* عندما تطرق سمعك كلمة «المخزون» فسترد إلى ذهنك فكرة المخازن والتخزين وقد تتذكر «مصلحة المخازن والمهمات» « التي أراحت الإنقاذ منها البلاد والعباد مع شقيقتيها مصلحة النقل الميكانيكي.. والأشغال .. وربما يكون لهذه المصالح الثلاث بعض الفوائد العامة والخاصة لكن ضرَّهن على أية حال أكبر من نفعِهَّن.. ما علينا .. وإذا سمعت كلمة «الاستراتيجي « فإن المعنى الذي يتبادر إلى الذهن هو الخطة طويلة المدى التي لا تترك شاردة ولا واردة إلا أحصتها ووقفت على آثارها القريبة والبعيدة .. الحادثة والمتوقعة والإستراتيجية هي «علم الجنرالات» في الأصل ثمَّ انداحت بعد ذلك لكل شئ وأي شئ يحتاج له نظام الحكم والإدارة في كل بلد وأي بلد وفي أي زمان وأي مكان .. فإذا ما كوَّنَّا جملة مفيدة من «الكلمتين « فسنجد أنفسنا أمام «المخزون الاستراتيجي « وهو هيئة أو مؤسسة أو جسم يُعني بتوفير وتخزين احتياجات بلادنا من الحبوب على وجه التحديد، وإن كانت التسمية توحي بتخزين كل الاحتياجات الإستراتيجية فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. * وعندما نعرف أن الشئ الوحيد غير المتوفر «بعد المال» للمخزون الاستراتيجي هو المخازن نفسها!! وفي ما عدا الصومعة أو المخازن التي بناها الصينيون في منطقة ربك فان المخزون الاستراتيجي لا صوامع ولا مخازن له ويلجأ إلى البنك الزراعي للتخزين بصومعة الغلال بالقضارف أو إلى البنك السوداني الفرنسي الذي يملك صومعة في ذات المدينة.. ثمَّ يلجأ بعد ذلك للتخزين التقليدي في المخازن العادية أو المطامير وما يستتبع ذلك من معالجات مستمرة ومكلفة للآفات وظروف التخزين وتقلبات الطقس والمناخ والفقدان المتزايد من الكمية واثر ذلك على التسويق الداخلي أو التصدير الخارجي من تدني الأسعار إلى عدم صلاحية المخزون للاستهلاك الآدمي. ومع أن القائمين على أمر المخزون الاستراتيجي أكفاء يحملون مؤهلات مناسبة جداً ويملكون الخبرة الكافية في مجال عملهم إلا أنهم في نهاية الأمر «عبيد المأمور» يأتمرون بأمر السلطات التشريعية والتنفيذية لشراء إنتاج المزارعين مهما كان حجمه لئلا يتضرر المزارع.. وهذا أمر جيد.. لكنه غير مُجدٍ في أحيان كثيرة إذا كانت المحاصيل التي يدفع ثمنها «المخزون الاستراتيجي»للمزارع أو للمصارف حتى لا يطل الإعسار برأسه مره أخرى ويقبع المزارعون في السجون.. تحت طائلة يبقى لحين السداد.. ثم تبقى «العيوش» التي اشتراها المخزون الاستراتيجي في العراء أو في ظروف تخزينية سيئة.. تماماً مثل ما يحدث هذا الموسم إذ إشترى المخزون الاستراتيجي مائة ألف جوال ذرة منها ثمانون ألف جوال بمنطقة الفاو.. أصابتها السماء مرتين حتى الآن .. قال صلى الله عليه وسلم بعد ما أدخل يده في صُبرة تمر فوجدت بللاً .. فقال ما هذا يا صاحب التمر ؟ فقال : أصابته السماء يا رسول الله .. فقال صلى الله عليه وسلم :- فهلَّا جعلته ظاهراً ليراه الناس من غشَّنا ليس مِنَّا» صدق رسول الله . ولم يُرد المخزون الاستراتيجي أن يغشَّ أحداً لكن الخريف فاجأهم كما تفاجئ كل الأشياء الراتبة والمعلومة كل السودانيين مثل مفاجأة رمضان للتلفزيون ذاك العام وكل عام.. قيمة البضاعة المطمورة والممطورة «وطبعاً الممطورة ما بتبالي من الرشَّة» تتراوح بين السبعين والمائة مليار جنيه «بالقديم بالقديم يا جماعة ماتشهقوا !!» وهكذا ستبدد الفكرة «القروش والعيوش» وتضيع موارد هامة وإستراتيجية وسلعه حيوية .. والسبب فكرة عبد الجليل ود أب عاج!! * عبد الجليل ود أب عاج من أظرف ظرفاء حوش بانقا وريحانة مجالسها تكرر استدعاؤه للمدرسة بسبب ولده.. « كل يوم والتاني يقولوا له جيب ولي أمرك « فلما بلغ به الاستياء كل مبلغ قال لولده «والله تاني ينادوني للمدرسة بسببك إلا أشغِّلك شَغَلَه لا أنت تستفيد منها ولا أنا استفيد.. أوديك تحش الحلفا وترمي في البحر».. والحلفا نبات سئ السمعة لا تأكله الحيوانات ويعتدي على الأراضي الزراعية ويتمسك بمنطقته كلما تقلعه يقوم مثل المسكيت وأسوأ وله حواف حادة تدمي اليدين .. بيد أنه يمكن معالجته وتخميره في الماء وصنع الحبال منه وان كانت حبالاً غير متينة وغير مرغوب بها .. والمخزون الاستراتيجي يتبع نهج ود أب عاج يشتري العيش ويخليهو للمطرة.. مع الفارق بأن الحلفا لا قيمة له والعيوش بي قروش. * أزعجني جداً ان يتعرض المحصول لهذا التلف الكلي أو الجزئي والسيد محي الدين مدير المخزون الاستراتيجي خارج البلاد ونائبه إبراهيم البشير لا يرد على الهاتف والخريف أعلن عن وصوله «قولاً وفعلاً» وقام بواجبه في تحويل كمية كبيرة من محصول الذرة إلى «زرّيعة» يمكن أن تعين ربات البيوت في توفير بعض مدخلات عواسة الحلو مر . وربما تستفيد من هذه «الخسارة» بعض الجهات التي تستخدم «الزرّيعة» في أمور لا علاقة لها برمضان !! أنا لا أقصد غير مصانع الأعلاف لذا لزم التنويه .. آه. * الأستاذ بدوي الخير إدريس عندما كان مديراً للمخزون الاستراتيجي وكان يصر على شراء المحصول بحسب طاقة التخزين .. ثم تكرار الشراء كلما خلَّت في الصوامع مساحة للتخزين .. وكان ينادي بضرورة بناء الصوامع والمخازن التي تتوفر فيها التقانة اللازمة لحفظ المحصول بعيداً عن الآفات .. قبل أن يظهر «الأي كولاي» في أروبا !! وكان ولا يزال ينادي بالمشروع القومي للقمح وهو غير فكرة توطين القمح بالولاية الشمالية «ما أصلوا مستوطن « ففاتورة القمح تكلفنا سبعمائة مليون دولار في العام وهي تعادل قيمة كل صادراتنا غير البترولية !!أي والله يا أيتها النهضة الزراعية سلام وهذا هو المفروض