٭ اخذت اقلب في مفكراتي أمام يوم 51 نوفمبر 9791 وجدت نفسي قد كتبت : اليوم ذهبت الى السوق وعدت حزينة وكئيبة.. الاسعار مرتفعة جداً.. ما هذا الذي يحدث في المجتمع السوداني ما اجتمع اكثر من شخصين إلا وكان الحديث بينهما عن متاعب الحياة.. وعن موجة الغلاء العارمة التي لحقت بسلع كثيرة.. كيلو اللحمة بجنيهين، ربع البصل بسبعة جنيهات.. رطل اللبن بخمسة عشر قرشاً.. الخ القائمة.. هذه الظواهر شغلت الكثيرين منا عن الغوص في البحث عن السبب الحقيقي للغلاء.. ثم ماذا بعد؟ ٭ قرأت هذه الكلمات اكثر من مرة واخذتني دهشة بالغة مثل التي تأخذني عندما تحدثني حبوبتي عن التعريفة التي كانت تأتي بالسكر والبن والشاى وعن الخمسة قروش التي كانت تأتي بثوب (السرتي) والفركة ام (صفيحة) وعن الستة جنيهات التي كانت مرتب اكبر موظف في الحكومة.. وتقول كان ذلك قبال سنة القنابل وقبال سنة التموين. ٭ وسنة القنابل المعنية هى ابان الحرب العالمية الثانية يعني في اربعينات القرن الذي مضي. ٭ حاولت تجاوز هذه الصفحة من المفكرة الى اخرى علني اجد موضوعاً اخف على القاريء من هذا الذي ينكأ الجراح ويزيد الالام والمواجع والحسرة.. ولكنه ذات الواقع هو الذي شدني وفرض علىَّ تقليب المواجع ليس من باب التشفي أو عذاب الذات ولكن من أجل التأمل والبحث الجاد الايجابي أمام الذي يكتنف حياتنا ومعيشتنا اليوم. ٭ فالتعامل مع المقارنة وروايات الاسعار بمنطق الدهشة لم يعد مجدياً ولا منطقياً.. فظروف العالم تغيرت.. وظروفنا تغيرت وطبيعة مجتمعنا تغيرت.. ويظل التساؤل الكبير بعد كم سنة تغيرت قيمة التعريفة والجنيه والدينار والجنيه مرة ثانية.. عندنا في زمان الانقاذ الذي قضى على ثلاثة اصفار جملة واحدة من امام أى رقم واصبح ألف الامس هو جنيه واحد اليوم. ٭ وبالقطع معالجة هذه المسائل لا تتم عن طريق التحسر واجترار الماضي.. ولكن رجع الصدى يؤكد لنا ان الجائع والمريض وغير الآمن يستحيل ان يكون انساناً سوياً قادراً على التفكير أو العمل أو الانتاج. ٭ اسوق حكاية واقعية : يقال ان احد الزهاد كان في رحلة من مكان الى مكان ونفد زاده على قلته وتواضعه وقرب من الهلاك.. وعند مشارف احدى القرى وجد من اطعمه وسقاه.. وعندما وقف مواصلاً رحلته تحدث مع نفسه قائلاً « انا كنت قايل كرعين شايل بطن هو تراه بطن شايل كرعين» وصارت قولته مضرب مثل. ٭ متى نجد من يطعمنا ويسقينا ويزرع الامان في قلوبنا. هذا مع تحياتي وشكري