٭ عندما يتسلل التوتر والقلق الى دواخل الناس وتصبح اللا مبالاة عنواناً يومياً للحياة في مختلف مجالاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. يجب ان نأخذ حذرنا وننتبه ونقرع نواقيس الخطر ونضيء الانوار الحمراء. ٭ ماذا يعني ان تسيطر كلمة اكتئاب على قاموس الحياة اليومية.. ماذا يعني ان تصبح لغة الطب النفسي هي لغة العامة؟ لماذا تموت الدهشة امام اي حدث او اية ظاهرة. ٭ الناس يتابعون ما تقوله وتحمله الحكومة بلا دهشة وبلا رد فعل سوى مزيد من اكتئاب آخر.. احداث ابيي.. واجتماع اديس ابابا.. الرئيس يؤكد ان الجيش لن ينسحب من ابيي واخبار اديس ابابا تقول ان اتفاقا حدث بان تصبح ابيي منطقة منزوعة السلاح وتشرف على ذلك قوات اثيوبية.. ودكتور نافع يقول ان الجيش لن ينسحب الا بعد مجيء القوات الاثيوبية.. واخبار الاصطدام تنداح والناس في حالها.. ومن هناك جنوب كردفان.. كادوقلي وواليها احمد هارون يتوعد الحلو ويتهم عرمان والناس في حالة اللا دهشة والاكتئاب.. ويتابعون الاسعار في قفزاتها المجنونة.. السكر.. اللحمة.. الخضار.. الزيت.. الفحم.. وقرب افتتاح المدارس والمصاريف والمواصلات. ٭ التقيت طبيب امراض عقلية ونفسانية وعبرت له عن قلقي وتساؤلاتي عن هذه الظاهرة.. ظاهرة القلق والتوتر والاكتئاب وموت الدهشة قال لي: ٭ بالفعل ان الحياة المعاصرة قد غزتها لغة الطب النفساني كما تقولين.. حتى غدت تشكل مهربا من مواجهة المسؤولية فاصبح الكثيرون بدلا من ان يواجهوا مسؤولياتهم ويبحثون عن حلول لمشاكلهم.. يصرخون ويقول كل على حدة انا حزين.. انا مالي.. انا عندي اكتئاب واستعمال كلمة اكتئاب بهذا الشيوع هو نوع من هذا الهروب. ً قلت له مستغربة.. يا دكتور هل معنى هذا ان كل حالة اكتئاب هي حالة هروب.. حتى وان كانت اسبابها واضحة وقوية؟... قال بالطبع لا.. هناك نوع رائع من الاكتئاب هو الالم الواقعي.. هو الوعي بالواقع الذي يغلق دروب الهروب ويحدد للانسان مكانه من الامانة التي يتحملها وهي امانة الاختيار والعزم على مواجهة اسباب ذلك الالم، ومن هنا تأتي آلام المواجهة ومن مظاهر هذا الالم تلك المسحة من الحزن التي تعلن صعوبة الحياة وتشابك المشاكل وعظم المعاناة من ناحية والاصرار على تخطي هذه الصعوبة من ناحية أخرى. ٭ قلت للدكتور إن موجة الاكتئاب والقلق تغمر الانسان السوداني بصورة عامة ووسط الشباب من الجنسين على وجه الخصوص، فالى اين يمكن ان تقود هذه الحالة؟ قال لي انا لا اوافق على ان حالة الاكتئاب وسط الشباب بهذه الحدة ولكن ان كانت فهذا معناه ان تقود الى توقف النمو النفسي واللجوء الى التبرير وضياع الحياة كما يمكن ان تؤدي الى امراض جسمانية خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم وقرحة المعدة وامراض الجلد والذبحات الصدرية. ٭ والقلق النفسي والتوتر والاكتئاب اذا نتج عنها توقف النمو النفسي فهو الخطر.. انه الموت فبدلاً من ان تتوجه طاقة الشباب الى الخلق والابداع والتجديد والتغيير تتوقف عند مرحلة الدوران حول النفس والاغماء والسخط ثم الانسحاب والتبلد فيما بعد. ٭ قلت مع نفسي في جزع وقلق وخوف نعم انها موجة طاغية من القلق والحزن والاكتئاب.. ولكن عزائي اني احس بأمل في انها من شاكلة ذلك النوع الرائع من الاكتئاب.. الاكتئاب الذي ينتج عن مواجهة آلام الواقع من اجل التغيير.. احس بذلك واتمناه.. ولولا فسحة الامل لضاقت الدنيا. هذا مع تحياتي وشكري