حالة من الفجائية أصابت الولاياتالمتحدةالأمريكية عند قيام الثورات العربية خاصة في تونس ومصر، باعتبار أن تونس النموذج الذي تقدمه الولاياتالمتحدةالأمريكية لحالة الاستقرار الاقتصادي في دول العالم الثالث، ومصر هي الحالة الخاصة التي تقدمها في التحالفات الاستراتيجية بالنسبة للعام الثالث والعالم الأول، باعتبار أن مصر قدمت النموذج المطلوب في تحقيق الرغبات للعالم الأول، ولكن الثورات التي أطلق شرارتها بوعزيزي في تونس لم تكن الحسابات الأمريكية وقياسات الأحداث عندها أن تصل إلى هذا الأمر، وفشلت كل القراءات في أن تصل إلى هذه النتيجة حتى في دول العربية نفسها، كما قال الرئيس مبارك إن مصر ليست تونس، وكما قال سيف الإسلام إن ليبيا ليست مصر وتونس، وهكذا تتفق القراءات العربية والأمريكية في بعض مسارات الأحداث بالقدر الذي تكون فيه النتيجة واحدة في واشنطون والقاهرة وطرابلس وبذات الفهم. ولكن الأحداث جرت بسرعة فائقة، حيث لم تستطع تلك المراصد قراءتها بالقدر المطلوب، وانتهت في تونس ومصر بذهاب بن علي ومبارك إلى قائمة الرؤساء السابقين. ولكن الولاياتالمتحدة أعادت وضع أجهزتها من أجل قراءة الواقع وتوظيفه بالقدر الذي يخدم مصالحها في المنطقة، وإعادة تشكيلها وفق مقتضيات الأحداث التي تجري فيها لمصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبالحسابات الأمريكية لا توجد مشكلة في الدول العربية تشكل عائقاً أمام السياسات الأمريكية في المنطقة إلا في السودان وسوريا. وبالتالي يجب تحريك الأحداث على هذا النحو حتى تأتي النتائج بما يخدم الأهداف الأمريكية في المنطقة. وهذا ما بدأت به أمريكا في الحالة السورية مع تصاعد الأصوات المطالبة بمزيد من الحريات في بعض المدن السورية مثل مدينة درعا، وتوسعت الدائرة الجغرافية لتشمل مدناً أخرى، وتوسعت المطالب لتصل الى رحيل النظام، رغم الجهود التي قدمتها القيادة السورية من خلال خطاب الرئيس بشار الأسد في البرلمان وأمام الحكومة الجديدة بقيادة سفر رئيس الحكومة. وبالنظرة للتعامل الأمريكي مع تطورات الأحداث في سويا، نجدها مختلفة تماما عن تعاملها مع ذات الأحداث في مصر وتونس، وذلك يتضح جلياً من تصريحات المسؤولين الأمريكان، وذلك من خلال التحذير السريع لرعاياها من الذهاب إلى سوريا إلا للأشياء الضرورية، رغم أن الأحداث في سوريا لم تصل حتى الآن ما وصلته في تونس ومصر واليمن. ورغم ذلك تتصاعد التصريحات الأمريكية تجاه ما يحدث في سوريا. وقد يكون الأمر واضحا لكل متابع وهو أن تغيير النظام في سوريا ضرورة أمريكية في المقام الأول، قبل أن يكون ضرورة إسرائيلية في المقام الثاني. وذلك بحسبان أن سوريا تمثل الذراع الإيراني في منطقة الشام وتمثل المسرح الدائم للطموحات الأمريكية والاسرائيلية. ومثل فيها النظام السوري بقيادة الأسد دور الأب الذي استطاع أن يوظف كل التحولات الإقليمية والدولية في الحفاظ على سوريا، بل واستطاع إن يجعل من سوريا دولة محورية تتقاطع عندها المصالح الإقليمية والدولية. واستطاع حافظ الأسد أن يجعل من سوريا الدرع العربي الحصين في مواجهة دولة الكيان الصهيوني. وكسب تعاطف كل الشعوب العربية، وبذلك استطاع الأسد أن يستقطب الدعم الخارجي لصالح بلاده، وأن يوظف ذلك الدعم في بناء الدولة السورية. واستطاع الرئيس حافظ الأسد أن يجمع بين المتناقضات لصالح سوريا، كما جمع بين الاستفادة من الدعم الخليجي والدعم الإيراني في وقت واحد. واستطاع بتفرغه للسياسة الخارجية أن يؤمن سوريا من مخاطر كثيرة، وترك الأمر الداخلي لشقيقه رفعت الأسد قبل إن يفكر في إعداد ابنه باسل الأسد لخلافته في حكم سوريا، ولكن كانت الأقدار تعد شيئاً آخر، فقد توفي باسل، ولم يجد الأسد الأب بداً من أن يسند الأمر إلى ابنه الثاني طبيب العيونبشار الأسد الذي يجب أن يكون بعيد «النظر» في قراءته للأحداث في التحديات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وبالقدر الذي يجعله يحافظ على مكاسب أبيه التي حققها، رغم أن بشار لم يعن بالاهتمام الكبير الذي حُظي به باسل الذي وافته المنية في حادث مروري قبل إن يتسلم القيادة في سوريا. ورغم أن بشار حتى الآن محاط ببعض الحرس القديم الذي يتمتع بخبرة كبيرة، مثل نائب الرئيس فاروق الشرع الذي تولى حقيبة الخارجية مدة طويلة تمكنه من قراءة الأحداث بالقدر الذي يجنب سوريا كثيراً من المشكلات، إلا أن هذه القراءة تبدو ضعيفة حتى الآن في ظل تلك التطورات التي تمكن الولاياتالمتحدة من تحقيق أهدافها إذا لم تتدارك القيادة السورية الأمر، واسترجاع «خبرة» الأسد الأب في توظيف التناقضات الإقليمية والدولية لمصلحة دمشق، وألا تكون الخطوات الأمريكية أسرع في التعامل مع الأحداث في سوريا بغية الوصول إلى الهدف، وهو الوصول لقيادة جديدة مطيعة وضعيفة تطبِّع مع إسرائيل وتنفذ الأجندة الأمريكية في المنطقة. وبنهاية نظام السوري تكون قد شلت يد إيران ويد حزب الله، وبالتالي تصبح المنطقة كلها تحت رحمة إسرائيل. لأن الوجود السوري الإيراني وحزب الله في جنوب لبنان، كان ومازال يشكل هاجسا كبيرا لإسرائيل، ويعمل على الحد من طموحاتها في المنطقة. وإسرائيل الآن تحاول أن تستفيد من سياسة الأسد الأب في الاستفادة من التحولات والتطورات في المنطقة لصالحها. والسؤال: هل يستفيد الأسد الابن من أخطاء نظرائه، وألا يكرر المعالجات التي لم تنفع مبارك وبن علي عبر حل الحكومة وتعديل بعض مواد الدستور؟ ونحن نقول إن سوريا ليست مصر ولا تونس ولا ليبيا ولا اليمن، فسوريا هي الطوق نفسه وكل دوله.