ثمة اتهام يمسك بتلابيب السلطة الرابعة في السودان وهي التي ما فتئت تكيل الاتهامات لغيرها، بحكم وظيفتها في التبصير بمواطن الخلل ومنزلقات العمل العام، ثم بحكم دورها الاساسي في التجسير ما بين المواطن والمسؤول من ناحية نقل وعكس الحقائق وتحقيق الالتفاتات الممكنة صوب المسائل العالقة او القضايا العادلة، ريثما تتفق عبقرية القادة عن ناجع الحلول. لقد اولت كثير من الدراسات والبحوث الدولية اهتماماً كبيراً بدور الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع، وينبع هذا الاهتمام من الاعتراف بالدور الكبير الذي لعبه ويمكن ان يلعبه الإعلام في هذه المجتمعات سلباً او ايجاباً، ومن هذا المنطلق ولاهمية المرحلة المقبلة التي سوف تشهد فيها البلاد تغيرات كبيرة على مستوى السلطة المركزية والايديولوجية الثقافية والعرقية بعد انتهاء الفترة الانتقالية تبرز أهمية دور الإعلام بمختلف اشكاله وانماط ملكيته، والمهام التي تقع على عاتقه والمسؤوليات الكبيرة في المرحلة الحالية والمقبلة من اجل المساعدة في الحفاظ على ما تبقى من السودان. إن المراقب لاداء الإعلام السوداني في الفترة الماضية يجده دون المستوى المطلوب وتحديداً في نقل أحداث ازمة دارفور التي تناقلتها وروجت لها كل الفضائيات العالمية، ما ساعد في التشويش على صورة السودان ولكن في تقديري هنالك مجموعة من الاسباب ادت الى ذلك نذكر منها: ٭ وجود فضائيات عالمية ذات امكانيات عالية مهتمة بالشأن السوداني. ٭ عدم نقل احداث دارفور بموضوعية وواقعية، في وقت جاءت فيه الفضائيات والوكالات الاخبارية العالمية لتفخيم الصورة في اقليم دارفور. ٭ وجود مؤسسات إعلامية عالمية ذات اجندة خاصة. لذلك اصبح الخطاب الإعلامي في كل العالم اليوم لا تتم صياغته الا بناءً على مضامين تمثل فيها المصلحة والمنفعة جزءاً كبيراً حتى اصبحت الآلية الإعلامية ذات علاقة قوية بالسياسات والمصالح، حيث لا يمكن فصل هذه الآليات عن الاقتصاد والسياسة والاجتماع سواء على المستوى المحلي ام الدولي. وما نتمناه هنا في السودان ان يلعب الإعلام دورا في نقل المجتمعات الى موقف اكثر تقدما، تنفتح فيه الابواب وتبدأ عملية حوار اجتماعي واسع لمداواة الجروح وتجاوز مشاعر الالم، ثم تهيئة الجميع لتجربة سياسية جديدة، وان تسير جهود الإعلام جنباً الى جنب مع جهود ومبادرات الاصلاح السياسي وذلك لتجسير الهوة بين مكونات المجتمع وتطوير النقاش السياسي، مع ضرورة التركيز على: ٭ نبذ العنف وضبط الخطاب الاعلامي في المرحلة المقبلة. ٭ بث روح السلام والتآلف عبر تقديم النماذج الايجابية للتعايش المشترك. ٭ البعد عن الإثارة والتهييج. ٭ تذكير المجتمع بآثار الحرب والاقتتال الاهلي على المجتمع ككل. ٭ نشر ثقافة الديمقراطية في المجتمع وعكسها في اشكال متعددة ومتنوعة. ٭ التركيز على التنوع والتعدد الثقافي والسياسي في السودان باعتباره مصدر غنى محتملاً بدلاً عن كونه سبب النزاع، وان تعدد الوجوه والافكار في الساحة السياسية واجهزة الدولة يمكن ان يكون مؤشراً ايجابياً. * المركز العالمي للدراسات الافريقية