيحة في وادي الصمت التي يتردد صداها بين أهرامات مروي وكنوزها...أراد الكاتب لفت الأنظار إلي أثارنا التاريخية المنهوبة والموزعة بين متاحف العالم كتمثال الملكة المروية الذهبي( امان تيري)، وهذا ليس من باب حكي الروائي بل هي مشكلة حقيقية يجب الالتفات إليها،. فمن المسئول عن سلبنا آثارناً ... أهي مافيا الآثار؟؟
في الرواية إشارة واضحة لموضوع الرق وكيف انه كان متداولاً في بعض البيوتات السودانية كعلامة للاسترقاق وألأستعباد... فهذه شهادة بأننا كنا نمارس الرق حقاً فكيف بالله علينا ونحن الأفارقة الذين قاسي اجدادنا من ويلات الاسترقاق.... فاشار كيف كانت ثورة «بابوية» المملوكة لأحد الأسر وخروجها بلا عودة من بيت سيدها... وسيدي كان بسيدو زي ما بقول المثل... فنري والد بطل الرواية أبنعوف يرقي أبنه عبد الغني الذي أتي باكياً بعد رؤية زوجته بين أحضان الآخر وبجبن طلب منهما ارتداء ملابسهم والخروج من المنزل (يا بروووووده) وفي أستسلام وخزي ذهب إلي أهلة يتمطى فطفق أبواه يواسيانه قائلين: « بسم الله ....بسم الله.. يا أبو جلابية يا الحسن شيخ الختمية...ياشافي يا كافي ألحقنا وانجدنا..» ,أنا لا أدري ممن نطرد الشيطان من بطلنا أم من زوجته.. ثم نري مجتمعنا يغض الطرف سة الريلة.. درءاً للفضائح وإغضاباً للرب كما نري في تلك الجلسة التي انعقدت للصلح بين ست النفر وعبدالغني...كنت اظن بأنه سيتفذ فيهما الرجم علناُ ... ونحن سنجمع ثمرات ما تزرعون ونملأ بها الملاجئ والدور ثم نستجدي من يكفلهم في مجتمع يرفض جملة وتفصيلاً إيواء طفل لقيط في منزل واحد مع اطفالهم الإ من رحم ربي... فما ذنب هؤلأء ان يكونوا نتيجة هفوة في مكان مظلم تقذف بهم الي مستقبل أشد ظلمة وإيلاماً.
نري أن الموازيين قد انقلبت عند الراوي الذي صار سكيراً مخبولاً.. تشرق شمسه من مكان غروبها بالأمس.. ويطير البدر كصحن فضائي... وشجر العشر تمثل له بشراً سويا... والجميلة نصيره او الملكة «أما نتيري» حاملة مفاتيح كنوز مروي,,, التي أضاعها بطل الرواية يوم أن ضاع شرفه علي يد زوجته ست النفر...فضاعت أما نتيري احد آثارنا وأظن أن السير»جاك ماك ريل» استعاد التمثال من اللصوص ثم سرق بعدها.. ومن يومها تفرق تاريخنا بين المرافي والبحار...فهذه دعوة لملاحقة لصوص الآثار.. يقول الكاتب:» عندما يغيب القمر يتسللون الي اطراف الجبال ينبشون كثبان الرمل ويلقون بجماجم الموتى وعظامهم خارج مدينة الاموات»
رواية «ملكة الشمس والجان» كشكول آخر وصندوق الدنيا الذي نراه في افلام الأسود والأبيض يعرض عالم ودنيا او هي كلوحة تشكيلية ولكن سهلة القراءة لجزالة المفردة وتفردها وسلاسة انسياب الكلمات من بين انامل الكاتب ليسكب بالمداد خلجات نفسه.
نري في المخطوطتين المذكورين فناً بارعاً وجهداً ضخماً ..جمع في الروايتين بين الفلسفة والسايكولوجي والسوسيولوجي فخرجت اللوحة من بين انامل فنان تشكيلي رسم بكلماته تلك اللوحات فخرج العمل غاية في التشكيل الممتزج المتداخل الذي يحتاج لقراءات من زوايا و رؤي قد تكون علي غير ما عكس مقالي فالاعمال الجيدة تفتخ آفاق متجدده للحديث والكاتب (مهندس الجرافيك(Graphic Eng.) له أعمال ورسومات وصور ضخمة لمن يريد الأطلاع رسمت والتقطت أثناء ترحاله وتجواله ما بين الشانزليزيه بباريس وبوابات وزخارف اهلنا المحس واحجار قرية الكرو.. ورسومات دخلت مهرجانات دولية .. مأخوذة من دارفور ... البلفور.. اوسلو...وبعض دول آسيا..وهناك بورتريهات للعمة العنو وأم الحسن بت كمير .. وصور حقيقية ووجوه من ابوروف و أديس أبابا... والأجمل رسوم تشكليلية تبرز معاني بعض الآيات القرآنية (مثل وجعلناه في قرار مكين) و (وجعلنا آية الليل تمحوها آية النهار) (صدق الله العظيم)...وأفول الشمس ... والكثير المثير... حقاً لقد كانت متعة القراءة لكاتب قادم بقوة الي ساحاتنا الأدبية.. وننتظر بزوغ شمس عمل آخر قريباً...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.