في زمن تقاربت فيه أرجاء الكون و صرنا نعيش في قرية يزاحم بعضنا بعضا، ازدادت حاجتنا إلى التقارب و التفاهم، و اللغة هي وسيلة التفاهم! فقد أدركت الدول الكبيرة أهمية أداة التفاهم و خطرها فأخذت تنفق بكل سخاء لتنشر لغاتها. وكذلك تفعل البلاد التي ترى في خططها مستقبلا، فإيران و هي من عالمنا الثالث تدفع المنح السخية لكل باكستاني يريد تعلم الفارسية، وكذلك تفعل في سائر البلدان! لا لشيء إلا أنها تدرك بذكائها أن من يتعلم لغتها ويحتك بثقافتها فسينقلب سفيرا دائما لها يخدم مصالحها أينما حل أو ارتحل! وفي المقابل نرى العالم العربي وحكامه و أنظمته البائسة تحارب نفسها و تحاول أن تخلع جلدها وهي تعادي لغتها. بيد أن القرآن الكريم يأبى أن تزول اللغة العربية. ولو لا القرآن الكريم لما سمعت اليوم بالعربية لغة، ولما رأيت العربي إلا في فئة تائهة تجوب أغوار الصحاري الميتة تجري وراء الجمال والحمير! أصبحت العربية بفضل القرآن لغة المسلمين أجمعين. و أصبحنا نحن الأعاجم نعشقها عشقنا للرسالة و صاحبها بأبي و أمي عليه الصلاة والسلام . وأخذنا نجازف بمستقبل أولادنا من أجل العربية. فنسجلهم في المدارس العربية التي تفتقد إلى جميع المعايير التعليمية والتربوية في هذا البلد الأعجمي؛ باكستان. قامت المدرسة السودانية في العاصمة الباكستانية؛ إسلام آباد، على أكتاف ذوي الأحلام و النهى من الجالية السودانية التي يشار إليها بالبنان من حيث الخلق والتعامل في المجتمع. وقد تكفلت أخيرا وزارة التعليم السودانية مشكورة بالاعتراف بها و تزويدها بمدير يبعث من السودان! إلا أنها فيما يبدوا لي لم تراع المعايير الأخلاقية و السمات التربوية والقدرات الإدارية في اختيار من يمثل السودان و نظامه التعليمي في هذا البلد. و فاتهم كذلك بأن الزول الذي يسيء في السودان يهين نفسه فقط، لكن من يسيء في الخارج يسيء إلى السودان شعبا و حكومة! فقد بعثوا قبل عامين مديرا جلفا لم يكن يعرف كيف يتعامل مع الآخرين، لكن الناس تصابروا و احتسبوا مخافة أن يشكوا فتسحب الوزارة هذه المساعدة الرمزية عن المدرسة الفقيرة. وقد أعاننا على الصبر عليه نائبه الأستاذ ماهر جلال خريج الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد. فقد كان رجلا فاضلا يرقع بكل جدارة كل ما يمزقه المدير السابق. وها هو المدير الثاني الذي يبعث إلى إسلام آباد؛ رجلا جلفا لم يشم رائحة الحضارة و لم يسمع بالخلق قط، ترى فيه كل شيء ما عدا الإدارة والتربية! منذ عام وأنا أرفع القلم لأكتب حفاظا على سمعة السودان في هذا البلد، ودفاعا عن مستقبل الناشئة في هذه المدرسة، لكنني أضع القلم وأقول في نفسي لعل الرجل القروي حديث عهد بالعالم الخارجي و سوف يتعلم و يتحضر ولو بعد حين! وها هو العام الدراسي قد انصرم، ولم نر في المدير المبجل إلا تبجحا و كبرا و غرورا و سفاهة لا توصف! لست أدري من أخبره بأننا عبيد له لم نتحرر بعد!.. وها أنا أرفع هذه الرسالة إلى سعادة وزير التعليم السوداني المحترم، وإلى جميع الشعب السوداني المثقف أن يتداركوا سمعة البلد في الخارج فلا يبعثوا إلى باكستان ولا إلى غيره من البلاد الأعجمية إلا من يزيدنا حبا في العربية و حبا و احتراما في العرب وعلى وجه الأخص تقديرا و حبا للسودان شعبا و حكومة.. وأقول لسعادة الوزير إن كنت تراه رجلا إداريا و تربويا و جديرا بالمسؤولية فالرجاء الرجاء احفظه عندك و لا تحرم الشعب السوداني منه، و إن كان كما نراه فارسل إلينا رجلا تربويا متحضرا يجيد الإدارة والتعامل و يتصف بالمروءة والأخلاق. رحمك الله.. *عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية الجامعة الإسلامية العالمية إسلام آباد.