٭ المناسبات.. كل المناسبات.. السعيدة والحزينة تشكل محطات للتأمل واجترار الذكريات حلوها ومرها.. ومع اجترار الذكريات تتوسع دائرة التأمل والتفكير.. إذا شهدت مناسبة سعيدة تذكرت مثيلاتها وتلذذت بطعمها وعقدت المقارنة بينها وبين التي بين يديك وبالمثل إذا كنت ضمن حضور مناسبة حزينة تذكرت مثيلاتها وتفتقت الجروح وعظم الأسى. ٭ هذه طبيعة الانسان تعمل تلافيف مخك بكل مراكزها وترسل اشاراتها بلا توقف.. إلا إذا اضطربت وظائف تلك المراكز وانعتق صاحبها من أعياء التفكير والتأمل المتصل وأصبح في ذمة الآخرين.. ألم يقولوا المجنون في ذمة العاقل. ٭ والأعياد مناسبة سعيدة وعظيمة لا سيما ان كانت دينية ومرتبطة بمعان كبيرة.. التضحية والإيثار.. ٭ مضت أيام العيد الكبير باجازته الطويلة.. وهو عيد الفداء.. عيد الوفاء.. وتعظيم الأبوة حد التضحية بالنفس وهو موسم الحج.. موسم الاتجاه إلى بيت الله موسم أداء شعيرة فرضها سبحانه وتعالى بالاستطاعة لاستكمال أركان الرسالة الخاتمة.. الاسلام.. «وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا». ٭ جاء العيد هذا العام والعالم يموج ويفور بأحداث كثيرة.. أبرزها ما يدور في العالم العربي من ثورات للشباب أطاحت بأنظمة وتحاصر أنظمة أخرى.. ٭ وحالنا نحن في السودان لا يخلو من المنغصات على صعيد الأحداث المؤسفة في جنوب كردفان وما تركته أحداث النيل الأزرق.. وما تركته وقائع الحراك السياسي في دارفور.. وما يفعله الغلاء والفقر في كل أنحاء السودان.. ٭ فطوال أيام العيد ظل الناس يتحدثون عن غلاء «الخروف» وعن.. وعن.. ويجترون الذكريات.. ٭ العيد في زمان مضى كان الأطفال فيه يطوفون بمنازل الحي ويباركون العيد ويحصلون على العيدية التي تبدأ بتعريفة وقرش أو شلن وريال.. والريال هذا رقم قياسي.. ريال يعني عشرة قروش.. عندما أخذت أحكي لأبناء وبنات اخوتي وأخواني الصغار، سألوني.. قرش يعني شنو بذلت مجهوداً في الشرح لأن أصغرهم لا يطلب أقل من ألف يعني جنيه. ٭ الأطفال في العيد.. كل الأطفال يبحثون عن الحلاوة والكعك والقروش يطلبونها وهم يرفلون في جديد الثياب وقد تختلف خاماتها ولكنها كلها جديدة.. يستوى في ذلك أطفال الأحياء الراقية والأحياء الطرفية... تعذبت كثيراً للتغيير الذي أخذ يتسع يوماً بعد يوم.. الأطفال يأتون من الأطراف وبأعداد كبيرة وفي ثياب رثة.. وأقدام حافية ونفوس منكسرة ويطلبون بالحاح «رغيف ولحمة» ولا يتذكرون الحلاوة والكعك وربما لعدم معرفتهما. ٭ الفقر سلب الأطفال والكبار بهجة العيد.. وقفت عند هذه الجملة الصغيرة بعدد كلماتها الكبيرة في معناها.. وقفت.. عند معنى عذابات الفقراء عذابات هذا الكم الهائل من المجتمع السوداني فقد أضحت الغالبية العظمى من السودانيين تحت خط الفقر وسياسة التحرير الاقتصادي والخصخصة غير المقدور على آثارها السلبية هي السبب بالاضافة إلى أثار الحرب اللعينة.. وأصبحوا كلهم تحت رحمة جرعة الدواء وظل السكن باهظ الإيجار في أطراف المدن ووجبة واحدة مكونة من «البوش» أو مرقة «ماجي».. هذا حال الغالبية العظمى من أهل السودان.. ٭ هذا ماسيطر على دائرة تأملي وتفكري طوال أيام العيد ومع ذلك تبقى معاني الوفاء والإيثار قيم أصيلة وراسخة في جوهر الرسالة الخاتمة للإنسان على ظهر الأرض رسالة الإسلام.. حمانا الله من الحرب والظلم والقهر... وكل عام وأنتم بخير. هذا مع تحياتي وشكري