إستهللت زيارتي للسودان بزيارة لقريبتي في إحدى مستشفيات الخرطوم. ولأطمئن الجميع، إن وجود قريبتي بالمستشفى مرتبط بخبر سار، فلقد وضعت مولودها الأول الذي اتمنى من كل قلبي ان يكون قرة قلب لها ولأسرتها. وصلت إلى المستشفى في الساعة الخامسة مساءا، وكانت جماهير كثيرة متجمعة امام بوابة المستشفى. ووقفت للحظة وانا احاول ان ادرس كيفية الزيارة، هل اقف مع الجموع وانتظر؟ ام احاول فتح باب المستشفى الذي كان مغلقا بينما يجلس حارس امامه؟ وقررت سؤال فتاة كانت تقف امام الباب مباشرة، وفهمت منها طريقة الزيارة. اخبرتني صديقتي الجديدة انه مسموح لعدد معين من الزوار للتواجد في الغرفة، ولا يستطيع ان يدخل زائر جديد إلى غرفة المريض ما لم يكن رقم الغرفة متاح في بطاقة تحملها وتذهب بها إلى غرفة المريض. وما ان تنتهي من الزيارة حتى تسلم كرت الغرفة الرقمي ليأخذه زائر آخر ويدخل به لعيادة ذات المريض. والهدف من تنظيم الزيارة بهذه الطريقة هو الإهتمام براحة المريض والعمل على الحد من عدد ومدة الزيارة بكل غرفة. وسألت عن رقم لغرفة قريبتي فعلمت انه ليس هنالك رقم متاح إليّ في تلك اللحظة، وقررت ان اقف في مكاني وانتظر. ورأيت في تلك اللحظات زائرة خارجة من عيادة مريضها وهي تحمل رقم الغرفة التي كانت بها، وقدمت الرقم إلى الحارس الذي اعطاه إلى زائرة جديدة. في تلك اللحظات إنشغل الحارس بمن يسألونه عن تفاصيل مرضى يرغبون في عيادتهم، فأشارت الزائرة الجديدة والتي تحمل الرقم الخاص ككنز بيدها إلى رجل كان يتبعها وهي تشير إليه بيدها ان (يطنش) الحارس المنشغل وان يتسلل خلفها لعيادة مريضهم. وسار الزائران بخطى سريعة وقاربا ان يختفيا عن الأنظار حينما لمحهما الحارس وصار يهتف لهما ان يتوقفا. وعاد الزائران ليصر الحارس على المرأة ان تذهب بمفردها. ولم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة، فلقد شهدت الدقائق القليلة التي وقفتها امام بوابة الإنتظار الكثير من هذه القصص. فتاة تصر على الدخول غير عابئة بقانون الزيارة الذي يحاول الحارس جهده ان ينفذه، ثم تقنع الحارس انها تريد ان تجلس بداخل المستشفى لأنها تعبة من الحر. وما ان تشعر ان الحارس منشغل بعض الشئ حتى تبدأ في التسلل تجاه غرفة مريضها ويراها هو فيعيدها إلى مكانها. هنالك من يصر على الدخول بطفل صغير بالرغم من إصرار الحارس على تنفيذ قوانين الزيارة التي تمنع تواجد الأطفال الصغار بغرف المرضى. ووجدت نفسي اتعاطف مع الحارس، فهو يحاول ان يطبق قوانين لا يعترف بها كثير من ابناء الشعب. فكل يريد ان يعود مريضه، قلقا عليه او خوفا من (اللوم)، ونجد ان امام كل مريض (حِلة) كاملة ترغب في زيارته. وعلى الحارس ان يقف امام كل هؤلاء يتحدث ويوضح الأسباب التي تجعله لا يدخلهم مباشرة لعيادة حبيبهم. وأتيحت في تلك الأوقات نمرة لي، ومع بداية حركتي سمعت سيدة تقول لأخرى «ياخ الحارس ده سغيل خلاص.» ووجدتني ابتعد ولسان حالي يسأل هل صار المنضبط بتطبيق القوانين في هذه البلاد يحمل صفة ال(سغيل)!!