السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محركات بحث لمؤشرات وعى مدنى مستقبلي(1-2)

مدخل تأسيس أولى :دعونا اولاً نتفق حول الطبيعة السجالية المفتوحة لهذه المحركات التي سنتناولها في اطار حلقة تحاورية لمؤشرات ثلاث لقياس درجة الوعي المدني من ضمن عوامل اخريات في اي من المجتمعات ، والمقصود تحديداً هنا : الصحافة وقوى ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف اشكالها السياسية والنقابية والطوعية ثم من بعدهما الراي العام .. والهدف ان تتحرك مفاعلة بعد سكون ، نقاط أولية كبرى لنقاش مرسل حول هذه المؤشرات الثلاث ، ليس على النسق الاكاديمي التاريخي الصارم لطبيعة هذه المفهومات من حيث نشاتها التاريخية ومدارسها النظرية بل بالدرجة الاولى من خلال ما تثيره من تحديات معاصرة تواجه الفعل السياسي والاجتماعي الراهن وتطبع مساره العام .. فهذه الثلاثية ( صحافة ، مجتمع مدني ، رأي عام ) تتسم بالتشابك والتلازم العضوي والموضوعي الذي تعرفه دالة المؤشرات التي يستبان على ضوئها مستوى الوعي المدني بعاملي ارتباطهما العضوي والموضوعي .
فهنالك اولاً : ارتباط عضوي بين هذه الفضاءات الثلاث فالصحافة والرأي العام على علاقة عضوية بفضاء مدني والفضاء المدني لا يمكن تصوره من دون رأي عام وصحافة . بحيث تحيل ادوات ومناهج كلا من هذه المفاهيم الى الاخر وترتبط بها ارتباطاً عضوياً لا يُفهم ايا منها إلا بالاستناد الى الاخر : مجتمع مدني حر فاعل مبادر يُنشئ رأي عام وصحافة فاعلة حره مبادره تستند على مقومات قوى هذا المجتمع لتعبر تعبيراً بدوره فاعلاً وحراً ومبادراً عن الرأي العام دون الوقوع في شراك وهمي : البناء الميكانيكي لهذا الرأي العام أو التلقين ( المؤدلج ) التحشيدي له أو ( الإلتفافي ) حول قضاياه . فالدور الأساس هو التعبير الصادق عن مكونات هذا الرأي العام بحياد علمي ومعرفي دون التدخل في سياقاته التاريخية فتلك ليست هي الوظيفة ولا الدور ( فايدلوجيا ) إعادة تشكيل وصياغة الرأي العام ليست من مطلوبات هذه العلاقة العضوية .إنها مهمة مؤسسات التنشئة الإجتماعية في أنظومات : الأسرة والتربية والتعليم بل وحتى داخل المؤسسة الحزبية ، فدور الرأي العام والصحافة والمجتمع المدني المتصل بهذه الوظيفة يبقى مكملاً ليتحدد الدور الاساس لهذه المفهومات الثلاث كآليات وأدوات إستنارة ووعي ، وهذا هو جوهر وظيفتها المعرفية ( أو الرسالية اذا شئتم بتحفظ سنبين أسبابه لاحقاً) ولكن لا باس من إشارة بملمح وجيز يذكرنا أن عهد العقل (الرسالي) إنتهى بختم النبوة التي أعلنت كما لها بإتمام نعمتها التي دشنت عهد العقل ( الحواري ) الذي يحقق مقتضى الإستخلاف الإنساني وينهض باعباء العمران البشري الطبيعي والاجتماعي بكسب نسبي فانٍ يوصله بمعالم الرسالة لمثال مطلق في ازل باقٍ .
وهنالك ثانيا : أرنباط موضوعي بين مجالات هذه الفضاءات الثلاث فقضايا هذه الحقول تكاد تتطابق ومناهجها تكاد تتماثل بحسبان أنها ذات علاقة موضوعية وثقى بالمعارف والعلوم الإنسانية لا يمكن قراءتها التحليلية الامن من خلال مفاهيم ومناهج وأدوات العلوم الإنسانية ، ذلك أنها تتعامل مع نواتج الظاهرات الإنسانية فخارج الفاعلية الإنسانية (أو إذا شئتم الرسالية) : يشمل ويعنى دور الإنسان فى المجتمع والتاريخ كما يحدده الأصل القرأني فى سياقي مجتمع مدني ورأى عام معرفيين (أو رساليين ) تعكسهما صحافة معرفية (أو سالية) وهذه مسألة تثير قضية كبرى ليست موضوع هذا السجال ولكنها تحكي تخلفنا التاريخي عن مواكبة التطور الهائل فى العلوم الإنسانية : نظرية ومنهجاً ومصطلحاً ولرافداتها من آليات وأدوات المجتمع المدنى ، الصحافة ، الرأى العام ...
إشكالات تأسيس محورية : المحركات البحثية لهذه الثلاثية المتلازمة عضوياً وموضوعياً ، تعتريها فى التجربة الحضارية الإنسانية فى الفضاء الإسلامي ثلاث إشكالات اساسية :
إشكال تاريخي ، يُفقدها لعامل التواصل التاريخي بوجهيهه : فتجاربها يعتريها التوثيق التأريخي المنقطع بفعل إفتقادها الى عنصري تراكم الإستمرارية والديمومة اللذان يؤهلاها لإمتلاك سجل متكامل من التجارب التى تصلح لبناء تقييم لايجابها أو سلبها الذى يكفل لها نماء متوازن لاتطاله أيادى التدخل بالايقاف أو المصادرة أو التحريف الذى يُعيد تآويل مكاسبها لصالح رؤيته الخاصة أو إنجازاتها لفائدة الإرث الشخصي لأفراد أو حقبة وقوى إجتماعية وسياسية ما ، أما الوجه الأخر فيتمثل فى غياب عنصر المفاعلة التاريخية بين انساق هذه الثلاثية (صحافة ، رأى عام ، مجتمع مدنى) ومجتمعاتها التاريخية مقارنة بمستوى وحجم الإجابة على تحديات هذا الفضاء منذ دولة الخلافة الراشدة وحتى سقوط الخلافة العثمانية وبروز الظاهرة الإستعمارية فالدولة والمجتمع (الإسلامي ) وأنموذجه الإنساني المعرفى لم يتلاشى أو يضمحل دوره فقط بفعل القوة العسكرية والإقتصادية الخارجية الغاشمة بل بقابلية هذه المجتمعات داخلياً للإستبداد والإستعمار بالمفهوم الثقافى الشامل للمصطلح .
إشكال معرفى ، يتجسد فى الغياب عن تشكيل حقول المعرفة الإنسانية الحضارية التى ساهمت فى بناء انساق هذه الثلاثية التى تم إنتاج وتطوير غالب نظرياتها خارج إطار دورة الفاعلية التاريخية والعلمية العربية الإسلامية على النفوذ الإستراتيجي والمعرفة الإنسانية .
إشكال منهجي ، يتحدد فى أن معظم مناهج ومصطلحات انساق هذه الثلاثية تأسس لمعالجة قضايا عرفتها (دينامية) المجتمعات الغربية بمخزونها النفسي والذهني الإجتماعي واشكال تنظيمها الإقتصادي السياسي وبحراك قواها المدنية الحية بتضابط وظيفى وهيكلي خلاق وبتصالح متوازن ومتدرج مع هذه المناهج والمصطلحات يحولها لمكونات أصيلة لعقلها وشعورها الجمعى ولغتها المشتركة وسلوكها اليومي ، وذلك ما يميز بين الشعوب التى تتعاطي مع المحفوظة النظرية بتماهى لايدرك طبيعة وأثر مدلولاتها على قوله وفعله الابقدر ما يُلقن من تجارب الآخرين أو يُحطم من أبنية وقيم في إنتظار مجهولات مآل قدر مفاجئ وتلك التى تتفاعل مع المصنوعة النظرية بتطبع واعى لأثر وطبيعة مدلولاتها على قوله وفعله بقدر ما يتعلم بإنفتاح تجربته على الأخرين ومستوعب لما تحدثه على بنائها وقيمها لإستشراف مستقبل مرسوم ومتوقع لما احسنت التعامل مع شروط زمانه ومقتضيات مكانه وحال أُناسه .
والإشكالات الثلاث فى الواقع سنجدها كلها مرتبطة بتخلف التفقه السياسي التاريخي الذى فارق أصول الفقه السياسي التوحيدى الذى لم يُصوب أبداً أسئلته حول القضايا التى تهم أنظومات المجتمع بقدر إنشغاله (بالواجب) الإرشادى والوعظى للسلطان السياسي الذي ساهم في إضعاف دور الجماعة والرأي العام لتتعطل أهم مفاعيل سلطة الإجماع الشعبي بآلياتها الإصلاحية الرقابية والتغييرية كمصدر تشريعي أصيل بل وحتى بتعاملها السالب مع ظواهر الإختلاف الإنساني والتعدد المعرفي والتحزّب السياسي بدعاوي الخوف من الفتنة وتعزيز مفهوم الإعتصام الجبري لا الطوعي الحر حول السلطان بالترويج لعدم جواز الخروج على الحاكم أو تعدي سقوف سلطته الفردية الحاكمة . ليضيع نتيجة لذلك أو يضعف التأسيس النظري والعملي لأفكار الحرية السياسية والمساواة والعدالة الإجتماعية والإقتصادية بالتجربة ( الإسلامية ) فتفقد ريادة مستحقة لو تجاوبت مع أصولها السنية والقرأنية بدلاً عن أن تكون صدى باهتاً لدعوات التقدم والتحرر التي جاءت بها الثورات العالمية الكبرى ومواثيق حقوق الإنسان الدولية يتوسل اليها بمشروعية تأصيلية تنقصها أحياناً إستمرارية المثال التاريخي وإضطراب أولويات التفقه الأصولي الذي لم يحول هذه المضامين إلى نظم وقواعد يحتكم إليها وقناعات وسلوك تعبدي يُهتدى ثم يُقتدى بهما ... هذه العوامل مجتمعة لم تساعد على تنامي أنساق ثلاثية الصحافة والرأي العام والمجتمع المدني بصورة مستقلة عن السلطة الإجتماعية والسياسية في ظل تفقه (إسلامي ) سياسي ظل يحيطهما دوماً بالمحارم فهي قواطع حدية بالضرورة وليست مجالات إباحة يُبتلى بها الناس والمجتمعات ليُنظر فى حظوظ كسب أفرادها وجماعاتها إساءة أو إحسان بعبرة فى مسار حياة اولى موصول بجزاء فى ثواب الحياة الأخرة لمن أصدق التّفكر بالعمل وأحسن التدّبر باسباب النهضة وتحاشى الركون للقعود والعطل .
بالطبع هذا لاينفى وجود رمزيات تاريخية ذات دلالات تعبر عن أنساق هذه الثلاثية ولكن بصورة آولية مُتقطعة تتراوح ما بين الإستسلام لعوامل السكون فى معظم مشهدها العام والأخذ بأسباب الحراك في أحيان نادرة بفعل ما اوضحنا من إشكالات وإنماط تفكر وتفقه فى التاريخ الإنساني عامة والإسلامي العربى منه على وجه الخصوص وهذه الرمزيات ليست بالضرورة على نفس الوتيرة المؤسسية التى وصلت اليها الأن هذه الأنساق الثلاث لمؤشرات الوعى المدني التى كانت تمثلها حينها آليات أخرى لقياسه وإستبانه مستوى تأثيره على الواقع بمفاعيل ضوابطة على قيمه وسلطاته ومن ثم تعبيره عن مزاجه الإجتماعي والسياسي : بمؤشرات الثقافه والذاكرة الشعبية فى الأسطورة والمحكيات الشعبية والملاحم الأدبية والمعلقات الشعرية ، ومؤشرات الأنظومات المجتمعية الطوعية التى تؤكد آولويتها ومبادرتها على جهاز الدولة الطارئ على تاريخها بالاسواق كمجال تبادلى حر للمنافع الإقتصادية ومنابر إعلامية للحوار الأدبي والسياسي والتنظيمات والطوائف الحرفية والمهنية والعلمية والمؤسسات الوقفية والتعليمية والجماعات والفرق الفكرية والمذهبية ، فجماع آليات هذه الإنساق كان يمثل حينها المجتمع المدني والرأى العام والصحافة على شاكلة تحاكي تطور وإهتمامات ذلك الزمان وتوافق قيم وأبنية مجتمعاته إنفعالاً بأصل الفكر التوحيدى وما يتاح لها من إمكانات واقعية فى جدل علاقتها بالسلطة السياسية .
ولكن الذى لاشك فيه أن البروز المؤسسى لمصطلحات هذه الانساق الثلاث ثم تدشينه مع عصر النهضة وبروز التيارات الفكرية الإنسانية الكبرى التى قامت على انقاض الأنظمة الإقطاعية والملكية فى التجربة الأوربية وصراعها مع الكنيسة لإنتزاع الحق فى المعرفة وتبديد الإحتكار (الكهنوتى الثيوقراطي) والسياسي (الأرستقراطي) بتحالفهما فى وجه تصاعد القوى الإجتماعية الجديدة ممثلة فى : الرأسمالية والبرجوازية والبروليتارية .... وكلنا يعرف المحطات السياسية التى عرفتها هذه المجتمعات لإنتزاع إحتكار (الإستقراطية) النخوية التى كانت تمتلك سلطة الدين والمال والمعرفة ليتمتع من يحوذ مقوماتها على حقوق المواطنة الحصرية التى تتيح له دون سواه : الحق فى التعبير الإعلامي حريةً بالرأى والكلمة والتفكير ، والحق فى الممارسة السياسية بالترشح والإنتخاب والتصويت ، والحق فى تنظيم المؤسسات السياسية والمدنية ليقتصر الرأى العام على نخبها دون السواد الأعظم من الناس ولتصبح تتنظيمات المجتمع المدنى نادياً خاصاً لهذه النخب وأشكال التعبير الإعلامي منابراً للترويج لمصالح هذه النخب .
ولعلها من هنا قد أرتبطت بعوامل لايمكن تصور قيام أنساق هذه الثلاثية دونها ، وهى تحديداً : الحداثة المؤسسية التى ميزت المجتمعات السائرة بقوة نحو التصنيع ، التنوير العقلاني المتمثل فى التيارات الفكرية الإنسانية التى أعادت الإعتبار للذات الإنسانية العاقلة فى وجه (الميتافيزيقيا) المسيحية الكنسية ، الحرية السياسية والمدنية على إختلاف مدارسها الفكرية . وهذه اللحظة بالذات ترافقت مع الثورات الكبرى التى جاءت بمفاهيمها المختلفة أو المتطابقة لمصطلحات أنساق الصحافة والرأي العام والمجتمع المدني سواء ما بشرت به الثورة الفرنسية أو البريطانية أو الامريكية أو البلشفية بنسختيها الروسية والصينية وذلك فى تناول اى منها لقضايا حقوق الإنسان فى التعبير والتنظيم والتى إنبنت عليها مفاهيم متباينة لتتيح بروز مدارس لأشكال عدة للصحافة والرأى العام والمجتمع المدنى ولاثرها الباقى حتى اليوم وذلك فى تصورها لدورها أو لطبيعة ادواتها ومناهجها أو لعلاقتها بمحيطها الخارجي: دولة وقوى اجتماعية الذى قد يمليه عليها انتمائها وإختياراتها فى إطار المدرسة الليبرالية أو الشمولية أو المختلطة (الإشتراكية الديمقراطية) والتى تطمح الى التأطير العقائدى لمفهومات انساق هذه الثلاثية لتلحق بها بعضاً من المصطلحات القيمية بغايات ما يحمل كلا منها من مشاريع (لأدلجة) الواقع الامر الذى يُفقدها حيادها الايجابي فى عكس قضاياه والتعبير العلمي عن عناصره والانحياز للحقيقة بمفرداتها المجردة لا بمصادرتها بمصطلح أو شعار (تعسفى) قد يُعتم بصيرتها (الفطرية) وينزع عنها صواب رؤية الحل ونفاذ وسيلة المعالجة . ومن إشارات ما يعنية ذلك مثلاً الحديث عن رأى عام ومجتمع مدنى وصحافة (رسالية) سيراها كل فاحص أو مراقب لطبيعة وقائع الاشياء والحوادث حسب منظورة الفكرى ، وهو بالمناسبة وصف ياتى فى سياق رد فعل مضاد على مقولات بعض من مبالغات المدارس السابقات على انساق هذه الثلاثية وهو فوق ذلك يثير شجون كثيرة : فالرسالية مصطلح ايدلوجي مشحون ، وهو يقابل فى التجربة الشمولية الماركسية مصطلحات على شاكلة (الملتزم) و(التقدمي) فى مقابل (الرجعية) و(الظلامية) ... الخ وإن جاز أن تُوصف حركية الأفكار فى بعدها التاريخي اى فى علاقتها بقضايا وقوى زمانها ومكانها المجتمعي بمثل هذه الاوصاف فإنه من الصعب على الفاحص الموضوعي بالنظر أن يُطلق على جماع تشكلات حاصل كل ذلك فى مجتمع مدنى ورأى عام أو صحافة تعبر عنهما بأى من أوصاف هذه الصفات مدني ورأى عام او صحافة تعبر عنهما باى من اوصاف هذه الصفات (التقييمية) طالما أنها تمثل (بامانة) إرادة صانعيها دون تحريف بعوامل إكراه مادي ومعنوى او سطوة سلطوية او انغماس فكروى بعاطفة لاتميز بين فواصل الذات والموضوع ... فالسلوك الفردي الإنساني يمكن أن يُوصف بالأخلاقية أو بعكسها واختياراته الجماعية الإنسانية يمكن ان تُُوصف بالخطأ أو الصواب وحركية الأفكار التى تنتجها قوى مجتمعية ما يمكن أن تُوصف بأنها تدفع بها نحو ماضوية سلفية (رجعية) أو نحو افاق مستقبلية (تقدمية) ولكن عندما يتم تبنيها من قبل الشعوب بآلية الإجتماع التشاركي الديمقراطي بمجتمع مدني ورأى عام وصحافة تعبر عنهما لايمكن ان توصف حينها الا بكونها خيارات سياسية تاريخية بغض النظر عن حسنها او سوءها ،فهي وحدها التي تتحمل عواقبها وتبعات تغيير ما بانفسها حتى يغير الله ما باقوامها .. ذلك ان الاعتماد ( المجاني ) للتوصيف الذي تقود اليه امثال هذه المصطلحات بالانساق الثلاث ستؤدي الى نزعة إستعلائية غير انسانية تفترض قدراً من القوامة الاخلاقية والوصاية الفكرية قد تتوافر فيها أو قد لا تتوافر ، ولكن الذي لا جدال فيه انه لا لا يصلح أن نكسبها فضل ذلك الوصف اذا لم تنهض وفاءاً بمستحق شرطه التثاقفي التسالمي والتدافعى الإنساني تأمراً بالمعروف وتناهياً عن المنكر فالمطلوب اذن تجريدها من هذا البعد الذى لاتستحقه لما يستبطنه من روح إستبداد إملائى ومن بعد اخر متصل به يؤدي بدوره الى نزوع رأسى تلقينى لايعكس الحراك الثقافى الحر الذى هو أصل الفكر القرأني الإنساني بسماته الحوارية التفاعلية والتعليمية المعرفية سنستعيض عن مصطلح الرسالية وما شابهه من ما اوضحنا ما يقابله فى مدارس فكرية اخرى ، بصورة قد لاتثير ربما هذا القدر من الشجون الإشكالية . وذلك بإقتراح مغاير لمفهوم إصطلاحى يحقق مقتضى اكثر علمية يتحدث كبديل لذلك عن معرفية هذه الانساق الثلاث . فهنالك مجتمع مدني معرفي فاعل ومبادر على علاقة برأي عام معرفي فاعل ومبادر وصحافة معرفية فاعلة ومبادرة تستند على مقومات هذا المجتمع لتعبر عن إتجاهاتهما العامة وملامحهما الأساسية بمسئولية وحرية ...
الاشكالات المفاهمية والاجرائية للانساق الثلاث : إن الرأي العام والصحافة والمجتمع المدني على ( رساليتة ) أو حتى معرفيته (المقترحة ) تعتريه على ضوء التحديات المعاصره بدوره اسئلة عميقة في إطار المجتمعات الوطنية ( تحت التأسيس المعرفي ) أو مايسمى ( سياسياًٍ) بدول العالم الثالث أو حتى في إطار الحركات الإجتماعية والسياسية الطامحة للنمو والتغيير في مجاله الجيوسياسي وعلاقته باقليمه وعالمه بما يعكس من أثر على محركات بحث مؤشرات وعيه المتداخله مفاهيمياً وإجرائياً معها بكثافة تحدد ادواراً ووظائف متجددة ومتعاظمة :
فعلى الصعيد المفاهيمي لهذه الانساق ، سنجد اولا : إنها قد أصبحت مفاهيما عالمية في الفضاء المعرفي الإنساني الواحد (المفتوح) الذي يتلاشى وينحسر فيه مفهوم السيادة الوطنية ، فقضايا حقوق الإنسان مثلا أصبحت قضية متعددة الجنسيات وعابرة للحدود لايمكن محاصرتها وطنياً .. ليست هنالك قضية وطنية واخرى عالمية ، وليس هناك رأي عام محلي واخر دولي لاتقوم بينهما مشتركات تبادلية ، وليس هنالك مجتمع مدني وطني غير متصل المصالح والمنافع بمجتمع مدني عالمي ، وهذه الظاهرة بالمناسبة قد يشكل نماءها العادل إتجاه إنساني إصولي (إسلامي) يفتح إحتمال باب مشاركة متكافئة لتحديد المصير البشري افكاراً وقيماً وأنظومات هياكل وقانون . وسنجد ثانياً : أن مفاهيمها أصبحت تتسم بالتسارع المعرفي التقني ، بل أن كثير من تعريفات مصطلحاتها اضحى متجاوزا للتوصيفات الكلاسيكية بما يلقي على القائمين على امورها عبئا ثقيلا للموازنة بين ما تستحدثه من تقنيات وما يجب أن تتوافر لها من إستعداد بمفاهيم وأوعية إجتماعية وأنماط سلوكية راصدة لمستوى إستجابة مُخاطبيها وتشكيله لوعيهم النظري ومواقفهم العملية . أن مفهوم الصحافة مثلا في حاضرنا أصبح متعدياً لتقسيمه التقليدي المقروء والمسموع والمرئي إلى صحافة الكترونية قد تجمع كل هذه العناصر : النص المرئي والمسموع والمقروء بقدراته التواصلية المباشرة لنقل الأحداث بل وصناعتها في أحيان عدة وبإستخدامه المتعدد الأبعاد لتقنيات الإبهار الدرامي بما تضفيه على الأحداث من مؤثرات وجدانية وبالإمكانات التفاعلية للمشاركة الحية في التعليق على الأحداث وإستبيان المواقف منها .. لتؤثر كل هذه العوامل في النهاية على المجتمع المدني والرأي العام وإتجاهاتهما العامة بتعديل أو تعزيز السابق منها أو لصالح رؤية جديدة لاحقة وسنجد ثالثاً : أن هذه المفاهيم ذات علاقة (كونية) وثقى وحساسية (عبر وطنية) مفرطة من محورية مسألة الحرية التى لم يعد ممكناً الإفلات من تسارع إيقاع المطالبة بتحديد الموقف منها كشرط لازم يصعب دونه الإنخراط فى اى من المسارات (الأممية) بل أن أنساق هذه المفاهيم الثلاث قد يتعذر فهمها دون مناخى اللبيرالية السياسية والإقتصادية بتمثلات نظرية قابلة للتكيّف مع اسئلة الحياة الوطنية ، وتطبيقية واقعية قادرة للإجابة عليها بالمعالجة المنهجية ... لأنها تواجه من زاوية اخرى إشكال الحرية والتداول السلمى للسلطة فى أفق أطر أخلاقية وإجتماعية وسياسية مغايرة على غير نسق الدولة الحديثة المُصنعة : فالحدود الأخلاقية الإنسانية للحرية تواجه أزمة تعريف وهامش الحرية السياسية والإقتصادية الذى تتيحه أنظمة الإستبداد الإجتماعى والسياسي تواجه أزمة إنتهاك متواصل لمجاليهما وللحدود المتاحة لموضوعات فعليهما بجدلية ما يُنتزع من مدى مركزي لمفاهيم الحرية والتداول والمؤسسية داخل الأنظمة وحتى الحركات الإجتماعية والسياسية بهذه الدول . سنجد أن هنالك قيوداً تحد من الدور المعرفى لهذه الأنساق الثلاث : فى إطار الأنظمة السياسية بالرقابة الأمنية ترغيباً وترهيباً وبالتعسف (الايدلوجي) فى إستخدام السلطة السياسية تاويلاً نظرياً يخدم مصالح قواها المتنفذة ووصاية ورقابة بمجالس (شكلية) للتضييق على خيارات أنساقها وقوانين جائرة لتحجيم حراك مبادراتها . وفي إطار الحركات السياسية التى لم تحسم بعد الجدال النظري والبرامجي حول أولوية(الحرية، لمؤسسية،التداول).فهنالك أما : قصور معرفى ونظرى فى إستدراك (استراتيجية) أن تتضمنها مشاريعها الحزبية للنضال من اجل حلول وطنية مستدأمة . أو مخاوف تاريخية تعتريها من طبيعة بنائها الذاتي ومحيطها الخارجي تقف دون الإعمال الكامل لهذه المبادئ لما تسحب أنه مُحطم لإرث قيادي كارزيمى وتراتب عائلي . أو مهدد لتماسك داخلى ومكاسب جماهيرية ونخبوية تجد الأمان النفسي (والمصلحى) فى عدم المطالبة بالتغيير والإستجابة لدواعى تحديات وأجندة المستقبل التى تفرضها القيادات والأقلام والاراء الشابة التى تُغيب عن تشكيل ملامح الإنتقال السلسل لمواقع الريادة بهذه الأنساق . أو عوائق هيكلية تمنعها بفعل كل ذلك من ممارسة هذه المفاهيم والادوار التى تتطلبها آليات وأدوات هذه الإنساق حتى النهاية لتعمل بكفاءة وظيفية قصوى ولتنسجم مع طبائعها المتغيرة والمتجددة وتتناغم بنيوياً مع ما تتيحه نظرياتها من إمكانية ملاحقة التحولات الكمية والنوعية التى تشهدها ساحات الصحافة والرأى العام والمجتمع المدني .
وعلى الصعيد الاجرائي لهذه الأنساق سنجد أنها تعترضها مجموعة من الصعوبات لأننا ننطلق فى كثير من تجربتنا الراهنة من أوضاع ما قبل المؤسسية على مستوى الدولة والمجتمعات التى تتعاطي معها فالدولة اولاً : لم تنجز بعد مشروعيتها السياسية التفويضية من جهة ، بعقد إجتماعي وشرعية إنتخابية ما تزال تتنازعها ملكيات وجمهوريات وراثية أو عقائديات إنقلابية أو شكليات إنتخابية سياسية فى الغالب تقوم على (ديمقراطية) الوصاية والحصص بحزب أوحد مهيمن على كل مفاصل الحياة العامة فهو الذى يحدد مجال وموضوع الفعل السياسي بما يملك من أدوات السلطة تلويحاً بترغيب مغانم وإمتياز وتعسفاً بترهيب قامع ومُصادر لمقومات الكرامة والحرمات الإنسانية . والمحصلة تزوير الإرادة الشعبية ليظهر أثره فى صحافة ورأى عام ومجتمع مدنى مُدجن أو مُكبح بتلك القيود والنواتج . وهى من جهة أخرى ، دولة (وطنية) مشوة ناتجة بافراز مباشر أوغير مباشر عن دولة مابعد الظاهرة الإستعمارية التى لا تمتلك مشروعاً وطنياً مستقلاً للتنمية المستدأمة وبالتالي يُخشى أن لا ينشأ عنها إلا صحافة ورأى عام ومجتمع مدنى بأنساق مُستلبة فى إطار علاقات دولية وإقليمية تابعة لإقتصاديات ومجتمعات دول بل وحتى معارف المركز الأوربي . والمجتمعات ثانياً: هى مجتمعات مركبة ومعقدة ، ليس فيها تجانس أثنى إجتماعي تعرف أزمة هوية إجتماعية وأشكال تضامن إجتماعي سائد مازال لايقوم على عوامل الإجتماع الموضوعى بل العضوى بتركيبته الطائفية والقبلية وإنماط العُصبويات القرابية والعرقية والدينية . وعليه فأن اي حديث عن صحافة ورأى عام ومجتمع مدني لايعنى بالضرورة حديثاً عن نفس شاكلة هذه الأنساق فى المجتمعات الأوربية التى نجحت فى تأسيس علاقات واضحة لهذه المسميات فى ظل : فاعلية وظيفية إجتماعية بنظام وظيفي إجتماعي لتوزيع الأدوار . وباستمرارية مؤسسية إجتماعية وسياسية لاتعرف المفاجأة غير المحسوبة بإجماعها الوطني حول الكليات الإنسانية المدنية ، فهى معارك تم إنجازها وحسم نتائجها لتتمتع هذه المجتمعات بأرصدة فوائدها الإقتصادية بل أن هامش الأختلاف الإجتماعي والسياسي وحتى الحزبي الإنتخابي حول اطروحاتها يكاد يكون ضئيلاً جداً . وبنجاحها فى خلق شروط بناء الكتلة التاريخية بقواها الحية ومثقفها العضوى الملتحم بقضاياها ، فهما العاصب الأساس لهذه الإنساق والحافز الرئيسى لمحركاته .
والنتيجة الإجرائية لتجليات ذلك أننا لانجد أنفسنا أمام : صحافة تعبر بصورة واقعية عن حقائق الصراع اليومي بابعادها النضالية الفكرية والمعاشية بل بصحافة مطالبة (بادلجة) هذا الواقع . أو مجتمع مدنى يعبر عن دولة ومجتمع ما بعد المؤسسة متمثلة فى كيانات إجتماعية وقوى حية تربطها المصالح الموضوعية المستقلة حول قضايا كبرى (سياسية ، اجتماعية ، إنسانية ، بيئية) ذات طابع محلى أو دولى بل مجتمع مدنى تتداخل معه أوتتحكم فيه الإشارة الطائفية والقبلية والإثنية وحتى الرمزيات الدينية والسلطوية التى تحد أو تتحكم فى إمكانات التعبير الحر . أو رأى عام يستند على مؤسسات حقيقية يمكن إعمال المناهج العلمية فيه وحساب نسبة التغير وهوامش الخطأ التى يحتملها بل رأى عام عاطفى ومزاجى فى طور تشكل لم يحدد خياراته الأساسية وبالتالى لم يتوحد ربما فهمه لحقائق أساسية تتعلق بإختياراته فى الحياة ، وهذه المسألة بالذات تفرض صعوبات إضافية على قياس هذا الرأى العام ومعرفة عوامل تشكله لغياب تقاليد علمية راسخة ولصعوبات إجرائية (امبيريقية) متعددة تطمح لتلافى هذه العيوب التى تنظر بشك وريبة لكل محاولات الإحاطة العلمية باتجاهات الرأى العام بتصويب المراحل المختلفة لقراءة تأخذ بعين الإعتبار : وضع فاحص عند تحديد العينات الإستطلاعية لتناقض المعلومه الإحصائية وإضطراب منهجها والخشية من ما قد يرافقها من مدلولات سياسية وايضاً لما يعترى بناء العينات السكانية من تقاطعات مفاهيمية وإجرائية شتى لتحديد مصطلحات كالطبقة والفقر والعائلة الممتدة وأوضاع النساء وعلى مانحو ذلك من أمثلة نظراً لغياب الشفافية عن محددات احوالها . ووضع فاحص أيضاً عند تحديد الإستمارة البحثية الإستطلاعية وبسمات تأثرها بعوامل الوعى والتعليم وتطبعها بحالة غياب المفهومات الجامعة التى قد تُلجئها للإستعانة بتقنيات بحثية نفسية عدة وتساؤلات مفتوحة ومحددة مباشرة وغير مباشرة للتأكد من رسوخ وصدقية هذه المفهومات . وهو بذات القدر وضع فاحص لعوامل التحليل الاستطلاعي والتى ليست بالضرورة تنطبق عليها شروط المنهجية العلمية الكلاسيكية لأن (التفرد والخصوصية) التى تعرفها هذه الانساق تستدعى مقاربة لاحوالها بهذه المجتمعات تنادى بتكاملية العوامل وتشابكها السلس بابعادها: النفسية الثقافية والمجتمعية الإقتصادية والسياسية لإحداث التحول التاريخي الشامل خلافاً لمناهج ومفاهيم التحليل الإجتماعي التى تقول باحادية هذه العوامل أو بأولوية أى منها ثقافية كانت أم إقتصادية أو سياسية التى اثبتت محدودية صلاحيتها التاريخية للتوصيف المعمم كما فى (الماركسية والليبرالية الكلاسيكية) لواقع مجتمعي مغاير لنشأة خصوصية هذه العوامل التى لاتكتسب مشروعية (المأسسة) التى خبرتها الدولة المُصنعة عند الإنتقال بها لمناقشة ظاهرات مجتمعات ماقبل الدولة المُصنعة باشكال وعيها ما قبل المدني وترابطها العضوي لاتضامنها الموضوعي الذى يختلط فيه رأسمالها الرمزي بالمادي ونظام طبقاتها الإقتصادية بتراتيبها الإجتماعية وايدلوجيتها السياسية بالدينية وأمثولاتها الثقافية التقليدية والحداثية بمخزوناتها الاسطورية والعرفية ومشروعيتها (الكارزماتية الشخصية) بالعقلانية (المؤسسية) ونظام بنيتها التحتية بعلاقات إنتاجه المشوه ببنيتها الفوقية بقوى انتاجه المستحكمة .. فالرأى العام ليس هو حاصل تجميع (ميكانيكى) لإرادات وليس مفهوماً متعالياً ومجرداً عن التاريخ تُفهم على ضوئه الظواهر ، بل هو مؤشر علمى يتاثر بالحراك الفكري السياسي والإجتماعي والإقتصادي . فهو ليس مذهب ولا عقيدة (دوغمائية ) أو سلاح فى مواجهة الاخر المحلى أو العالمي ....
* كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام و التنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.