لجأ بنك السودان المركزي أخيراً إلى تقليص نسبة الحافز على شراء وبيع العملات الأجنبية حتى تدنى إلى أقل من 5%، بعد أن بلغ مع بدايات تطبيق سياسة تعويم الجنيه أكثر من 17%. وقد أرجعت إدارة البنك المركزي تقليص حجم الحافز لتوفر احتياطي مقدر من النقد الأجنبي بالخزينة العامة، جراء زيادة عائدات الذهب بالبلاد، نسبة لارتفاع إيقاع التعدين الرسمي والشعبي عن الذهب بأصقاع البلاد المختلفة، بجانب ارتفاع العائد من بيع النفط بسبب ارتفاع أسعاره عالميا، بيد أن مختصين في مجال الاقتصاد يرون أن البنك المركزي قد تعجل في تقليص الحافز على شراء النقد الأجنبي، وأنه كان من باب أولى الاستمرار فيه خلال الشهور الستة القادمة التي يتبلور بعدها مخاض الاقتصاد السوداني وتستبين وجهته بصورة قاطعة جراء انفصال الجنوب وتناقص الموارد. وأبانوا أن المقصد من سياسة تعويم الجنيه تقريب الشقة بين السوق الموازي والسوق الرسمي. ويقول البروفيسور عصام بوب إن نكوص البنك المركزي عن تطبيق سياسة الحافز على شراء العملات الحرة من شأنه إذكاء نيران السوق الموزاي وزيادة الطلب عليه، نسبة للبون الكبير بينه والسوق الرسمي الذي تدنى في الفترة الماضية، بل كاد يتلاشى بفضل سياسة تعويم الجنيه التي قادت لحشد كمية كبيرة من النقد الأجنبي للخزانة العامة، وساعد في ذلك ارتفاع أسعار النفط عالميا وزيادة نسبة العائد من التعدين الأهلي والرسمي عن الذهب بالبلاد. واضاف أن تراجع المركزي عن الحافز وإنقاصه بالدرجة الحالية، يمثل العودة إلى مربع التخلي عن الإنجازات. ويرى بوب أن المركزي قد استعجل في اتخاذ قرار بشأن تخفيض الحافز على العملات الحرة، وكان ينبغي عليه الانتظار على الأقل لمدة الستة أشهر القادمة حتى تستبين ملامح الاقتصاد بعد إنزال انفصال الجنوب إلى أرض الواقع ومعرفة اتجاهات الاقتصاد. ويحتم الواجب النشاط والعمل بهمة لتوفير السلع والخدمات بهدف الوصول إلى استقرار اقتصادي يريح البلاد والعباد، وأن يرتفع بفضله سعر صرف الجنيه السوداني. وأضاف أن سحب الحافز من شأنه العمل على تضعضع سعر صرف الجنيه وبعث المزيد من الشك حول قدرة الاقتصاد بصورة عامة، لا سيما أن سياسة تعويم الجنيه عملت على تعافي معدلات تبادل العملات الحرة واستعادة الجنيه لجزء من بريقه المفقود بسبب السياسات الممتازة التي اتبعها البنك المركزي في الفترة الأخيرة، بيد أنه تعجل في وأد بذرة الفرح التي بدأت تشق طريقها الى قلوب العامة والاقتصاديين بصفة خاصة. وقال بوب إن خطوة التخلي عن الحافز غير موفقة، لجهة أنها لم تأت في توقيت مناسب، لا سيما أن الاقتصاد السوداني في حالة اهتزاز وعدم ثبات وبحث عن الاستقرار، وكان ينبغي على البنك المركزي رفد السوق بمزيد من تدفقات العملات الحرة حتى بلوغ درجة الوفرة، بهدف الوصول لتحقيق درجة من الاستقرار لسعر صرف الجنيه على الأقل إن لم يكن تقدماً، بجانب تقريب الشقة بين سعر الصرف في السوقين الرسمي والموازي، وتوفير العملات لدعم وتسهيل عمليات الاستيراد، وتخفيض معدل التضخم وزيادة مقدرة الاقتصاد وإبرازه في ثوب القوة لا الضعف في أعين المستثمرين الذين يرقبون في حذر مشوب بالخوف ما تسفر عنه عملية انفصال الجنوب. وختم بوب بأن أهم هدف يفترض على الجميع العمل على تحقيقه، هو الوصول بالاقتصاد إلى درجة من الاستقرار والسلامة من الهزات التي تعترض مسيرته.