والراجح أن بعثة الأممالمتحدة (اليونميس) لن تُغادر السودان لا في التاسع من يوليو ولا حتى في التاسع من ديسمبر القادم! ونحن نَشْتَمُّ رائحة صفقة سياسية مُريبة تعقدها الحكومة مقابل موافقتها على بقاء «يونميس» تحت غطاء آخر، وفي الوقت الذي تفوح فيه رائحة تلك الصفقة يقوم حزب المؤتمر الوطني بتحريك منسوبيه للإدلاء بتصريحات يرفضون فيها بقاء اليونميس بعد التاسع من يوليو، كل ذلك من أجل حفظ ماء الوجه وتهدئة الرأي العام الذي لا يرى في بقاء «يونميس» سوى شكل من أشكال الاحتلال الحديثة! فالاعتراضات التي أبداها وزير الخارجية ورئيس البرلمان واتحاد طلاب ولاية الخرطوم لا تعنينا في شيء، ولن نقتنع بمغادرة «يونميس» في موعدها ما لم تأتي هذه الاعتراضات من الرئيس البشير أو من نائبه علي عثمان أو حتى من مساعده نافع علي نافع! وحتى الأممالمتحدة تعلم بمُباركة الحكومة في أعلى مستوياتها لبقاء بعثتها، وذلك ما يجعل المتحدثة الرسمية باسم الأممالمتحدة تقول: «إن قرار استمرار «يونميس» بعد الانفصال في يد مجلس الأمن وليس في يد حكومة السودان». ونحن نعلم مدى انضباط الأممالمتحدة في تصريحاتها، فالمتحدثة تعني ما تقوله تماماً، أ ولا يًعَدُّ مثل هذا التصريح استفزازاً سياسياً وتحدياً سافراً للسيادة الوطنية؟ وإن كان الأمر كذلك فلماذا لم نسمع بغضبة رئاسية تَرُدُّ على هذا التحدي كتلك التي اعتدنا على سماعها في مثل هذه المواقف؟ لا نملك إلا أن نفسر هذا الصمت بالموافقة الضمنية على استمرار بقاء «يونميس»، فهنالك أسباب موضوعية تجعل الحكومة توافق على بقاء «يونميس» بالبلاد: فالحكومة لا تستطيع أن تتحمل لوحدها مسئولية ما يحدث في أبيي، وهي غير قادرة على مواجهة عقوبات مجلس الأمن الاقتصادية والعسكرية، ثم إن «يونميس» توفِّر لبنك السودان ملايين الدولارات شهرياً، فجميع مرتبات جنودها تأتي إلى بنك السودان بالدولار ويُصِرُّ بنك السودان على صرفها بالعملات المحلية، إضافة إلى ما تستقطعه الحكومة من رواتب الموظفين والعاملين السودانيين ب «يونميس» والذين يصل راتب الواحد منهم إلى ستة آلاف دولار، ف «يونميس» تمثل مصدراً مهماً لجلب العملات الصعبة للحكومة لا سيما بعد ذهاب نصيبها من البترول مع الانفصال! مع بداية هذا العام كانت صحيفة «الانتباهة» تنشر يومياً وعلى صفحتها الأولى مؤشراً للعد التنازلي لرحيل «يونميس»، فما الذي جعل هذا المؤشر يتوقف؟ فهل رحلت «يونميس»؟ أم أن «الانتباهة» صارت من أنصار بقائها؟ طبعاً لا هذا ولا ذاك وإنما توقف ذلك المؤشر رغماً عن أنف «الانتباهة»، وذلك لكي لا تقوم الصحيفة بشحن الرأي العام ضد بقاء «يونميس» كما فعلت من قبل مع مؤشر الانفصال الذي استمرت تنشره حتى عشية الاستفتاء! نتمنى أن نكون مخطئين في توقعاتنا وأن تُغادر «يونميس» في موعدها، أوليس التاسع من يوليو بقريب؟ إذن دعونا ننتظر!