بعد أن نجحت الدول العربية في إنشاء منظمتها الإقليمية، استطاعت أن تحول فكرة الجامعة العربية من إطار ذلك التنظيم الإقليمي، الذي يخلو ميثاقه من أي حديث عن الاستعمار ومظاهر وجوده في المنطقة، إلى حركة قومية وحدوية خارج هذا الإطار ترفض الاستعمار وتضع مشروعها الاستقلالي من خلال إمكانيات مصر وزعامة جمال عبد الناصر لثورة 23 يوليو 1952م. وكانت حركتها في هذا الإطار تتجه إلى دائرة التحرك الوطني الأفريقي الآسيوي، وفي هذا الخصوص لم تألُ الجامعة جهداً في سبيل تقوية أواصر التعاون مع الشعوب الأفريقية في فترة الاستعمار، واتخذت عدداً من القرارات، فمن أهم القرارات التي اصدرتها الجامعة في 1953م بخصوص تبني قضية كينيا، وكذلك مشاركة الجامعة في الجهود التي بذلت لعرض قضية الكاميرون، واستنكرت استخدام القوة المسلحة ضد شعبها، كما أكد مجلس الجامعة تضامن الدول العربية مع سائر الدول الأفريقية في بذل المساعي التي تحقق رغبات شعب الكاميرون وتحفظ وحدته. وعندما انعقد مؤتمر «مونروفيا» أصدر قراراته في أغسطس 1959م التي حثت على إعطاء الاستقلال، ووحدة الكاميرون، وتأييد سائر قضايا الحرية، والعدل الدولي، وأصدر مجلس الجامعة قراراً بتأييد قرارات مؤتمر مونروفيا، ودعا إلى التعاون الوثيق بين الدول العربية وسائر الدول الإفريقية. كما دعا مجلس الجامعة إلى أن تقوم الدول العربية الأعضاء في الأممالمتحدة بتأييد قضية الكاميرون ومساندة شعبه في مطالبته بالاستقلال الذي تحقق في يناير 1960م، ومنذ ذلك العام والجامعة العربية توجه اهتماماً خاصاً للعلاقات مع الدول الأفريقية لدعم موقفها في الاحتفاظ باستقلالها، ومساعدة الدول التي لم تنل الاستقلال، ومساندة استقلال البلاد الأفريقية تمشياً مع السياسة العربية في كل ما يتعلق باستقلال الشعوب، وقرر المجلس الموافقة على عدد من القرارات تتمثل فى الترحيب بالدول الأفريقية التي استقلت حديثاً، وتأييدها في جهودها لدعم استقلالها، ودفع الاخطار الأجنبية عنها، والتعاون التام معها في الميادين الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية وغيرها، بالاضافة إلى بذل المزيد من العناية للمنح الدراسية لأبناء القارة الأفريقية، وتبادل المدرسين والخبرات فى شتى المجالات المختلفة. كما كان للجامعة دور فعَّال لتأييد جزر القمر في مطالبها بالانسحاب الفرنسي من «مايون»، كما شجبت التدخل العسكري والعدوان على الدول الأفريقية المجاورة لجنوب أفريقيا. وشاركت جامعة الدول العربية في جميع الحملات التي شنت ضد سياسة التفرقة العنصرية التي تنتهجها جنوب أفريقيا حينذاك، وبدأ الموقف العربي يتطور بعد مذبحة شاربافنيل عام 1960م. ومنذ عام 1967م أقرَّ مجلس الجامعة انضمام الدول العربية الأعضاء إلى الاتفاقية الدولية المتعلقة بالقضاء على التمييز العنصري. وفي عام 1973م انعقد بالجزائر مؤتمر القمة العربي السادس الذي دعا إلى ضرورة قطع جميع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية والاقتصادية والثقافية وغيرها مع جنوب أفريقيا وروديسيا، وتطبيق الحظر التام لتصدير البترول العربي لها. وبتاريخ 26 أبريل 1975م أصدر مجلس جامعة الدول العربية فى اجتماعه العادي رقم «63» الذى عقد بالقاهرة، قرارا اكد فيه من جديد تضامن الدول العربية مع الدول الافريقية من اجل تحرير الاراضى الافريقية من الاستعمار الاستيطانى والتفرقة العنصريه، واعلن المجلس فى قراره دعم قضايا التحرر الافريقية من اجل التحرر الكامل لزيمبابوى ونامبيبا والقضاء التام على الفصل والتميز العنصرى فى جنوب افريقيا، والوجود الصهيونى فى ارض فلسطين. وقرر المجلس اعلان دار السلام الذى اصدرته منظمة الوحدة الافريقية بشأن جنوب افريقيا يعبر بصدق عن موقف الدول العربية، ومن اجل ذلك قرر المجلس الموافقة على كل ما تضمنه هذا الاعلان واعتباره وثيقة من وثائق جامعة الدول العربية. وكان هذا بلا شك خطوة واسعة من خطوات تأكيد التعاون العربي الأفريقي في محاربة التفرقة العنصرية بأشكالها المختلفة، كما قررت الدول العربية الدول الأفريقية في محاولاتها استصدار قرار يوقف عضوية حكومة جنوب أفريقيا في المنظمة العالمية للإرصاد الجوية وتأييد دعوة إقليم ناميبيا بحضور اجتماعات هذه الدورة كمراقب. وتأزم موقف الجامعة العربية تجاه التعاون العربي الأفريقي ومكافحة التمييز العنصري بعد الخلاف بين المجموعة العربية التي كانت تدعو إلى إقالة مصر من اللجنة المشتركة مع إصرار أفريقي على بقائها، وذلك بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، إلا أن الموقف العربي عاد إلى سابق عهده، والاهتمام بالقضايا الأفريقية في الدورة العادية الخامسة والسبعين لمجلس الجامعة بتونس 25/3/1981م. وفي الدورة الطارئة لمجلس الجامعة بتونس 22/7/1981م، أقرَّ بتأييد نضال المواطنين داخل جنوب أفريقيا ضد سياسات التفرقة العنصرية وإدانة العدوان المتكرر لنظام جنوب أفريقيا، وإدانة غزو جنوب أفريقيا لجمهورية أنغولا وتضامن الدول العربية، بالإضافة إلى تأكيد موقف الدول العربية الثابت من عزل ومقاطعة نظام جنوب أفريقيا. واهتمت الجامعة بمسألة تطوير التعاون العربي الأفريقي، وذلك من خلال ما أقرته من بند دائم في جميع المجالس والقمم التي عقدتها الجامعة تحت مسمى «التعاون العربي الأفريقي»، وهذا يدل على مدى الاهتمام الأفريقي وأثره الفعال في توثيق العلاقات بين الدول العربية والأفريقية، فضلاً عما يتم من تعاون من خلال التنسيق بين المنظمتين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، حينذاك. أما في ما يتعلق بالجانب السوداني فقد ركزت الجامعة العربية على اتجاهين أساسيين، أولهما يتعلق بمجريات الأزمة وتفاعلاتها، وثانيها تنموي يتعلق بدفع منظومة العمل العربى المشترك وتنفيذ خطة تسهم في تنمية جنوب السودان والمناطق المتأثرة بالحرب، كما أعلن الأمين العام للجامعة العربية، فى ذلك الوقت، بمواصلة مسيرة السلام للحفاظ على الوحدة السودانية. أما في الصومال فقد قامت الامانة العامة لجامعة الدول العربية بارسال بعثه لتقصي الحقائق هناك من ادارة افريقيا والتعاون العربى الافريقى خلال الفترة من 19 إلى 26 ديسمبر2003م، بزيارة منطقة «صومالى لاند» وأكدت البعثة استعداد الجامعة لدعم التنمية وسد الاحتياجات الاساسية للمنطقة. ومن الواضح أن اهتمام الجامعة العربية بالمشكلات الداخلية فى إحدى الدول العربية والسعى لمحاولة حلها يعتبر تطورا فى مسؤوليتها ويجعلها اكثر ايجابية فى أداء دورها الذي تجمع الأمة العربية على ضرورة تطويره وزيادة فعاليته. ويبقى السؤال الذى يطرح نفسه بقوة على ذوي الشأن السياسي وأصحاب سلطة اتخاذ القرار بخصوص تفعيل دور الجامعة العربية ومضامين العمل المشترك بين أبناء أمة تمتلك مقومات النهوض الحضاري والسياسي كافة، وإيجاد الصيغة المقبولة بين الانظمة العربية لإنجاز طموحات الأمة العربية فى ظل تفتت النظام الدولى الجديد ونظيره الثقافى «العولمة» فى ظل الازمة المالية العالمية التى اجتاحت العالم بأسره وتأثيرها على الدول العربية، والقضايا السياسية المتلاحقة وتخلى الدول عن الالتحاق بركب العولمة والاندماج بهذا النظام لصالح العودة الى التجمعات الاقليمية التى تحفظ للشعوب والأمم هويتها وتراثها وحضورها السياسى من دون أن تلغى الدور التفاعلى لها مع بقية دول العالم وشعوبها. «نواصل» *باحثة المركز العالمى للدراسات الأفريقية