لم تفصح بعد ولاية جنوب كردفان عن هوية من يجلس علي كرسي ادارتها وهل سيجلس علي قمة الهرم فيها «والي» يتبعه اسم أحمد هارون مرشح المؤتمر الوطني ام سيكون المنصب حكرا علي «الحاكم» عبد العزيز الحلو مرشح الحركة الشعبية ومابين العبارتين تبدو مجموعة من المتناقضات التي تعج بها الولاية متناقضات تلقي بثقلها علي نتيجة الانتخابات والتي تنتظر ثقلا اخر سيلقي هذه المرة علي مستقبل السودان ككل والجميع يضع يده علي قلبه خوف الذي سيأتي وخوف ان تتحول الاصابع من صناديق الاقتراع نحو صناديق البارود وتعود الحرب التي ودعها الناس بعد توقيع نيفاشا والتي جعلت الجنوب يودع الوطن عبر الاستفتاء وهو الوداع الذي بدأ تأثيره واضحا في صناديق الاقتراع بالولاية التي تمثل نقطة محورية وبالغة الاهمية للجنوب المنفصل وللشمال المنفصل عنه تأثيرات بدت واضحة في لغة الخطاب السياسي للمتنافسين لغة تجاوزت الحركة والوطني لتصبح هي وسيط التخاطب بين مكونات الولاية الاخري، والتي تشهد الان حالة من الاحتقان جعلت الكثيرين يجعلون من خيار الانفجار هو الاقرب للحدوث الان في اجواء الولاية المتفجرة بصناديقها في اللحظة الانية والتي ربما تنتظر انفجارا بعد اغلاقها ، وهو ما فتح الباب لمجموعة من التساؤلات تتعلق بمآلات الاوضاع وبمستقبل الولاية وهو التساؤل الذي وضعته منظمة افريقيا للعدالة علي طاولة النقاش في اطار مناقشاتها لمستقبل سودان ما بعد الانفصال حيث ناقشت ندوة عقدت بمبني المنظمة تداعيات الاوضاع في ولاية جنوب كردفان بعد الانتخابات شارك فيها عدد من المناقشين الذين وضعوا سيناريوهات المستقبل في الولاية بناء علي ما تؤول اليه نتيجة الاقتراع الجارية حاليا في الولاية وفي بالهم الصراع بين الحركة والوطني والادوات المستخدمة فيه، وقد تحدث في المنتدي بشكل رئيسي الدكتور جمعة كندة وعبد الباسط الذين غاصوا في الاوضاع الاجتماعية والسياسية والعرقية في المنطقة متناولين مختلف سيناريوهات ما بعد الانتخابات من يفوز وما المترتب عليه ؟؟ وتكامل مع نتيجة يسعي الجميع للوصول اليها وتتعلق باعادة التكامل السياسي والاجتماعي للمنطقة واستدامة السلام خيارا ربطه المناقش الاول الدكتور جمعة كندة بضرورة القبول بنتيجة الانتخابات الجارية حاليا وهو قبول يتطلب توافر شروط النزاهة والحيادية فيها من الاطراف كافة وعلي رأسهم الشريكان ويربط كندة بين قبول النتيجة والاوضاع السائدة في الولاية الان مع ارتفاع حدة الصراعات العرقية التي اختلطت بالسياسة ودعوة كل طرف من اجل الفوز باصوات الناخبين لقيادته نحو مباني الحكومة القيادة التي تتجاوز موقعها الجغرافي المحصور في ولاية جنوب كردفان الي عملية التأثير في مجمل الحراك السياسي علي مستوي الوطن، واشار كندة لنقطة اساسية اخري تتعلق بموضوع الانتماء الوطني والاتجاه نحو الفئات الاقل، مشيرا الي انه حينما تكون الدولة اقصائية فان الناس يجدون انفسهم مجبرين من اجل التراجع نحو الانتماءات الضيقة التي يرون فيها صورتهم عكسا لمرآة الدولة التي تعكس وجوها بعينها لايري الاخرون فيها صورهم ، واكد علي ان الأزمة الحقيقية في جنوب كردفان هي معادلة انها اغني المناطق في السودان من حيث الموارد وافقرها في الوقت نفسه وهو الامر الذي يعبر عن فشل كبير في ادارة قضايا الناس في السودان عموما وفي حزام السافنا بشكل خاص ، ورهن كندة مجمل الصراعات في المنطقة بانها نتاج لسياسات المركز في تعامله معها، كما ان حالة الاستقطاب الجنوبي الشمالي حولها بعد الانفصال سيفاقم من الاوضاع في الوقت يرفع فيه من اهمية الفوز بالمقاعد فيها خصوصا بعد تحولها من عمق وسط السودان الي الجنوب بعد الانفصال ، وتناول كندة موضوعا اخر يتعلق بالتنمية في المنطقة وتحديد اطار العلاقة بين المنطقة والمركز، مشيرا الا انه كلما زادت درجة الوعي اشتد نقاش الاوضاع قبل ان يضيف ان اي تحليل للاوضاع في جبال النوبة دون الاخذ بالاوضاع الكلية في السودان يظل امر بلا مضمون ولن يقود لحل القضايا العالقة في البلاد وهي القضايا التي تحتاج بدورها لاعادة صياغة نيفاشا في شكل جديد يخاطب كل قضايا الاطراف والهامش وعلي رأسها قضية جبال النوبة وفقا لما يحقق مصالح المواطن في المقام الاول علي حساب القضايا الشخصية والحزبية وهو الطريق الوحيد لقطع الطريق امام تبلور اي شكل للعنف في المنطقة والوصول بالعملية الديمقراطية الي مراميها الختامية في تبني طريقة تداولها سلميا وتكون تعبيرا عن ارادة المواطنين الحقيقية . فيما ابتدر المتحدث الثاني في الندوة عبد الباسط سعيد من تقديم معلومات جغرافية بدت علي درجة عالية من الاهمية وخصوصا فيما يتعلق بعقد المقارنات بين عدد السكان ومساحة الارض حيث اشار الا ان النسبة هي في بعض المناطق فقط حتي الكيلو متر الواحد خمسة مواطنين وهو ما يعني ان مبررات الصراع حول الارض هي مبررات غير موضوعية وان المساحة من الارض تسع المواطنين المقيمين الان والقادمين،وقال ان المنطقة تحوي في داخلها اكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه، واشار الا ان الأزمة مصدرها وبشكل اساسي المركز وطريقة ادارته للمنطقة ولم يبرئ سعيد المواطنين المحليين من الأزمة، مشيرا وبشكل اساسي لتبلور فكرة القبلية والعرقية والجهوية وهو ما يظهر الان في مطالبات بولايات لقبائل بعينها كتأكيد لعملية الردة الفكرية واضاف انه من غير المنطقي ان يموت الناس بالعطش بالرغم من توفر المياه ، ووصف عبد الباسط بانها صارت الان منطقة المعترك السياسي الذي تسعي فيه الحركة الشعبية لتوطيد دعائم سيطرتها في الشمال بعد ذهاب الجنوب وهو نفس الطريق الذي يمضي فيه المؤتمر الوطني من اجل السيطرة علي المنطقة التي تمثل هامش الهامش وتظهر فيها كل المشاكل وفيها ايضا مشكلة ابيي، محذرا من ان قيام ولاية جديدة الان يصنع ابيي اخري في منطقة لقاوة ويدخل جماعات اخري داخل محور الصراع، وقال انه طوال الست سنوات فشل الشريكان في معالجة القضايا وهو الفشل الذي بدا واضحا في انطلاق الانتخابات وفي اللغة المستخدمة فيها وهي لغة بحسب توصيفه ستقود الجميع لاندلاع نزاع كبير ومتسع ، وقال ان الحملات الانتخابية فضحت مساومات البرنامج الانتخابي ففوز الوطني يعني ابيي جديدة بينما فوز الحركة يعني توطن فكرة السودان الجديد في الشمال وكلها خيارات تقرب من هوة النزاع، واضاف ان قبول النتيجة ان مضت الانتخابات رهين بتوفر قيم النزاهة فيها وهي الخطوة الاولي نحو استدامة السلام بالسودان قبل ان يقول ان العنصرية التي نحملها الان بمختلف تكويناتنا الاجتماعية تفوق عنصرية اليهود وهو امر يحتاج لايجاد معالجات له وليست كما يحدث الان وهو ان تقود هذه العنصرية العملية السياسية ، واعتبر ان الخوف من كشف المستور وتناول القضايا بشفافية هو الذي قاد البلاد لهذه النقطة التي نقف فيها وطالب بضرورة ايجاد استراتيجية وصيغة جديدة للتعايش الوطني وفقا لمنهج التعارف الانساني الذي تحتمه المصالح المشتركة والمتبادلة بين المكونات كافة بعيدا عن فلسفة التأليب السياسي الدائر الان داخل اروقة الولاية وبين القوي السياسية وانتقد كذلك عملية وضع مستقبل المنطقة كلها رهين برغبة الشريكين واقصاء الاخرين وختم حديثه بان معادلة الاستقرار نفسها ظلت رهين بالامر نفسه وهو ما يجعل كل المستقبل في كف عفريت. وفي مداخلاتهم تناول المشاركون في الندوة معايير الخطورة المترتبة علي نهاية الانتخابات بالولاية وفقا لما هو ماثل من تداعيات تتسم بالاحتقان المرتبط بامتلاك ادوات العنف وخروج الولاية من مرحلة حرب انتهت بالانفصال ، كل هذه الامور يضاف لها عملية الاستقطاب السياسي الحاد الذي اصبح يتجاوز الابعاد السياسية حاملا في جوفه ابعادا اخري تتعلق بالاثنية والقبلية ودماء ابرياء سالت في بداية الحملة الانتخابية تجعل من المستقبل مستقبلا تحيط به المخاطر من كل جانب .