تري من صاحب الفكرة في تغيير العمل بأوزان السكر؟ هل هي من بنات أفكار وزارة الصناعة أم من وحي تجار السكر الذين كلما أنبت الزمان قناة ركبوا في القناة سنانا ؟ إن تغيير طريقة بيع السكر بالرطل الى بيعه بالكيلو ينم عن ذكاء «خارق» كما وصفه احد القراء، وبما اننا نشتغل لمصلحة القراء ونرعى مصالحهم، نريد اليوم تسليط الضوء على ( نمل) السكر اقصد الضالعين من البشر في الإتجار بالسكر وهم أرتال من الناس منهم الكبير ومنهم الصغير بيد انهم جميعاً تربطهم رابطة واحدة وتجمع بينهم اواصر تدوير المنفعة فيما بينهم حتى يكون السكر دولة بينهم فقط دون مراعاة لاي شيء آخر. كان الفقراء من اهل السودان وهم اغلبية ساحقة يتوزعون في الولايات والمحليات والمدن والقرى يشترون السكر من المتاجر الصغيرة بأقل اوزان موجودة ومن لم يستطع، يشتري ربع رطل من السكر يقضي به حاجته، وكان سعر السكر الى ايام قلائل جنيها وعشرين قرشاً اي كان الناس يشترون ربع الرطل بثلاثمائة قرش، ولكن وبما اننا نعيش اليوم في عهد الاوباش حيث الفوضي تضرب بأطنابها وترخي ظلالها على كافة مظاهر الحياة في السودان ارتفع سعر السكر فجأة ليصل الى اكثر من جنيهين علاوةً على ان تجار السكر لا يبيعونك إياه بالرطل وإنما بالكيلو لتجد نفسك مضطراً لشراء الكيلو بأكثر من ثلاثة جنيهات وهكذا تتضخم ثروة النمل. ان الحكومة تعلم تماماً ماهية الجهات التي تتلاعب في سلعة السكر وقد زعمت انها ستردع اولئك المتلاعبين ولكن من الواضح ان ارلئك اللاعبين يتمتعون بحماية سحرية بحيث يعمدون كل حين الى رفع سعر سلعة السكر على مرآى ومسمع من الحكومة دون ان يردعهم رادع وبالتالي يحق للجميع اتهام الحكومة بالتواطؤ مع هؤلاء او على الاقل بالتنسيق معهم لتحقيق مكاسب مشتركة دون مراعاة للوضع الاقتصادي المأساوي الذي يعيشه غالبية اهل السودان، نعم ليس من الذكاء الزعم بأن الحكومة تحارب الجشع وفي ذات الوقت يكتشف الناس ان الجشع محمي ومرعي بقوة الدولة بحيث تسلم الدولة حصص المصانع والشركات الحكومية المنتجة للسكر لتجار بعينهم وتلزمهم بسعر معين ثم تتركهم يتصرفون بكامل الحرية في تحديد اوزان وأسعار جديدة للسكر دون فرمان تشريعي او اي قانون منظم . ان عملية تغيير اوزان السكر كان القصد منها قلب الموازين واعلان الحرب على الفقراء فلا يشترون الكميات القليلة من السكر والتلاعب بعد ذلك باسعار السكر باعتبار ان الحكومة وضعت رسماً للرطل ولم تضع رسماً للكيلو وبالتالي يسهل على الضالعين في هذا الامر الدفاع عن سلوكهم هذا بالقول نحن نبيع بالكيلو وليس بالرطل ولا يمكن ان نلتزم باسعار تعبر عن ثقافة قديمة واوزان أقل وربما يدافعون عن انفسهم بالزعم انهم يطبقون الاوصاف والمقاييس العالمية للبيع وهم يعلمون ان المعايير والمقاييس العالمية تغيب عن هذا البلد في كافة المجالات والاطر عوضاً عن السلع الضرورية التي تدخل في صميم احتياجات المواطن اليومية. إن المعايير العالمية بالنسبة لسلعة السكر تؤكد على ضرورة توفيره في الاسواق وضرب مكامن الاحتكار حتى يقل سعره ويصبح في متناول الجميع بأسعار مناسبة، وهذا بداهة لن يحدث في السودان لأن مافيا السكر المسنودة بالسلطة تعودت على تحقيق ارباح مليارية من احتكار السلعة والتلاعب بها من حين لآخر.