بينما تخوض حركتان رئيسيتان هما التحرير والعدالة والعدل والمساواة معترك الحوار مع المؤتمر الوطني فى الدوحة بغية الوصول الى سلام بنهاية المطاف، خرجت حركة تحرير السودان اللاعب المهم الثالث فى الاقليم لتعلن على الناس عن دعوتها بعد صمت طويل الى وحدة الكفاح المسلح ضد نظام الانقاذ. ودعت في ذلك جميع المقاومة المسلحة فى دارفور، وكل القوى الوطنية المناوئة للنظام والمؤمنة بالتغيير، لبناء دولة المواطنة و الديمقراطية. وقالت حركة نور فى بيان اصدرته انها ظلت تنادى بضرورة ايجاد حل عادل للنزاع فى اكثر من منبر تفاوضى ابتداءً من ابشى واحد وابشى اثنين وسبع جولات تفاوضية فى العاصمة النيجيرية ابوجا، واشارت الى ان فشل جميع الجولات يرجع « لعدم رغبة حكومة الخرطوم فى الوصول الى حل سلمى، وعدم اعترافها بذلك وتفضيلها الحلول العسكرية وانتهاجها سياسة فرق تسد، وتسليح القبائل ضد الاخرى ومحاولتها اضعاف المقاومة « وهو مما ادى بحسب ما تقول الحركة الى اطالة امد الحرب فى الاقليم . الا ان موقف رفقاء السلاح فى الحركات الاخرى من هذه الدعوة يشي حتى الان بانهم ينظرون اليها بتردد بائن ، وربما علينا ان نشير فى ذلك بشكل واضح الى حركتي تحرير السودان بقيادة مناوي والعدل والمساواة بزعامة خليل ابراهيم . فقد ظلت الحركتان تشككان فى صدقية هذا التوجه المفاجئ لعبد الواحد نور، وخاصة ان حركته ظلت على الدوام رافضة مجرد الاعتراف باوزان الحركات الاخرى ومدى تأثيرها على مجريات الاحداث فى الاقليم ، فى مقابل ذالك تتالت دعوات الحركات الاخرى الى نور من اجل التنسيق السياسي والعسكري فى مراحل مختلفة من الصراع، وبالامس القريب اعلنت حركتا العدل والمساواة والتحرير والعدالة عن عزمهما توحيد الموقف السياسي بين الحركتين ، والبيان الصادر فى هذا الخصوص يمضي فى ذات الوجه الذي مضى اليه البيان المعلن من حركة نور، الا ان توقيت الاقدام على هذه التحركات و القراءة المتفحصة لما ورائها ،ربما يكشف ان الهدف المعني، ليس بالضرورة هو الهدف المعلن من البيانين ،وهو نصا «توحيد المقاومة علي مستوي إقليم دارفور لقيادة عملية التغيير الحتمية، وإعادة بناء دولة حقيقية علي الجُزء المتبقِي من السودان» ،لكن ما الذي دفع بنور الى تلك الخطوة التي وصفت بالمفاجأة في هذا التوقيت ؟، لنتمعن مجريات الاحداث التي انتظمت مؤخرا في المحيط الاقليمي لدارفور الملتهب منذ سنوات، ولما يدور بالجماهيرية الليبية حاليا ، فربما يمكننا من الحصول على اجابات وتفسير لمايدور بالدوحة بين السيسي وخليل ،ولما يتم بين حركتي مني وخليل فى مكان اخر . وهو قد يعطي ايضا مؤشرات لان يكون مقصد دعوة نور هذه المرة باتجاه خليل . ولنتابع معا قبل كل ذلك ما جاء في بيان حركتي مني والعدل والمساواة . فقد تدارست الحركتان بحسب البيان الجهود التي بذلتها حركة العدل والمساواة السودانية في منبر الدوحة للوصول إلي اتفاق سلام شامل وعادل ومُستدام متفاوض عليه، لحل قضية السودان في دارفور في إطار الحل الشامل للأزمة السودانية، على أسس تصلح للتعميم على بقية أقاليم السودان، وأقرتا أن الاتفاقات الجزئية مرفوضة لأنها لا تحقق السلام بل تطيل معاناة شعبنا في معسكرات النزوح واللجوء، وفي كل الهامش السوداني، وتمُد في عمر نظام الإنقاذ العنصري، وتضفِي الشرعية عليه وعلي جرائمه . ومن هنا يمكن ان نتفهم دوافع خطوات نور الاولى باتجاه الاخرين، فقد ظل الرجل منذ رفضه التوقيع علي ابوجا التي وقعها مني وما تلاه من سنوات ، ظل عبدالواحد الشخصية الدارفورية الوحيدة التي تنادي بالحلول المتكاملة وليست الجزئية ،واستطاع بموقفه هذا ان يكسب قطاعات من اهل دارفور تركز جلها فى معسكرات النازحين ، وهو الامر الذي اضعف مخرجات الاتفاق التى تكاد فترته الانتقالية ان تنصرم . الا ان ما تعلمه جميع اطراف الصراع ويشدد عليه عدد من المراقبين ، استحالة الوصول الي اجماع تام بالاقليم على أي من اشكال الحلول ، دون موافقة وتمثيل كافة الاثنيات الموجودة فيه وهو مادفع من قبل بالسيسي للواجهة من قبل، وهي الخطوة التى داومت حركة تحرير السودان على اعتبارها محاولة لتصفية القضية ، متهمة السلطة بالخرطوم بالسعي لايجاد بديل لعبد الواحد ينفذ مخططاتها فى ذلك ، ووصفت الامر اكثر من مرة بانه لايتعدى «الترميز التضليلي» . ولكن فى ظل المناخ المتوتر بين نور وقادة الحركات الاخرى بفعل اتهاماته المتكررة للجميع بالسعي فى طريق الحلول الجزئية ، ومع استمرار حركته فى وضع شروط مسبقة للتحاور مع أي من الوفود الحكومية ، وهو الامر الذي استنكفته الحركات الاخرى في اكثر من مناسبة ، قد لا يلتفت طرفا البيان المشترك الي دعوات نور بشكل حقيقي ، وقد يقودهم الشك والارتياب في صدقيتها الى البحث عن دوافع وتفسيرات لموقف الرجل. واستبق بيان حركة نور لقاء جمع رئيسها في كمبالا مع إبراهيم قمباري الممثل الخاص المشترك للبعثة الأممية الأفريقية في دارفور ، وناقش الاجتماع بحسب ماهو معلن الوضع الأمني وتطورات العملية السياسية في دارفور. بالاضافة الى التعاون والتنسيق بين «يوناميد» والحركة المسلحة لتسهيل مهمة البعثة في حماية المدنيين، وإنشاء ممر إنساني آمن إلى شرق جبل مرة لإغاثة المتضررين هناك . واللافت فى بيان حركة نور هو تأكيده على انها تسعى للحفاظ على ما تبقى من السودان الشمالى، دون التفريط بأي جزء من اجزائه، وقطعت بانها لا تدعم الاصوات المنادية بحق تقرير المصير فى اقليم دارفور، ، وذلك لايمانها بوحدة السودان . وهو ما يتعارض مع مواقف حركات اخرى تنادي بمنح الاقليم حق تقرير المصير ان لم تنجح القوى المعارضة والحركات فى انشاء دولة علمانية ديمقراطية فى البلاد ، بعد ازاحة النظام الحاكم بالطبع. ودافع البيان عن مواقف عبد الواحد نور الرافضة للقبول بكل المبادرات الاقليمة والدولية الساعية لاقناع رئيس الحركة بالدخول فى حوار حول كيفية حل المشكلة ، وليس مساعي الحكومة الفرنسية للدفع بمشاركته فى منبر الدوحة اخرها ، اذا عبرت الحكومة الفرنسية عن غضبها من تجاهل رئيس حركة تحرير السودان للذهاب الى الدوحة وتوجه عوضا عن ذلك الى كمبالا برفضها دخوله لاراضيها بعد جولته الافريقية، وهذا الرفض فى نظر كثيرين احد ادوات الضغط على نور كي يفكر بتغيير مواقفه المتصلبة من عملية الحوار فى الدوحة، ولكن ما يعرف عن شخصية الرجل لا يشي بان هذا النوع من الضغط الناعم يمكن ان يدفعه للركض فى المسار المطلوب، بيد ان تحركات نور فى هذه المرحلة اتسقت مع متطلباتها ، فالانفتاح على التطورات الجارية على المشهد السياسي السوداني ، قد يجنب نور الحصار فى العاصمة الافريقية، والتقارب مع الحركات الاخرى فى وقت تسعى فيه الى الالتفاف على الدوحة قد يحيل ربما السخط الغربي على تشبث الرجل بمواقفه الرافضة للحوار، قناعة جديدة بصحة مواقفه التى لم تتغير . ويرى مراقبون ان مواقف عبد الواحد نور الجديدة من قضية دارفور ، قد تساهم حال فشل منبر الدوحة فى اتساع فرص توحد الحركات المسلحة حول برنامج سياسي وعسكري موحد يذهب بالقضية الي اتجاهات مغايرة.