التسوي بي إيدك يغلب أجاويدك (مثل سوداني) (1) بتاريخ السبت 25 يوليو 2009 كانت الملاحظات بعنوان: السيادة المشروخة والوصاية الدولية الماثلة.. ومثل المقال بعداً صارخاً لرفض وجود القوات الاممية في بلادنا.. لانها وان كانت على رضا فانه لا يخرج عن القسر كما انها تكسر سيادتنا وتطيح بإرادتنا والذي يقرأ تاريخ الامم والشعوب الحديث والمعاصر فانه يستطيع ان يستنتج - وفي يسر - امكان تفكيكها وازالتها سواء باستراتيجيات مدروسة أو بأسباب موضوعية متعلقة بصراعات تلك الدولة وتداعياتها المحلية والاقليمية والدولية (الاتحاد السوفيتي - يوغسلافيا - ولم يكن (السودان) بعيداً عن دوامات حربه الاهلية وأزماته المتتابعة السياسية والاقتصادية وما أدت إليه من زلزلة كثير من المسلمات والقناعات لدرجة الوقوع في براثن الوصاية باسم الشرعية الدولية. وهي أخطاء فتاكة، أدت لانفصال الجنوب ونواجه باسمها الآن قلقلة بؤر جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان وأبيي ودمدمات دارفور.. وبعض مقدمات أزيز الشرق.. براثن الوصاية الدولية يؤكدها المفكر الفرنسي المسلم روجيه جارودي في كتابه «حفارو القبور - طبعة 3 دار الشروق - القاهرة 2002» ، سجلت حرب الخليج من عام 1992 اكتمال العمل الذي بدأ في عام 1942 وهو انقسام العالم إلى نصفين.. وقد كشف تدمير العراق في ذات العام عن حرب من نوع جديد.. حرب ليست قائمة على استعمال دول غربية متنافسة مثلما كان يحدث بين انجلترا وفرنسا.. ولكن على «استعمار جماعي» متعدد الجنسيات متألف تحت سيطرة الاقوى: الولاياتالمتحدة، انها حرب تقوم على تحالف بين قوى الاستعمار القديم (دون استثناء) ومعهم عملاؤهم المجندون في مواقع القرار «... وكرست هذه الحرب - وفق استراتيجية معلومة لنموذج الهيمنة الغربية الحديثة.. وكانت انذاراً لكل دول العالم الثالث بان النظام العالمي الحالي جعل من خُمس سكان الارض يتحكمون في أربع أخماس ثروات كوكب الأرض بما فيها النفط عصب الحضارة.. ويؤدي هذا النظام إلى موت 60 مليون انسان سنوياً بسبب الجوع وسوء التغذية كما انه يكبد جنوب الكرة الارضية ما يقارب ضحايا هيروشيما يومياً! (2) صراع السودان الدامي من خلال أخطاء ادارة الأزمة اوقعت حكومته وبالتالي كل الوطن في شبكة الحكومة العالمية التي تنظر إلى مصالحها الاستراتيجية تحت مسمى النظام الدولي وتجد من الاسباب ما يبرر التدخل الاقتصادي والعسكري وهي اسباب تتجاوز في ٌأغلبها الواقع أو كلمة حق اريد بها باطل بهدف تمرير اجندتها، وباسم كل ذلك انتهلت ارادات كثير من الشعوب وازلت سيادتها وارتكبت كثيرا من الجرائم وكانت مصطلحات مثل تهديد السلم والامن الدوليين مدخلاً لذلك وهي مما اوردت وثيقة انشاء منظمة الاممالمتحدة وقانون مجلس الامن، ويؤكد الواقع التاريخي والسياسي ان «القوة المهيمنة» ظلت وبعد انهاء الحرب العالمية الثانية تؤكد على وجودها بنص ميثاق سان فرانسسكو سواء في العضوية الدائمة في مجلس الأمن أو في استعمال حق الفيتو وهو ما طال فيما بعد كثيرا من المنظمات الفرعية وهي التي شكلت فيما بعد اخطبوطاً شرساً يخضع تماماً لاستراتيجيات القوة الكبرى، وعلى الرغم من احترام للاطار النظري لفكرة المنظمة الدولية النبيلة إلى ان واقع الحال والممارسة قد احالها إلى احدى منظومات الحكومة العالمية التي تريد أن تسيطر على الدول والشعوب بمسميات انتهاك حقوق الانسان والتعدد الديمقراطي والارهاب.. ولم يكن صدفة ابداً ان ردد الثوار في البلاد العربية: لا، لا، للتدخل الاممي. وصورة العراق مازالت ماثلة وصورة افغانستان مازالت ماثلة، ولقد ظل الفصل السابع في قانون مجلس الامن مرناً - يتسع - وفي كل الاحوال لمنافع ومصلحة النظام الدولي (وبغير حق في الغالب). وقد لعبت (المصطلحات) دورها تماماً في تمويه القصد المحوري وقد اجاد بعد ذلك التمويه عدد كبير من (العاملين) في تلك المنظمة فبرروا.. وأطروا.. ولقد اوضحت اعترافات كثير من (العملاء) ان «التنمية والتخلف» مما تحارب القوة المهيمنة لم تكن غير ثراء السماسرة والحكام مما أوضحه كتاب الامريكي JHON PERKINS الموسوم CONFESION OF AN ECONOMIC HITMAN: THE SECRET OF AN AMERICAN EMPIRE ولقد اضاف الاستاذ جارودي في كتابه ص19: ان خمسة قرون من النهب الاقتصادي والثقافي والرعب العسكري شكلت الارهاب الحقيقي والجريمة الاكبر في تاريخ البشرية. ويستشهد جارودي بما أورده السفير البريطاني الذي اقام وقتها في مورشير اباد 1769 «ان هذا البلد الجميل الذي كان مزدهراً في ظل اكثر الحكومات استبداداً وتعسفاً.. أصبح على شفا الخراب منذ ان اشترك الانجليز في ادارته». وفي هذا السياق فان ملاحظات محورية تبدو جديرة بالاثبات: ٭ ان ثورات الشعوب - في العالم الثالث ضد الاستعمار - في أي شكل من الاشكال تمثل حقاً مشروعاً باسم السيادة والهوية. ٭ ان القوى الدولية مازالت تنظر إلى شعوب العالم الثالث باعتبارها شعوباً متخلفة تحتاج إلى وصايتها.. وهي تهب باسم كل ذلك حاجاتها الاستراتيجية من الوارد والواقع. ٭ تمارس القوى المهيمنة باتجاه دول العالم الثالث دور المعلم باتجاه الخلاص السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. عسكرياً وثقافياً واقتصادياً (التدخل العسكري - العولمة - الخ (3) هاجرت قضايا الوطن ومشكلاته بسبب القصور الفكري والاحتكار السياسي إلى خارجه وتفنن النظام الدولي في توزيع تلك الهموم السياسية والاقتصادية إلى عواصم العالم الغربي (لاهاي - بروكسل - نيويورك - اوسلو - روما - لندن - باريس) ولم تخل المؤشرات من اضعاف او اختراق او تحييد سواء للاتحاد الافريقي او لجامعة الدول العربية. فكان الحصار نموذجياً وكان الفخ قياسياً وكان الوضع اعلاناً صريحاً بافلاسنا السياسي والفكري وتراجعنا عن صناعة واتخاذ القرار (معارضة وسلطة)، وتراجعت الجامعات للأسف الشديد.. لتصدر أنينها.. مبتعدة عن الرأي خوفاً وهلعاً وكان طبيعياً جداً أن يظهر (دون كيشوت) كما صورة الكاتب الاسباني سرفانتاس (1805) وليهتف أمام الملأ في خيلاء وعجرفة: أنا.. الذي اعرف.. أنا الذي اصادم.. أنا الذي أحارب.. وكانت مأساة من يحارب الاوهام.. وقبل ذلك يخلقها ويتيح الواقع الماثل. ٭ تعرضت فكرة السيادة الوطنية التقليدية لمتغيرات جذرية فقد نادى كوفي عنان الامين العام السابق للأمم المتحدة في الدورة (54) للجمعية العامة في 20 سبتمبر 1999 للفكرة قائلاً: ان المفهوم التقليدي للسيادة بات لا يحقق تطلعات الشعوب في التمتع بحرياتها الاساسية.. ولو كانت (الدول ذات السلوك الاجرامي تعرف ان حدودها ليست دفاعاً مطلقاً.. وان (مجلس الامن سيتخذ من الاجراءات لوقف الجرائم ضد الانسانية.. لما سارت على هذا المنوال من التفلت من العقاب الذي يوفره مبدأ السيادة». وتبدأ المعادلة واضحة.. الأممالمتحدة تنوب عن الشعوب في تحقيق اراداتها التي تدهسها الانظمة المستبدة، ولكن السؤال الأصح هو مدى الصدقية في التعبير عن ذلك.. هل الاممالمتحدة مستقلة تماماً في قرارها؟! وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية TIMOTY WIRTH صادقاً حين اورد: ان الشعور ينمو على مهل بأن الشعوب يمكن ان تحكم عن طريق المنشآت الدولية بدل الحكم على مستوى وطن محض، وهذه القراءة ليست بعيدة عما اورده السفير مارتن لنديك MARTIN LNDYK نائب رئيس المجلس القومي الامريكي (سابقاً) والسفير الامريكي السابق باسرائيل: ان الخطر الذي يهدد مصالحنا في العالم العربي، هو ظهور حركات التطرف الديني والتي تجد العون والمساندة من النظامين الاسلاميين في السودان وايران وعلينا مواجهة هذا التحدي باحتوائهما في المنطقة والحد من نفوذهما.. ٭ في الحقيقة ان السيادة الوطنية محل تهديد مباشر من آليات ونفوذ النظام الدولي، فان حركة العولمة بما تملكه من قدرات اقتصادية وثقافية تكرس لدهس خصائص المجتمعات، وان تجارة المخدرات والجرائم العابرة للقارات وما يترتب على نتائج التدخلات العسكرية من آثار وخيمة على المجتمعات المحلية، وظلت وفي كل الاحوال مدخلاً للتوتر المحلي والاقليمي والدولي، وهي ذات مداخل النفوذ الاجنبي بكل تحكم وسائله وبعد.. فلم يعد الشيطان الاكبر خارج انفسنا. (4) يقوم القرار رقم 1590 الصادر من مجلس الامن في جلسة رغم 5151 بتاريخ 24 مارس 2005 في جزئيته الخاصة بانشاء بعثة لدعم السلام وطلب طرفي اتفاقية السلام الشامل وبتقدير المساهمات التي قدمتها القوات الاحتياطية.. لعملية حفظ السلام واعدادها.. والاعمال التحضيرية لبعثة الاممالمتحدة في السودان.. وانطلاقاً من ان الوضع في السودان (آنذاك) مازال يشكل تهديداً للأمن والسلام الدوليين. فانه يقرر: انشاء بعثة للامم المتحدة، واورد القرار في البند 143 ، أربع مهام محورية اندرجت تحتها اعداد من المهام الفرعية.. ولقد سبق هذا القرار وتبعه قرارات أخرى يدخل أكثرها في صميم اعمال السيادة الوطنية ويهم أن نثبت هنا ما يلي: ٭ كفالة تحديد المسؤولين عن الانتهاكات الانسانية سواء من طرف الحكومة أو من طرف المعارضة أو القبائل المتنازعة في دارفور وتقديمهم للعدالة فوراً. ٭ مناشدة الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان اتخاذ خطوات فورية لتحقيق تسوية سلمية للصراع في دارفور. ٭ جملة من المسائل من أهمها التأكيد على سيادة حكم القانون وحماية حقوق الانسان لجميع سكان السودان من خلال استراتيجية تمنع الافلات من العقاب (يلاحظ ان القرار 1706 لسنة 2006 والذي اتخذه مجلس الامن في جلسة 5519 بتاريخ 31 أغسطس 2006 مرتبط بذلك تماماً إذ يقرر: دون المساس لما تضطلع به بعثة الاممالمتحدة في السودان حالياً من عمليات وولاية على النحو المنصوص عليه في القرار 1590 (2005) من اجل التنفيذ المبكر والفعال لاتفاقية دارفور للسلام ، توسيع نطاق هذه البعثة على النحو المحدد في الفقرات 8 و9 و12 ونشرها لتشمل دارفور ولذلك يدعو إلى موافقة حكومة الوحدة الوطنية على هذا الانتشار...الخ ويومها أدلى كثير من الخبراء بآرائهم المحترمة واشادوا بالمادة /82ه من الدستور الانتقالي لسنة 2005 ولعلنا نثبت ما أورده الخبير الأمني العميد حسن صالح بيومي فقد كتب: ان القوات سوف تواجه بازدواج دورها - الحفاظ على الأمن والحفاظ في ذات الوقت على أمن أفرادها - وكنا نرى في القرار اهانة لتاريخ السودان وكرامته.. وبعد (5) يستفزني كثيراً الوجود العسكري للقوات الأممية المسنود إلى (الشرعية الدولية: فالمطار الدولي بالخرطوم.. ومطاراتها الاقليمية.. تعج بالاستثناءات المحورية.. أبواب الخروج.. أبواب الدخول.. عدم المساءلة. ٭ التداعيات الاجتماعية أو الامنية والاقتصادية والسياسية للوجود العسكري الاممي في كثير من اقاليم السودان، هل أجريتم الدراسات العلمية على ذلك الواقع في الخرطوم - نيالا - الفاشر. ٭ استمرار القوات الأممية.. في كل الاحوال: انتقاص واضح للسيادة الوطنية.. وهو بعد مسمى (دلع) للوصاية الدولية أو الاحتلال الدولي. ٭ هل لاحظتم عدد الآليات الدولية في طرق السودان وبعد فان الاعتياد عليها مرحلة من مراحل الترويض.. للنظر والفكر والسمع. ان مشاكل كثير من دول العالم الثالث تمثل (دخلاً) - قابلاً للتهديد المستمر.. في كل وقت.. يتم التدخل العسكري استناداً للفصل السابع.. قولوا لي.. كم تكلفة بقاء بعثة الأممالمتحدة في السودان؟! وقبل ذلك.. هل تجاوزنا المراهقة السياسية.. في ان نكون (دون كيشوت).. هل صار بالامكان أن نحل قضايانا بأنفسنا.. هل بوسعنا ذلك - الشعب يريد ان ترحل القوات الأممية.. ولكن - أي الشعب - يريد في نفس الوقت.. ارادة سياسية كاملة.. باتجاه الوطن.. ارادة شعب - وليس ارادة احزاب.. نعود لتفاصيل قانونية في المقال القادم إن شاء الله..