رأيت (صلاح أحمد) كما يحلو لمعجبيه أن يسموه أو صلاح أحمد محمد صالح في برنامج قناة النيل الأزرق السودانية. هو إذن ابن الشاعر الكبير أحمد محمد صالح صاحب: أخلفت يا حسناء وعدي وجفوتني ومنعت رفدي فينوس يا رمز الجما ل ومتعة الأيام عندي لما جلوك إلى الملا وتخيروا الخطاب بعدي هُرعُوا إليك جماعة وبقيت مثل السيف وحدي وهي القصيدة التي القاها للشاعر المصري علي الجارم خارج النادي المصري الذي أقيم فيه الاحتفال بقدوم الشاعر الكبير علي الجارم بعد أن استبعد من احتفال الشعراء بعلي الجارم لميوله الاستقلالية وقربه من حزب الأمة. والشاعر أحمد محمد صالح والد صلاح أحمد هو الذي ألف نشيد العَلَم مع شاعر مجهول من القضارف كما قال د.عبد الله الطيب في كتابه (حقيبة الذكريات) والذى تصرف في دمج الكلامين واخرج الصورة الحالية نحن جند الله جند الوطن إن دعى داعي الفداء لم نخن نتحدى الموت عند المحن وقد كان الأستاذ أحمد محمد صالح نائب ناظر حنتوب الثانوية عام 1948 لما كان الناظر هو مستر براون وأحد الطلاب في المدرسة الرئيس جعفر النميري . وعرفت أن (صلاح أحمد) قد جاء لتوه من القاهرة ليزور أخاه المذيع المعروف (عبد الرحمن أحمد) المريض هذه الأيام شفاه الله. صلاح أحمد هو الذي ابتدع كلمة (أغاني الحقيبة) لأنه أول من قدم تلك الأغاني من إذاعة أم درمان وكان يأتي بأسطواناتها في حقيبته يحملها فسماها أغاني الحقيبة وسارت بالاسم الركبان. كان إذن مذيعاً بإذاعة أم درمان ثم مذيعاً في بداية الخمسينيات من القرن العشرين بإذاعة لندن ثم عمل سفيراً لمدة طويلة بوزارة الخارجية بعد الاستقلال. هو مؤلف أغنية (أهواك) و(نحن في السودان) للفنان أحمد المصطفى وهو مؤلف أغنية (مات الهوى) لعثمان حسين والتي تقول في احد مقاطعها: أنا الأغروني بالجنة جعلت غرامهم سنَّة فلما نالوا مرماهم جفوني وقالوا حبي جنون وكانت (مات الهوى) و (أهواك) مما فُتن به الشعب السوداني من الأغاني في الخمسينيات حتى ذهب بعض حساد صلاح أحمد للقول بأن هذا الشعر الرائع لم يكن له بل كان لوالده أحمد محمد صالح. وغنى له سيد خليفة (يا مسافر وناسي هواك) وكان صلاح أحمد أحد الذين ساهموا في شهرة كاتبنا الكبير الطيب صالح إذ قد كان من أوائل من أطلعهم الطيب على باكورة انتاجه القصصي لما زامله في لندن في البي بي سي في لندن وقاسمه هناك السكن وتوطدت بينهما صداقة صارت إخاءً خالصاً وخلة عميقة الجذور. ينسب إليه خطأ مليح وذلك أنه لما انتقل من إذاعة هنا أم درمان إلى إذاعة هنا لندن أراد أن يقول وهو على الهواء مباشرة في لندن (هنا لندن) فقال (هنا أم درمان) ثم استدرك سريعاً متمثلاً بشعر أمير الشعراء أحمد شوقي: وطني لوشُغلتُ بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي أن تكون مولوداً في أم درمان في أواخر العشرينيات من القرن الماضي وأن يكون أبوك أفندياً من خريجي كلية غردون بل وأن يكون من جيل السودنة وشاعراً كبيراً ونائباً للخواجة ثم مسودناً لوظيفة سيادية كان يحتلها الخواجة لم يكن أمراً سهلاً. وهذا كله مما فتح أبواباً صعبة الولوج في وجه صلاح وهي أبواب إذاعة أم درمان التي كان العبور إلى مكرفونها كعبور الصراط وإذاعة لندن التي لا يكفي الدخول اليها النجاح الورقي بل لابد من معايير أخرى لا تسهل لعامة الناس ثم وزارة الخارجية التي كانت تأخذ صفوة الصفوة المؤيدة من علية العلية والتي كان يسأل في طلب التقديم إليها إلى بداية السبعينيات في القرن الماضي عن (الإتيكيت) وإن كان مقدم الطلب يجيد التنس والكركيت والبيزبول!! لما قال الأستاذ صلاح أحمد إنه عمل غداء في بيتهم في أم درمان للفنانين حضره منهم أحمد المصطفى وسيد خليفة وعثمان حسين وآخرون تصورت عندها مقيلاً مدهشاً يزري بمقيل عبيد عبد الرحمن والكاشف لما قالا: (حلاة الجمعة يومها وحلو شمبات مقيلها).