عندما فشل المستعمر البريطاني في إدارة السودان المترامي الأطراف بسبب تطبيق سياسات جامدة لم تراع المكونات الاجتماعية في المدن والأرياف، إضطرت الإدارة البريطانية إلى التفكير في نظام حكم مدني متدرج، فاستقدم الخبير الإنجليزي مارشال عام 1951 لوضع نظام حكم محلى أساسي يتسق وطبيعة السودان ، وكان تقريره الشهير الذي وضع الأساس القانوني لقيام نظام إداري راشد يتلاءم مع ظروف البلاد يشارك فيه المواطنون في إدارة شؤونهم ، نظام يمكنه التكيف مع طبيعة التنوع الاجتماعي وقادر على تلبية احتياجات المواطنين، وذو مستويات عدة حسب طبيعة المنطقة ومستوى وعى سكانها. التطور التاريخي للحكم المحلي في السودان من الإدارة الأهلية الممثلة في أعيان وشيوخ القبائل حيث كانت الاختصاصات الأساسية للحكم المحلى هي فض النزاعات المحلية والمحافظة على الموارد الطبيعية وحفظ الأمن و جباية الضرائب، ثم تطور الحكم المحلي إلى مجالس للمدن والقرى أعطيت اختصاصات وسلطات تتعلق بتقديم الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وغيرها . المقاصد الأساسية للحكم المحلي هي إتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة في إدارة الدولة ، والتعبير عن احتياجاتهم ورغباتهم، وتخفيض تكاليف إدارة الدولة ، ولكن أثبتت التجربة الفشل الكامل لنظام الحكم المحلي الحديث الذي يقوم على مجالس المدن والأرياف، فبدل أن تتيح تلك المجالس للمواطنين الفرصة للمشاركة في إدارة الدولة والتعبير عن احتياجاتهم ورغباتهم تحولت إلى إمبراطوريات للضباط الإداريين والمحافظين واليوم المعتمدين، وصارت عبئاً مالياً على المواطن الذي يدفع الضرائب للصرف على أجور وامتيازات المعتمدين، لكن تقديم الخدمات لا يجد اهتماماً، وبدل أن تهتم المحليات ومعتمدوها بشؤون المواطن باتت في أدنى اهتماماتهم ، وان كان رب البيت للدف ضارباً من اللامبالاة والتجاهل ،فان موظفي تلك المحليات يعتبرون أنفسهم في خدمة أهل الحكم وليس المواطنين الذين يدفعون لهم أجورهم وحوافزهم وامتيازاتهم. . لم أجد مثالاً للفشل الذي يمشي على رجلين في المحليات والمعتمدين، وبؤسا في الأداء، مثلما يجري في محليات ولاية الخرطوم التي كانت ثلاث محافظات ولكنها الآن سبع محليات، أعتقد أن أداءها هو الأسوأ في تاريخ الحكم المحلي ،ومعتمدين أكثر فشلاً وبؤساً ، لا أدري من أين جاء بهم والي الخرطوم وكيف صبر عليهم وهم يكتبون كل يوم سطراً في سجل فشلهم، ولا أدري ماذا يفعلون لا تسمع عنهم من المواطن إلا سيرة لا تسر وتقويماً عادلاً «ألسنة الخلق أقلام الحق». قبل أشهر وجدت أهل الحي الذي أقطنه يتدارسون شؤون منطقتهم ويشكون لطوب الأرض من سوء الخدمات والصرف الصحي وتردي صحة البيئة، فاقترحت عليهم تشكيل لجنة لمناقشة المعتمد، فصاح أحدهم في وجهي «لو كان في معتمد كان دا حالنا»، فتبرعت بالوصول إليه، لكني أصبت بخيبة أمل وهالني الأمر واستهوتني أحزان عندما زرت المحلية طالبا لقاء المعتمد، وخلت أني في منطقة عسكرية من الإجراءات المتبعة، وخرجت بجلدي فاراً من المملكة الخاصة، وعلمت ممن التقيتهم خارج المحلية أن أولويات المعتمد كانت تغيير مكتبه وكراسي الجلوس لكبار زواره وأباريق شاي مذهبة، ولدى مروري بالطريق كانت عمليات الإصلاح في مباني المحلية وإنارة محيطها وتنجيل باحتها، بينما على بعد أمتار كان الطريق تتوسطه الحفر، والطرق مظلمة ومياه الصرف الصحي متدفقة. هذه مرحلة مراجعة وتقويم قبل التاسع من يوليو الذي يعقبه تغيير في هياكل الدولة والجهاز التنفيذي وربط الأحزمة على البطون بتبني التقشف وخفض الإنفاق العام،نأمل أن يبادر والي الخرطوم بتقليص عدد محلياته، وتغيير معتمديه الفاشلين، وحواء السودانية ولود، وأرجو أن يتخلص الوالي من طابور المستشارين، ومن يسمون خبراء وطنيين، ولحكومته من هؤلاء أكثر من 15 ، لا يحتاجهم،ولا اعتقد أنه ينتفع باستشارتهم، ولا مواطن الولاية يشعر بأن لهم دوراً.