الفقراء في وطني ليس لديهم خيار في إختيار مكان تقديم الخدمات الطبية ، بل تقدم لهم تلك الخدمات في ظروف غير مُرضية وغير مُكتملة وفوق ذلك يدفعون حتى ولو كانت الخدمة حالة طارئة ، علماً بأن المتضرر من تدهور الخدمات الصحية هو ذلك الفقير أولاً وأخيراً ، و أولى الأمر لا يدركون أن ذلك الفقير هو العمود الفقري للإنتاج والنمو والتقدم ، وعدم تقديم خدمات متكاملة لهذه الشريحة والتي تمثل 95% من الشعب السوداني يقود بصورة أو أخرى إلى إضمحلال التنمية وتخلف الدولة وفقرها، وهذه مسئولية سياسة وزارة المالية . وزارة الصحة الإتحادية من إختصاصاتها وضع السياسات والإستراتيجيات في مجال الطب الوقائي والعلاجي والإجتماعي والمهني ، ووضع السياسة الدوائية ، ومراقبة ورصد الأوبئة ومكافحتها ، إضافة إلى الإشراف على الكوادر الطبية شاملة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والفنيين كل في مجال تخصصه . بناءاً عليه فإن وزارة الصحة الإتحادية منوط بها الإشراف الصحي على جميع المواطنين في حدود المليون ميل والعمل على توفير وتقديم خدمات طبية متكاملة ذات مواصفات وجودة عالية ، لخلق العقل السليم في الجسم السليم . السودان اليوم من أسوأ 30 بلداً من ناحية تقديم الخدمات الطبية في العالم ، فإجمالي الإنفاق على الصحة فعليا من إجمالي الدخل القومي هو 0.31% (2007 ) ونصيب الفرد 1وربع دولار سنوياً(2007) ، وهذا أبلغ دليل على أن صحة المواطن السوداني ليست من أولويات الدولة ، وهذه صورة مقلوبة لأن تقدم الشعوب والدول يقاس بمدى ما تقدمه من خدمات طبية متكاملة إضافة إلى مستوى معدل حالات الوفاة والعجز والإذلال والعوز ، وإن عزت الدولة ذلك إلى الصرف على الحرب ، فمع وجود الحرب قبل الإنقاذ ، فإن الخدمات الصحية كانت مضرب المثل وسط العالم العربي والافريقي ، وهذا يعني إننا تدحرجنا إلى الخلف ، والحرب ليست هي السبب، ولكن الآن لاتوجد حرب بل سلام ووئام ومع ذلك ربما كل مرافق الدولة تشكو وتئن من ظلم وزارة المالية . السودان مساحته مليون ميل مربع وسكانه في حدود 40 مليون ولكن التوزيع الديموقرافي للسكان فيه سوء توزيع فالعاصمة وحدها بها حوالي 12مليون مواطن في النهارو8 مليون ليلا وذلك بسبب تركيز كل الخدمات بها إضافة إلى النزاعات المسلحة والجفاف والتصحر وفوق ذلك عدم خلق مدن موازية للخرطوم بها كافة الخدمات ، مما قاد إلى أريفة العاصمة وكثير من عواصمالولايات. هدف النظم الصحية هو تقديم خدمات طبية متكاملة ذات كفاءة عالية لجميع المواطنين وعدم حرمان من يعجزون عن سداد التكاليف ، وأن لا يكون الفقر عائقاً لنيل تلك الخدمة ، ولا الغنى ميزة لنيلها بكل سهولة ويسر ، وأن يشمل ذلك جميع مستويات تقديم الخدمات من المعاون الصحي إلى المستشفى التخصصي العام . تعتمد الخدمات الصحية على مؤسسة مؤهلة من ناحية المباني والكوادر الطبية والمعدات والأجهزة المساعدة إضافة إلى القدرة على إستمرارية تقديم تلك الخدمات بصورة مكتملة بنفس المستوى الذي بدأت به ساعة افتتاحه . وزارة الصحة الاتحادية هي المسئولة أولاً وأخيراً عن أداء النظام الصحي بالصورة المثلى ، وصحة الإنسان في كل الشرائع تعتبر أولوية وطنية لأن الإنسان المعافى هو العمود الفقري لتقدم الدولة ونمائها كما أسلفنا القول، ولكن عندنا في السودان فقد رفعت الدولة يدها عن الخدمات الصحية وصار الشعب يتحمل عجز وزارة المالية في توفير وتحمل تلك المسئولية ، لان وصاية الدولة على الخدمات الصحية هي مربط الفرس وحياة المواطن مرهونة بالنظم الصحية المثلى بدءً من ضمان ولادة طبيعية لأطفال أصحاء وتوفير الرعاية الصحية الأولية ، والسكن الصحي والمأكل والغذاء الجيد ، إضافة إلى توفير العمل للجميع ، وتنتهي بتوفير الرعاية الكريمة للمسنين والعجزة والمعوقين جسدياً وعقلياً وعليه فقد زاد العبء المالي على المواطن جراء المرض وهو أصلاً معدم وفقير . ولكن أن تتحمل وزارة الصحة تلك الأعباء لوحدها فهذا ظلم وجور وعدم عدل، فوزارة الصحة ، وزارة خدمية في المقام الأول بحسب نصوص الدستور والقوانين التي بموجبها أنشئت، وولاية المال العام وتوفيره للخدمات الصحية هي مسئولية وزارة المالية ومؤسساتها المختلفة ، وعندما تعجز وزارة المالية في الإيفاء بإلتزاماتها زمانا ومكانا ورقما ، فماذا تتوقع الدولة من العاملين بغض النظر عن درجاتهم ووظائفهم بما في ذلك الأطباء، علما بأن الطب هو رسالة وليس مهنة للتكسب والعيش ، فالطبيب مواطن لديه مسئوليات أسرية وإجتماعية وقيادية وغيرها، ولكن عندما يواجه بواقع مرير يتمثل في عدم صرف إستحقاقاته كاملة زمانا ومكانا حسب المتعارف عليه ، فماذا تتوقعون منه ؟؟ علما بأن الصرف في أوجه أخرى من إحتفالات وغيرها لاتحده حدود، لماذا؟؟ ألا تعتقدون أن الصرف على الصحة هو من أولويات مسئولية وزارة المالية ؟ إن التوازن في تقديم الخدمات الطبية المتكاملة يعتمد على التخطيط السليم مع بعد النظر وهذه مسئولية وزارة الصحة الاتحادية ، ونعلم أن قيادة وزارة الصحة الحالية قد كرست كل جهدها من أجل التخطيط السليم لخدمات طبية متكاملة زمانا ومكانا وكوادر ، ولكن هل يمكن أن تصفق اليد الواحدة ؟؟ كلا وألف كلا ، تلك اليد تبشر فقط ، وفوق ذلك للأسف تجد من يقف حجر عثرة أمام طموحات قيادة وزارة الصحة الحالية والتي تجاهد من أجل توفير تلك الخدمات لكل مواطن سوداني أينما كان ، بل علينا أن نقف إجلالا وتقديرا وإحتراما لقيادة هذه الوزارة وأن نُقلدها أرفع الأوسمة وهي في حراك دائم من أجل تأهيل جميع المرافق الصحية في الوطن مبانٍ وكوادر ومعدات. نحن قبيلة الأطباء مع الولاية الكاملة لوزارة المالية على المال العام وتوجيه أوجه صرفه وفق أسس معلومة ومعروفة وفق إحسان ترتيب أولويات وأسبقيات يتواثق عليها الجميع في قيادة الخدمة المدنية وفق رؤى سياسية واضحة المعالم لخدمة المواطن والوطن وإستقراره وأمنه ومن أجل التنمية والبناء والعمران ،ولكن أن ينظر للأطباء كلهم جميعا بأنهم يملكون مال قارون من عملهم وممارستهم لرسالتهم في زمنهم الخاص ، ولهذا يكونون هم الحيطة القصيرة في كل الإستقطاعات ، حتى صارت مرتباتهم وإستحقاقاتهم نهاية المطاف ملاليم لاتغني ولا تسمن من جوع ، بل ينظر إليهم المواطن بأنهم هم سبب تدهور الخدمات الطبية في الفترة الأخيرة ، حتى هنالك من يحاسب الطبيب على قصور الإمكانيات في المستشفيات ، ومادروا أن الطبيب داخل السودان ، يملك من المقدرة والخبرة والكفاءة الكثير والذي يبز به أقرانه في كثير من دول المهجر ، ولكن الإمكانيات شحيحة ، وهذه مسئولية وزارة المالية ، لأنها تملك الولاية على المال العام وعلى إحسان ترتيب أولوياته ، ولكن هل تدرك وزارة المالية إحسان ترتيب الأولويات وأن الصحة هي الأولى بالرعاية؟ نعم هكذا تكون الولاية على المال العام، لافرق بين أحمد وحاج أحمد ، القانون المحاسبي وقوانين الصرف على الميزانية بمختلف أسمائها وتوزيعها ، تضبطها تلك اللوائح والنظم, ولكن إن كان قد تم التغاضي عن تلك اللوائح لسنين خلت ، وصار ما يستلمه الطبيب حقا مشروعا مكتسبا نهاية كل شهر، فهل يعقل أن يتم إيقاف تلك المبالغ بجرة قلم دون إخطار مسبق؟؟ هل يعقل ذلك في الوقت الذي كان يتطلع فيه الأطباء لزيادة في رواتبهم؟؟ ثم أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم : آتوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، ومع كل ذلك لانستلم حقنا إلا بعد فترة وفوق ذلك منقوصا ، هل هذا عدل؟؟؟ ولكن مابالكم وتقارير المراجع العام السنوية عام بعد عام تكشف عن المستور وفضائح كان لها أن تعصف بالحكومة وتورد الكثيرين إلى دهاليز السجون ، ولكن غض الطرف من وزارة المالية ، جعل هناك من يسرح ويمرح في المال العام. نعم إيرادات المستشفيات يجب أن تخضع للتوريد للخزينة العامة ، وهذا صحيح مئة المئة، ولكن هل هناك إستثناءات للتوريد من أية جهة كانت ؟؟ لماذا ؟؟ أليس لوائح وقوانين الميزانية واحدة وجميع مؤسسات الدولة تخضع لها بما في ذلك المؤسسات السيادية ؟ نعم وزارة الصحة تقع ضمن تلك السلطات واللوائح ، ولكنها وزارة خدمية في المقام الأول ، وصحة الإنسان هي مربط الفرس للتنمية والبناء والعمران ، هل يمكن لدولة مواطنوها مرضى أن تتقدم وتنمو وتزدهر؟؟ اختصاصي تخدير وإنعاش