المقصود بعبارة مشروع للإنتاج الحيواني هو لفت النظر الى أن عمليات الاستثمار في المجال الحيواني بالسودان حاليا تتم بالصورة التقليدية في المراعي الطبيعية في معظمها مع اسهامات صغيرة تتمثل في المزارع الخاصة محدودة المساحة والاغراض، وقد كانت هناك محاولات محدودة من قبل مثل مشروع تسمين الابقار بسوبا في العهد المايوي الذي لم يكتب له النجاح منذ البداية لاسباب لم نزل لا نعلمها لغياب العمل المؤسسي والشفافية كما يحدث دائما في الانظمة الشمولية. وقيام مشاريع للإنتاج الحيواني يجب ان تكون في اولويات الخطط التنموية لأهمية هذا القطاع ودوره الاساسي في دعم خزينة الدولة والمنتجين وغيرهم بجانب تأكيده على انه القطاع الاول في هذه البلاد الذي يحقق حاليا نجاحات مستمرة في العملية الإنتاجية حيث تشير الارقام الى زيادة اعداد الحيوانات بالسودان 20 مليون رأس خلال الخمسين عاما الاخيرة حتى في ظل اتباع الاساليب التقليدية وبدون أي تدخلات واضحة من الدولة لدعم القطاع وتطويره. بالرجوع الى مشروع سكر النيل الابيض والذي كان معولاً عليه كثيرا في تحقيق الكثير من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها على المستوى القومي والمحلي الا ان التأخير في عمليات تشغيله لمشاكل ادارية ومالية وفنية جعله يواجه واقعا جديدا قبل البدء في تشغيله اواخر العام، كما ذكر المسؤولون عنه اخيرا ، وهذا التأخير قد انعكس سلبا على المنطقة لتعطيل الموارد الطبيعية والبشرية وتردي الاحوال المعيشية والاجتماعية مما افرز الكثير من المشاكل أهمها احداث الاعوج عام 2007م والتي راح ضحيتها نفر عزيز من زعماء وابناء المنطقة، وبهذه المناسبة يحق لنا ان نتساءل عن مصير ملف هذه القضية. وفي هذا الخصوص تم في الصحف مؤخرا تناول مشروع السكر هذا على ضوء المتغيرات الجديدة في الساحة السودانية خصوصا فيما يختص بحصة شمال السودان من مياه النيل بعد قيام دولة الجنوب بعد 9 يوليو من هذا العام بالتزامن مع خبر القرصنة التي تعرضت لها آليات المصنع في احدى البواخر كما نشر حيث برزت مقترحات بتأجيل العمل في تشغيل المصنع او تعديله والخطط المعدة لذلك الى ما بعد 9 يوليو. للعلم ان مساهمة النيل الابيض في ايرادات مياه نهر النيل تعتبر الاضعف حيث تقدر بنسبة 15% حاليا من نصيب السودان والبالغ 18.5 مليار متر مكعب. ونحن في هذا الموضوع نرجو ان نقدم الدعوة لاعادة النقاش في اهداف تشغيل المشروع استنادا على الواقع الحالي والذي يتمثل في الآتي: 1 - محصول قصب السكر أكثر المحاصيل استهلاكا للمياه واكثرها بقاء في التربة «من المحاصيل المعمرة». 2 - وضع الرعاة ومربي الحيوانات من قبائل جنوب الولاية بعد انفصال الجنوب الذين كانوا يقضون به اكثر من 8 شهور في السنة. 3 - وضع مواطني المنطقة المعنية من مزارعين ورعاة. 4 - تؤكد المعلومات وجود نسبة عالية من الاملاح في مساحات واسعة ومتفرقة من اراضي المشروع، والمعروف ان محصول القصب يتأثر بشكل ضار جدا بملوحة التربة. من ناحيتنا واستنادا على الحلول العلمية فاننا نرى ثلاثة طرق للتعامل مع هذه الحالة «الأملاح» وهي: 1 - الغسيل المستمر المكثف: وهذا يستهلك كميات هائلة اضافية من المياه مع العلم بان كمية المياه اللازمة لزراعة وري محصول القصب في هذا المشروع والمحددة مساحته ب 160 ألف فدان تزيد عن المليارين «2 مليار» متر مكعب من المياه سنويا وللمقارنة فهي تكفي لزراعة وإنتاج المحاصيل الموسمية كالقطن في مساحة تزيد عن «600 ألف فدان». ونرى أن عملية الغسيل هذه بجانب التكاليف العالية قد لا تجدي لوجود مساحات كبيرة بها الملوحة شرق المشروع وعلى الحدود الغربية من مشروع الجزيرة في اقسام الجاموسي والماطوري والتحاميد مما يجعلها عرضة لتراكم الاملاح من اراضي الجزيرة من مركبات الصوديوم والكالسيوم، اضافة الى مخلفات الاسمدة والمبيدات لانها تقع عند منحدر الجزيرة Slope. 2 - استخدام بعض الكيماويات الزراعية ومنها: مادة هايدروسول الحبيبية Hydrosol لها مقدرة عالية على تقليل آثار الاملاح بجانب حفظها للمياه حول الجذور ولكنها باهظة التكاليف وتستخدم في بعض الدول الغنية ولا توجد معلومات معروفة عن تجربتها ونتائجها بالسودان. وكذلك الاسمدة المركبة الحمضية Acidic NPK ولها كفاءة عالية في تخفيض قلوية التربة والمياه «الملوحة» بجانب دورها في عمليات تغذية النباتات، ولكنها ايضا مرتفعة الاسعار ومكلفة النثر او الاستخدام. 3 - زراعة محاصيل لها مقدرة جيدة للتعامل مع الاملاح: مثل الاعلاف واهمها على الاطلاق محصول ابو سبعين المعروف والذي يعمل بنجاح على انزال طبقة الاملاح الى أعماق بعيدة عن جذور النباتات وبتكرار زراعته مع تفعيل العمل البحثي بالمشروع يمكن ان يحقق نتائج جيدة خصوصا وان فترة بقائه بالتربة قصيرة واكثر مقدرة على تحمل آثار المتغيرات المناخية عكس المحاصيل المعمرة مثل قصب السكر، وحالياً هو المحصول الوحيد الذي يمكن ان يقوم بهذا الدور. وعليه ونتيجة للاستعراض السابق فاننا نرى ضرورة ان يعاد النظر في سياسات المشروع ليصبح الإنتاج الحيواني اساسيا في التركيبة المحصولية بجانب قصب السكر في مساحات مقدرة وذلك سوف يحقق الكثير من الاهداف منها: 1 - قيام مشروع للإنتاج الحيواني سيجعل من المنطقة سوقا عالميا ومحليا للمنتجات الحيوانية وتصدير الحيوانات الحية والمذبوحة كمشروع قومي هام. 2 - تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية حقيقية بالمنطقة وانعاش التنمية والخدمات وتشغيل ابناء الولاية والشباب من الجنسين. 3 - يمثل علاجا سريعا وعاجلا لمشكلة رعاة الولاية في جنوبها خاصة قبائل دار محارب ورفاعة بالشرق وسليم والاحامدة والحوازمة وغيرهم بالغرب بجانب نزوح متوقع من المسيرية حالة تعذر حل سريع لمشكلة أبيي وذلك سيخلف اوضاعاً سيئة بالمنطقة ويصبح مهددا لأمن الولاية والمنطقة بصورة مخيفة وهذه المسألة يجب ان تجد حلولا عاجلة كما ذكرنا اعلاه بجانب زراعة الاعلاف حاليا بالمشاريع بالمنطقة الجنوبية للولاية بعد اعادة تأهيلها بجانب المحاصيل الاخرى. 4 - الموقع الجغرافي للمشروع وخبرة مواطني المنطقة في العمل الزراعي والرعوي ووجود أبقار كنانة في الولاية كأفضل سلالة محلية للأبقار كلها عوامل تساعد في انجاح هذا العمل. قد سبق ان قدمنا تفصيلا لمشاريع الإنتاج الحيواني عام 2002م نشر بصحيفة الصحافة فيما بعد وكنا اقترحنا ولايات دارفور وكردفان وغيرها من مناطق التهميش باستخدام الري المحوري، وذلك فور بدايات مشكلة دارفور. وبناء على هذا الواقع الجديد نرجو ان نشير الى أهمية اعادة النظر في كل مشاريع السكر المقترحة بالولاية وهي قفا ومشكور والسيلة وسابينا وان الاصرار على الاستمرار في زراعة القصب بجانب المشاكل المذكورة اعلاه سوف يحجم او يقلص الفرص في اعادة تشغيل مشاريع المحاصيل الموسمية القديمة بعد تأهيلها وخاصة مشاريع الاعاشة بالشمال والطلمبات بالجنوب وأي مشاريع مماثلة جديدة خصوصا بعد المستجدات الاخيرة الخاصة بحصة المياه، وكذلك تجنب المشاكل المتوقعة نتيجة للاحتقان القائم في مناطق مشاريع السكر المقترحة، خصوصا وان المشاريع القائمة حاليا لم تحقق المطلوب من توفير الاحتياجات وتقليل الأسعار. * مهندس زراعي