واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    بالفيديو.. شاهد أول ظهور لنجم السوشيال ميديا الراحل جوان الخطيب على مواقع التواصل قبل 10 سنوات.. كان من عشاق الفنان أحمد الصادق وظهر وهو يغني بصوت جميل    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    هل انتهت المسألة الشرقية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    لأهلي في الجزيرة    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية السودان في دارفور حلها في الديمقراطية، التنمية المتوازنة واقامة حكومة انتقالية
بروفيسور آدم الزين لرابطة ابناء دنقلا الكبرى بجدة

القضية هي مشكلة السودان في دارفور، وليست مشكلة دارفور، بهذه العبارة استهل البروف آدم الزين محاضرته القيمة التي نظمتها رابطة ابناء دنقلا الكبرى بجدة في دار جمعية أبناء مشو بجدة مساء الخميس 12/5/2011م معربا عن آماله في أن يجد مشروع الحل الذي يقترحه لمسألة دارفور الطريق الى آذان المسئولين في السودان لتبنيه، أو على الأقل الالتفات اليه بنوع من الجدية، وهذه المحاضرة التي خص بها ابناء دنقلا هي جزء من بحث أكاديمي نال به المحاضر جائزة الباحث الإفريقي المتميز من جامعة آبسالا السويدية عام 2008 وهي المعروفة عامة ب «جائزة كلاود آك. «
البروف آدم الزين متخصص في العلوم الادارية والسياسية. عمل مديرا لمعهد دراسة الادارة العامة والحكم الاتحادي بجامعة الخرطوم وإستاذاً محاضراً لمادة الحكم المحلي ومناهج البحث العلمي بالجامعات السودانية وأمريكا والسويد. كما شغل مناصب إدارية في السودان عامة وفي دارفور خاصة وتدرج في مختلف مناصب الحكم المحلي بها، ومن هنا يكتسب بحثه أهمية خاصة لكونه يستند على المنهج الأكاديمي والخبرات العملية الملائمة في مجال التخصص. .يرى المحاضر أن إحدى مشكلات الحكم في السودان هي الخلل الموجود في توزيع الموارد، وهذا الخلل أدى الى الغبن التنموي وتهميش الأطراف. المشكلة الأخرى تكمن في قرار حل الادارة الأهلية،في دارفور خاصة لأن الاقليم لم يتجاوز حينها مرحلة المجتمع التقليدي الذي لا تناسبه الا الادارة الاهلية، وان حل هذه الادارة الاهلية بها كان خطأ كبيرا.فالمجتمعات العشائرية يناسبها شكل الحكم العشائري، ومتى ما حققت هذه المحتمعات العشائرية الانتقال إلى الحياة الحديثة تذبل الإدارة العشائرية تلقائيا مثلما حصل في دنقلا والمراكز الحضرية الأخرى.
وعلى الرغم من ضيق الحيز الزمني للمحاضر، الا أنه استطاع أن يركز حديثه في المحاور التالية: موجز الرؤية للصراع في دارفور،المجتمع الدولي وصنع السلام، مقترح الحكومة الانتقالية ومهامها، ومتطلبات نجاح المقترح. استهل حديثه بالقول ان الرؤية السائدة لأزمة دارفور تتمثل في القول بأن النزاع المسلح في هذا الاقليم بدأ في العام 2003م بين حكومة السودان من جانب وبعض أبناء الإقليم من ذوي الأصول الأفريقية من جانب آخر (يعتبر الغرب الصراع على أنه بين الزرقة والعرب) بسب الإهمال من المركز لإقليمهم في السلطة والثروة. هذه الرؤية تتصدر كتابات أغلب الذين تناولوا مسألة دارفور وخاصة كتابات الغربيين ومن تصدوا لوضع الحلول لهذه الأزمة، وتبعاً لذلك نجد أن المنهجية المتبعة لإنهاء الأزمة ، بحسب موروث الثقافة الغربية ، تتمثل في جمع الفرقاء (حكومة السودان وحملة السلاح ضدها) ليتحاوروا فيما بينهم ويصلوا إلى إزالة مسببات الاقتتال. والآلية المتبعة من قبلهم في هذا الصدد هي الترغيب بازالة اسم السودان من قائمة الارهاب واعفاء الديون وبقية المغريات، أو الترهيب بعصا المحكمة الدولية ومجلس الأمن. وبالنسبة لقادة الحركات كان الاغراء هو منح الوظائف القيادية والعقاب هو التقديم للمحاكمة الدولية. الرؤية التي يتبناها البروف آدم الزين تتمثل في القول بأن ثلاثة انواع من الصراع تسير جنبا الي جنب وليس صراعا واحدا. الاعتراف بأن الصراع الذي تسبب فيه حرمان الإقليم من نصيبه العادل من السلطة والثروة القومية هو بدون شك أهم وأخطر أنواع الصراع الدموي في الإقليم؛ وأن تجاوز هذا الصراع يتمثل في إعطاء الإقليم نصيبه العادل من السلطة والثروة. ولكن رؤية المحاضر أنه بالاضافة الى الصراع حول السلطة والثروة هنالك نوعان آخران من الصراع لا يقلان أهمية عنه . ويضيف أن التدابير التي تتخذ الآن لإزالة صراع السلطة والثروة لا تقود بالضرورة إلى معالجة النوعين الآخرين وهما : الصراع حول الموارد الطبيعية والصراع حول كراسي السلطة. في صراع الموارد الطبيعية هناك اقتتال دموي بين الراعي والراعي ، وبين المزارع والمزارع وبين الراعي والمزارع، وهو الغالب . أطراف هذا الصراع لا يعنيهم مباشرة الجدل حول كيفية قسمة السلطة والثروة القومية في السودان. بل هناك تدابير أخرى في التصدي لصراع الموارد تتمثل في الحل المرحلي له ثم الحل الاستراتيجي، أما الحل المرحلي فهو يستند إلى الرجوع إلى تراث الإقليم في المصالحات البينية وإيقاف الاقتتال ريثما يتبدل الحال بالحل الاستراتيجي الذي ينقل الإقليم من مرحلة الاقتصاد المعيشي الإقتتالي إلى مرحلة الاقتصاد الحديث (اقتصاد السوق) الذي يجد الجميع فيه سبل كسب العيش دون الحاجة إلى الاقتتال . أما الصراع الثالث والذي لا يقل أهمية عن الصراعين ألآخرين فهو صراع أبناء الإقليم حول كراسي السلطة، وهو جوهر العمل السياسي في كل إنحاء العالم. المجتمعات الغربية تجاوزت الاحتراب حول كراسي السلطة بالاحتكام إلى التفويض الشعبي، أي اتخاذ الديمقراطية منهجاً للحكم وقبول مبدأ التبادل السلمي للسلطة (وللسودان تقاليد راسخة في الديمقراطية، رأينا كيف كانت الانتخابات تجرى في أجواء آمنة يقبل فيها الجميع بنتيجة الانتخابات أيا كانت) . وعلى النقيض من ذلك فأن اتفاقية سلام دارفور التي ركزت على فض النزاع بين الإقليم والمركز زادت صراع الكراسي تعقيداً بفتح الشهية له وإطلاق العنان للصراع البيني لأبناء الإقليم.
الرؤية المطروحة هنا تختلف عن الرؤية السائدة في الفكرة والمنهج. من حيث الفكرة فهي ترى ثلاثة أنواع من الصراع تسير جنباً إلى جنب وليس صراعاً واحداً. أما من حيث المنهج فهو القول أن لكل واحد من تلك الصراعات تدابير مختلفة عن بعضها البعض يتعين أن تتخذ لإنهاء الصراع. العلاج الجذري لصراع الموارد الطبيعية مثلاً هو التنمية الهادفة إلى تحويل الاقتصاد التقليدي ألاحترابي إلى الاقتصاد الحديث التكاملي؛ الذي يجعل سبل كسب العيش متنوعة ومتكاملة لا متنافرة (تحدث المحاضر في هذه النقطة باسهاب وضرب مثلا لذلك بقبيلة الماساي بكينيا وكيفية تحويلهم الى الاقتصاد الحديث، وذكر بأنه تقدم بمقترح الى حكومة السودان للوقوف على تجربة المزارع الرعوية الصغيرة، التي تجمع الزراعة مع الرعي في رقعة ارضية واحدة. وأشار الى واقع القبائل الرعوية في دارفور التي يتملك الفرد فيها آلاف الرؤوس من الأبقار كمظهر اجتماعي دون ان تكون لتلك الثروة أثر في الاقتصاد المحلي، ويجب نشر الوعي بين الرعاة لاقناعهم بانه بدلا عن تلك الأعداد الكبيرة يمكن تحسين نوع المواشي بما يؤدي الى زيادة انتاجها وتقليل عددها وبالتالي الحد من أسباب الصراع حول المراعي والأراضي الزراعية. أما صراع قسمة السلطة والثروة بين المركز والإقليم فإن المحاضر يرى أن مبدأ التمييز الإيجابي للإقليم في المجالين المالي والإداري جدير بالاعتبار والاستمساك به. ما يؤخذ على اتفاقية سلام دارفور هو إقرار مبدأ التعيين في الفترة الانتقالية بديلاً للتفويض الشعبي لمن يتولون تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. هذا المبدأ اختزل قضية دارفور برمتها في صراع كراسي بين أبناء الإقليم. وهو المسئول بدرجة كبيرة عن ظاهرة التشظي في الحركات المسلحة وظاهرة التنافر والتباغض بين شاغلي المناصب القيادية باسم الإقليم في الفترة الحالية. ومن الممكن تجاوز هذا الاحتراب الدموي بالاحتكام إلى التفويض الشعبي في الحكم؛ أي الانتقال إلى الديمقراطية التعددية. خلاصة القول أن الجهود المحلية والدولية لم تستطع حتى الآن إزالة أي واحد من أنواع الصراع الثلاثة في دارفور. ونتج عن ذلك أن شاعت حالة من الانفلات والفوضى العارمة التي يستبيح فيها الناس دماء وأعراض وممتلكات الآخرين. وهذا يقودنا إلى النظر في إمكانية الاستفادة من تجارب الإقليم السابقة في التصدي إلى حالة الانفلات الأمني الراهنة عن طريق اشراك اهل الاقليم في الحل في ضوء تجاربهم السابقة. إن الواقع الراهن في دارفور يتمحور في الآتي:
- يغلب الإحساس بأن جهاز الدولة غير معني بحماية أموال وأرواح (كل) المواطنين. على النقيض من ذلك يرى الكثيرون أن الدولة قسمت مواطنيها في دارفور إلى مجموعات من شيعتها وأخرى من عدوها. ونصرت شيعتها على عدوها. قد لا تكون هذه هي السياسة المعلنة للدولة. ولكن هذا هو الانطباع السائد وسط المواطنين في الإقليم، وهؤلاء الذين نصرتهم هم من العرب النازحين من تشاد ودول أخري من غرب إفريقيا اثر موجة الجفاف الذى ضرب هذه الدول. أتي رعاياها واستقروا في حيازات الفور والمساليت الذين فروا الى معسكرات النازحين.
- لا ينفرد جهاز الدولة بالقدرة الكافية لإنهاء التمرد أو الانفلات الأمني عسكرياً، إذ أن العناصر الأخرى يتوافر لها العتاد والسلاح. فليس هناك ما يشير إلى أن المعارضة المسلحة سوف تستسلم للسلطة المركزية في المستقبل المنظور.
- جهاز الإدارة العشائرية (المعروف بالادارة الأهلية) ما عاد الجهاز المنوط به حفظ الأمن والنظام داخل العشيرة وبينها والعشائر الأخرى. لقد أصبح رجال الإدارة العشائرية أشبه بالأذرع المحلية للمركز، معنيين بتنفيذ السياسات المركزية أكثر من الانشغال بالسلام الاجتماعي القبلي، ومما يزيد الأمر تعقيدا أن قيادات بعض المجموعات التي تم تعيينها ليست لديها التأثير المطلوب على الأفراد بعكس قيادات الادارة الأهلية الذين يعتبرون رموزا لقبائلهم وعشائرهم.
- ازداد أمر الانفلات الأمني تعقيداً في الإقليم بدخول المجتمع الإقليمي والدولي في الشأن السوداني في دارفور.لاشك أن للأسرة الدولية دورها المقدر في إسعاف حياة الملايين ممن تأثروا بالحرب ولا زال هذا الدور حيوياً؛ إلا أن دورها في صنع السلام لم يحالفه التوفيق حتى الآن؛ لمجموعة من العوامل أهمها: قصور تصورها للمشكلة، وقصور منهجية حل المشكلة المبنى على التصور القاصر. في خاتمة المطاف فإن اتفاقية سلام دارفور التي أشرفت عليها الأسرة الدولية، والدول ذات الفاعلية، لم تحقق السلام المنشود. على النقيض من ذلك فإن قرار مكافأة المقاتلين بتعيينهم في مناصب قيادية في الفترة الانتقالية حول الصراع الى ما يشبه الصراع حول الكراسي . ولا يبدو للعيان أن كل المعنيين ببناء السلام في الإقليم، محليين وعالميين، تتوحد رؤيتهم أو تتكامل جهودهم لتحقيق بناء السلام. ذكر المحاضر بأنه قابل ممثل الأمم المتحدة في الوساطة الثنائية لحل مشكلة دارفور السيد/ إيان اليسون، الذي اشتكى له مر الشكوى من كل الفرقاء ذوي الصلة بشأن الأزمة؛ اشتكى من حكومة السودان، ومن حملة السلاح، دول الجوار، مجلس الأمن، الاتحاد الإفريقي، الدول ذات الاهتمام والفاعلية الخ. بالمقابل فإن غالبية هؤلاء الفرقاء ما كانوا راضين عن أداء الوسيطين أليسون، ممثل الأمم المتحدة، وسالم احمد سالم، ممثل الاتحاد الإفريقي.
- إذا ما بقيت الأوضاع على ما هي عليه الآن، فإن صورة مستقبل الإقليم تبدو الآن أكثر قتامة مما كانت عليه، وكل الاحتمالات واردة لبدائل تؤذي ولا تفيد، منها: أن يتحول الإقليم إلى صومال آخر يتقاسم الحكم فيه أمراء الحرب، او أن يتمكن بعض الأطراف المتصارعة (الحكومة أو حملة السلاح) من حسم المعركة عسكرياً وفرض حكم الإكراه على الجميع. أو أن يتدخل المجتمع الدولي بذريعة حماية المتأثرين بالحرب ويفرض نوع الحكم الذي يريده هو في الإقليم. وكل هذه الخيارات غير مقبولة للحادبين على مصلحة الإقليم أو مصلحة السودان الموحد. ولكن يبدو في نهاية النفق بصيص أمل تحمله ما يطلق عليه هذه الأيام المبادرة القطرية؛ وذلك للمكانة التي تتمتع بها قطر في نفوس أهل السودان ولوزنها الدولي الذي يمكنها من تحريك ملف دارفور. مع أنه ليس من الواضح كيف تخرج المبادرة من النفق الضيق الذي سيدخلها فيه الإعلام الدولي الذي يرى أن ما يجري في دارفور هو حرب بين حكومة السودان وأفارقة في غرب البلاد بسبب الظلم في قسمة السلطة والثروة؛ وأن المخرج من النفق يتمثل في لقاءات التفاوض بين المتحاربين. اعتقد أن قطر سوف تقدم خدمة جليلة لأهل السودان عامة لو أنها استثمرت رصيدها الدولي والمحلي في تبني فكرة الحكومة الانتقالية المحايدة التي سوف تتصدى لأنواع الصراع الثلاثة في آن واحد، بدل الانشغال بالصراع بين الحكومة وحملة السلاح الذي لا يقدم إلا حلاً جزئياً للمشكلة المعقدة. ضبابية الرؤية العالمية لحل مشكلة السودان في دارفور هي التي قادت إلى تقديم الطرح البديل الذي تناقشه هذه الرؤية وأهم عناصره إقامة الحكومة الانتقالية بالكيفية الواردة في المقترح.
يتمثل مقترح الحكومة الانتقالية في إنشاء حكومة انتقالية في دارفور تتكون من شخصيات قومية مشهود لها بالكفاءة والكفاية والاستقامة والحياد عن الاستقطاب السياسي والقبلي. ذكر المحاضر بأنه يمكن أن يسهم بتسمية من تنطبق عليهم هذه المواصفات إذا طلب منه ذلك. هذه الحكومة هي انتقالية مهمتها انجاز واجب محدد وتسليم الأمانة إلى من يفوضه الشعب في دارفور ليحكم. وأعضاؤها لا يتنافسون مع الآخرين لنيل التفويض الشعبي فيما بعد. مجرد إقامة مثل هذه الحكومة يساعد على إزالة التوتر وإتاحة فرص السلام الاجتماعي. بقيام هذه الحكومة سيتحول جهد الراغبين في السلطة إلى الاستعداد للانتخابات التي تعقب الفترة الانتقالية لإيجاد حكومة التفويض الشعبي. وهي الخطوة التي تحقق المصداقية لنصوص التحول الديمقراطي الذي تم الالتزام به في بروتوكولات نيفاشا وعضدته اتفاقية دارفور للسلام. ولا يقل أهمية عن هذا المكسب أن وجود هذه الحكومة هو الذي يساعد على إشاعة روح السلام الاجتماعي بديلاً لشيوع ثقافة الاحتراب كما سيكون بمقدور هذه الحكومة تمكين أهل الإقليم من الرجوع إلى تراثهم في التعايش السلمي وفض النزاع. علاوة على ذلك فان ايجاد مثل هذه الحكومة يساعد على دحض شائعتين عالقتين بالأذهان. أولاهما أن أهل دارفور يهدفون إلى فصله عن بقية أجزاء السودان. وثانيتهما أنهم لا يرضون أن يتولى أمرهم غير ابن الإقليم. المطلب الأول لا يمكن أن ينادي به ذو بصيرة ولم أر من ينادي به من أبناء دارفور الا مجموعة قليلة من حاملى السلاح، فأبناء دارفور سودانيون ولا يرضون الا بسودان واحد موحد، وان قضيتهم مختلفة تماما عن مسألة جنوب السودان. أما المقولة الثانية فإن تاريخ الإقليم يثبت رضاء أهله بولاية أبناء السودان من مختلف الأقاليم، مثلما صار العديد من أبناء الإقليم متنفذين في أقاليم السودان الأخرى، مثل المحاضر لذلك في مستهل محاضرته بتولى القاضي ادريس القضاء في عهد السلطان على دينار. وأخيرا وأهم من كل ما تقدم فان الحكومة الانتقالية بالمواصفات آنفة الذكر تتاح لها الفرصة لتحقيق العدل للجميع وحماية أموال وأرواح الجميع مما يجعل الجميع فاعلين في سيادة السلام الاجتماعي. سوف يكون الهدف الرئيس لإقامة الحكومة الانتقالية في دارفور العمل على نقل الإقليم من حالة الانفلات الامنى السائدة الآن إلى حالة السلام الاجتماعي؛ ليس عن طريق القهر والإكراه، وإنما باتخاذ تدابير من شانها تغيير بيئة الاحتراب إلى بيئة التعايش السلمي. ضربة البداية لهذا التغيير تكمن في إعلام مكثف عن رغبة حكومة السودان في دارفور في الانتقال من الاحتراب إلى السلام. وسوف يكون في صدارة واجبات الحكومة الانتقالية مايلى:الإشراف على المصالحات البينية لكل المجموعات المتحاربة أو المتحفزة للاحتراب. وهى تستعين في ذلك بتراث الإقليم في فض النزاع واحتوائه بعد أن تعيد جهاز الإدارة الأهلية إلى مهمته الأساسية في حفظ الأمن والنظام داخل العشيرة وبينها والعشائر الأخرى. ولكن هذه المصالحات هي بمثابة تسكين مؤقت لظاهرة الاقتتال القبلي وليست إنهاء له فهو لن يتوقف إلا بمعالجة جذوره المتمثلة في تحويل الاقتصاد المعيشي التنافسي حول الموارد الطبيعية إلى اقتصاد حديث تتسع سبل كسب العيش فيه للجميع لأنها تتكامل ولا تتقاطع. بطبيعة الحال فان الحكومة الانتقالية لايتسع لها المجال الزمني لتحويل الاقتصاد المعيشي في الإقليم إلى الاقتصاد الحديث ؛ هي ستكلف فقط للتخطيط لهذا التحول في الاقتصاد والتنمية على أن تتولى الحكومة المنتخبة ديمقراطيا تنفيذه، هي ستضع خارطة اقتصادية تنموية وهذه الخارطة هي التي سوف يتفق عليها ويباركها جميع أهل الإقليم لأنها تقتضى الوصول إلى اتفاق حول حيازة الأرض واستخداماتها عندما تتقاطع المصلحة العامة في تخصيص الأرض مع المصالح الفردية أو القبلية المتصلة بمفهوم دار القبيلة .من مهام الحكومة الانتقالية تهيئة الإقليم للتحول الديمقراطي بتمكين كل الراغبين في الحصول على التفويض الشعبي من تحقيق تلك الرغبة دون موالاة من الحكومة لطرفٍ أو آخر، تمكين حملة السلاح من «توفيق أوضاعهم» بالتحول من حركات مسلحة إلى حركات أو أحزاب سياسية، تسعى لكسب التفويض الشعبي في الانتخابات. كما أن الفرصة تتاح للراغبين منهم في الانضمام إلى المهن التي تناسبهم في القطاع العام والخاص. كل ذلك لا يتم إلا بتبني الأسرة الدولية لهذا المقترح وأنفاقها المال فيه بدلاً من إنفاقه في مؤتمرات صلح فوقية لا تحقق الصلح على الأرض، الإعداد والإشراف على الحوار الدافوري ? الدارفورى الذي يكون من أهم أجندته التواثق على اعتبار التفويض الشعبي (عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة) هو خيار الحكم الذي لاخيار غيره. ومن أجندته الهامة كذلك حل مشكلة حيازة الأرض واستخدام مواردها وربط ذلك بالخارطة الاستثمارية التي تنقل الإقليم من نمط الاقتصاد المعيشي الاحترابى إلى نمط الاقتصاد الحديث الذي تتسع فيه سبل كسب العيش للجميع فيعيشون في تكامل وسلام. ومن أجندة لقاءات الحوار الدارفوري- الدارفوري كذلك الاتفاق على شكل الوحدات الإدارية التي تناسب الإقليم (إقليم واحد بلا ولايات ، ولايات لايجمعها إقليم ، إقليم واحد بداخله ولايات .. الخ
لانجاح هذا المقترح لا بد من الأخذ بلامركزية حقيقية وتحول ديمقراطي حقيقي. هذا هو المتطلب الأول لتفعيل المقترح. المتطلب الثاني هو إجماع الفرقاء المعنيين بأزمة دارفور على أن مقترح الحكومة الانتقالية جدير بالاعتبار، مقارنة بالبدائل الأخرى التي لا تخلو من اللجوء إلى العنف والإكراه وسفك الدماء. ونكرر المناشدة أن يعطى الأخوة المبادرون القطريون الأولوية لمثل هذا المخرج من أزمة دارفور بدل السير في درب الحلول الفوقية من الأسرة الدولية ومحاولات جمع الشتات الذي ينتهي بتوزيع المناصب على المتناحرين. ما ندعو إليه هو الأخذ بأسباب العدالة التقليدية، المفهومة لأهل دارفور. المتطلب الثالث لنجاح المقترح هو تعاون الجميع مع حكومة الفترة الانتقالية. الدعم الأساس لها يأتي من الحكومة المركزية التي تتيح لحكومة الفترة الانتقالية مايلي: أولا: لامركزية المال ولامركزية القرار فلا تتحول حكومة الفترة الانتقالية إلى موظف لدى حكومة المركز تحركها من على البعد بالمركزية المالية والادارية. ثانيا: غني عن القول أن تنفيذ المقترح يتوقف على قيام المركز بمجموعة من القرارات السيادية الكبرى في مقدمتها تشكيل الحكومة الانتقالية نفسها ومنحها فرصة النجاح بمجموعة من التدابير من بينها : بدء مرحلة السلام الاجتماعي في الإقليم. حصر دور الإدارة العشائرية في حفظ الأمن والنظام داخل العشيرة الواحدة وبينها وبين العشائر الاخرى.على المجتمع الدولي أن يتحمل مسئولية توفيق أوضاع الحركات المسلحة ليتحولوا إلى حركات سياسية أو أحزاب سياسية ولا يضاروا بهذا التحول. عليه إقناع الحكومة السودانية بأن مصلحتها تكمن في خيار التحول الديمقراطي الحقيقي وليس المظهري الذي يديم الأزمة ويقود إلى المزيد من سفك الدماء. والمساعدة في التحول من محطة «من الذي يحكم الإقليم» إلى محطة «كيف يحكم الإقليم». هذا التحول يستصحب التطبيق الفعلي لما تعنيه لامركزية المال ولامركزية القرار الادارى والسياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.