ربما لا يصدق احد ان اطفال المعسكرات بدارفور فى صباح كل يوم ينشدون اهازيج السلام ويرددون عبارة «سلام دارفور سلام» التي باتت مفردة لا تبارح افواههم املا فى ان تتوصل كافة الاطراف المتنازعة بدارفور الى سلام ينهي مرارات ومعاناة السنين التى قضوها بالمعسكرات.. لقد رسخت المعسكرات معاني سالبة في اذهان الاطفال الذين حرموا من التمتع بطفولتهم بسبب النقص في الغذاء والدواء والمشرب وحتى الامان، فهم ليسوا مثل رصفائهم الذين ينامون قريري العين. وبالرغم انهم لم يكونوا هدفا في تلك النزعات التى تدور رحاها بالمعسكرات، الا انهم لم يتمتعوا بتذوق طعم الحياة. ان التمتع بادنى درجات الرفاهية بات بالنسبة لهم امرا بعيد المنال. وان حلم الواحد منهم هو توفير المستلزمات الحيوية، فقد اصبحوا اولياء امور لانفسهم ولاسرهم. وبات بعضهم ذوي قدرات كبيرة فى التفكير فى تدبير امور حياتهم اليومية. واكثر ما اثار اهتمامى طفل فى السابعة من عمره يعمل ماسح احذية «الورنيش» بسوق نيالا الكبير . فإن هذا الصغير يفكر بعقلية كبيرة جدا فى ادارة امور حياته وفي تصرفه مع الآخرين حتى يخلق معهم علاقة حميمة. وقد لا تكون هذه العقلية متوفرة لدى الاكبر منه سنا، وقد يرى ان عمله ماسح احذية لا يليق بمكانه لأن والده كان ثريا، وكانوا يعيشون فى ترف ورفاهية قبل مجيئهم للمعسكر، ما اضطره للعمل فى مسح الاحذية. فالصغير يخطط للحصول على رأس مال قدره «50» جنيهاً، انه يرغب في التحول للتجارة والتحرك فى جميع اسواق المدينة لزيادة دخله، وتوفير الاغراض والمستلزمات لاسرته وخاصة والدته التي يحبها كثيرا، فضلا عن تجهيز المعدات المدرسية قبل افتتاح المدارس.. وقد وعدت الصغير بتوفير المبلغ له الا اننا لم نلتق مرة اخرى حيث افتقدته. ولم يظهر الصبي واصابني بعض الحزن لاننى لم آخذ منه عنوانه بالكامل، وبت متخوفا من ان يكون قد الم مكروه بالصبي. أمثال محمد ليسوا مئات بل آلاف، ويحكى عدد من الاطفال الذين يعملون باعة متجولين بالاسواق وشوراع المدينة، عن صعوبات بالغة تواجههم، اذ اصبحوا يتحملون مسؤوليات اكبر من طاقاتهم، مشيرين الى انهم منذ الصباح الباكر يغادرون المعسكرات متجهين صوب المدينة راجلين على الاقدام قاصدين اسواقها واحيائها للعمل فى جيمع انواع الخدمة «طُلب مباني، ورنيش، درداقات، او العمل بالاحياء لنقل الاوساخ او ردم البرك والحفر. يقول «منتصر» من معسكر عطاش ان الاجور التى يتقاضونها ليست كافية، لكنهم يجتهدون في الحصول على اكثر من فرصة في اليوم، حتى يستطيع الفرد منهم توفير مبلغ يتراوح بين «10 13» جنيها قبل العودة الى معسكراتهم، علما بأن يومية الطلبة لا تتجاوز العشرة جنيهات منها وجبة الإفطار والمواصلات ذهابا وايابا. وهذا ما دفع كثيرا منهم لترك العمل فى يوميات الطلبة والتوجه نحو الاسواق للعمل فى المطاعم او عمل الدرداقات لنقل البضائع بقيمة من «50» قرشاً الى واحد جنيه فى المشوار. ويفضل بعضهم العمل بالمطاعم، لأن عمل المطاعم يوفر لهم بعضاً من المال، لأن الشخص العامل يحصل على كل الوجبات مجانا، اضافة الى ان بعضهم ينام بالمطعم ويعود الى اسرته مرة كل شهر مما يساعده فى ادخار امواله للمساعدة في توفير مستلزمات الاسرة، لأن المواد الغذائية التى تصرف لاسرهم لم تعد كافية. والمنظمات ما عادت تهتم بأمر النازحين. وهذا مما يجعل اطفال المعسكرات متشردين وفاقدا تربويا. وفى ذات الاتجاه دائما ما يشكو الاطفال العاملون فى مجال الدرداقات من نظرات المجتمع اذ لا يرى فيهم المجتمع سوى أنهم اولاد «قليلو الادب» وليست لديهم اسر تؤدبهم. ويذكر بعضهم ان هذا الامر دائما ما يغضبهم. وحاولت بعض المنظمات العاملة فى مجال الطفل توفير بعض المستلزمات للمدارس وتوزيع بعض الهدايا واجراء مسابقات فى المدارس للتخفيف عنهم، إلا أن ذلك غير كافٍ، كما انه توجه غير دائم. وغالبا ما تكون هذه البرامج فى اوقات الموسم الدراسى وتنتهي بانتهائه، الشيء الذى يدفعهم للعمل، فظاهرة عمل الاطفال لم تقتصر على اطفال المعسكرات، بل شملت اطفال الاسر الفقيرة بالمدن والقرى، فأسواق المدن بدارفور يكثر فيها الأطفال بحثا وراء لقمة العيش. فهل هناك من يستجيب لمعالجة هذه الظاهرة ومساعدة كافة الاطفال الذين يسعون وراء الكسب الحلال والعيش بكرامة. ومهما كانت الدراسات حول معالجة ظاهرة التشرد، الا ان قضية معالجة امر عمالة الطفل ستظل موجودة ما لم تعط الحكومة الأمر اهتماما كبيرا.