تقترب ساعة الفراق بين الشمال والجنوب، إذ لم يتبق سوى اسبوعين لاعلان دولة الجنوبالجديدة، ويمضي كل فريق في طريق، ونشطت حكومة الجنوب في الاستعداد ليوم الرحيل وتأسيس الدولة التي ستحمل الرقم 193 بين دول العالم. واتخذت مدن الجنوب الرئيسية سمت الاحتفال منذ وقت مبكر باشراف من مكتب رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت وشمل التحضير للاحتفال الجوانب الامنية والصحية وغيرها وكان برلمان الجنوب اجاز ميزانية للاحتفالات تسمح بالاحتفال البهيج حيث خصص أكثر من أربعة وتسعين مليار جنيه تصرف من الاحتياطي النقدي لحكومة الجنوب. وقد نشرت حكومة جنوب السودان قبل يومين النشيد الوطني لجنوب السودان على نطاق واسع وبثته على موقعها في الانترنت وعبر إذاعات جنوب السودان المرئية والمسموعة ووسائل الإعلام الأخرى، النشيد الذي تبلغ مدته دقيقة و19 ثانية باللغة الانجليزية اللغة الرسمية لجنوب السودان تدشن به حكومة الجنوب الاحتفال مبكرا وتسعى من خلاله لترسيخ المعاني التي تحض على احترام الشهداء الذين سالت دمائهم من اجل الوطن. وابتعثت الحكومة وفودها الى جهات العالم الاربع تدعو الرؤساء والزعماء لحضور احتفالاتها بقيام دولة جنوب السودان بعد ان كانت حصلت مقدما على اعتراف دولي بقيامها في المكان والزمان المحددين ولم تتأخر دولة ذهبت اليها الوفود من اعلان ترحيبها بحضور الاحتفالات بل ابدت كثير من الدول مثل الولاياتالمتحدةالامريكية وروسيا والصين ومصر واوغندا ودول الاتحاد الاوروبي استعدادها لدعم دولة الجنوب بالمال والاستشارات والاعتمادات الفنية، ويشار هنا الى ان حكومة شمال السودان كانت سباقة في هذا الصدد فبعد الاعتراف الرسمي الذى أعلنت عنه الخرطوم باستقلال الجنوب رسميا فى التاسع من يوليو اتخذت خطوة عملية بتسمية سفير لها فى عاصمة الجنوبجوبا. وان كان الجنوبيين اكملوا استعدادتهم على كافة الصعد للاحتفال بدولتهم الوليدة الا ان بعض المسائل ما تزال تعكر صفوهم، وأولاها قضية ابيي التي تبدو عصية على الحل رغم التسوية المؤقتة الاخيرة التي قضت بتسليمها لقوات اثيوبية ريثما يتم الوصول الى تسوية نهائية الا انها ما تزال في طريق مسدود وتنذر بشر مستطير، إذ المواقف متباعدة وكل طرف يتمسك باحقيته فيها، فمن جهة يضغط ابناء ابيي داخل حكومة الحركة الشعبية من اجل الحصول عليها بينما يضغط ابناء المسيرية داخل حكومة المؤتمر الوطني من اجل الاحتفاظ بها، ومن خلف الفريقين انتظمت مواقف الدولتين. وثانيتها مسألة البترول اذ تبدو المفاوضات بشأنها لم تصل الى نتيجة حتى الآن، ففي الأسبوع الماضي إعلنت حكومة الجنوب على لسان وزير الطاقة والتعدين قرنق دينق أنها قد تتخذ اجراءات قانونية دولية ضد وزارة النفط الاتحادية في حال تسويقها لنفط الجنوب بعد الثامن من يوليو القادم دون موافقتها. وبالأمس هدد الرئيس عمر البشير بإغلاق خط أنابيب البترول في حال عدم التوصل لاتفاق بشأنه، وطرح ثلاثة خيارات للتعامل مع النفط تشمل استمرار قسمة العائدات البترولية بين الشمال والجنوب أو إيجار الأنابيب بالسعر الذي يرضي الحكومة في الشمال، أو إغلاق الأنابيب، على أن يبحث الجنوب على طريقة لتصدير بتروله، ورغم حرص الطرفين على تدفق النفط الذي يعتمد اقتصاد الجانبين بشكل كبير عليه حيث يشكل 98 بالمائة من ميزانية حكومة الجنوب و 70 في المائة من صادرات الشمال الا انه ما يزال معضلة تواجه الطرفين، ومع الامل في أن يصبح النفط عاملاً مساعداً على استدامة السلام نتيجة حرص الحكومتين عليه الا ان الواقع يقول بخلاف ذلك ويرجح ان يتحول الى اداة حرب وممول لها. وثالثتها مسألة الحدود التي ظلت رغم عمل اللجان غير مرسمة على الأرض، وينتظر ان تفجر الحدود التي يبلغ طولها ما يزيد على الالفي كيلومتر نزاعات في اكثر من بقعة ومنطقة خصوصا تلك الغنية بالنفط والثروات المعدنية. ورابعتها مسألة المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق، اذ باتتا بؤرة توتر للدولتين القديمة والجديدة، وقد شهدت وتشهد جنوب كردفان ازمة ينتظر ان تنتقل الى النيل الأزرق حسب كثير من التكهنات مما يعني ان الدولة الوليدة ستتحمل عبئا ثقيلا من واقع التزامها تجاه الذين قاتلوا معها خلال فترة الحرب ودعموا بلا حدود قيام دولة الجنوب، ولا بد من دعمهم حتى لا يشعروا بخيبة الأمل من رفقاء الأمس. ومن معكرات صفو الاحتفال الداخلية الخاصة بالدولة الجديدة ما يشير اليه مراقبون من شروخ في الجبهة الداخلية الجنوبية باتت بادية للعيان سواء كان ذلك على مستوى الحروب التي تخوض غمارها فصائل منشقة من الجيش الشعبي أو الحروب السياسية التي تقودها احزاب معارضة تقف في صف الرافضين لافعال وممارسات الحزب الحاكم، ولا يخفى على احد النتائج الكارثية التي ادت اليها هذه الانقسامات في الجسد الجنوبي والتي تهدد حتما تمدد مشاعر الفرح بقيام الدولة القادمة من رحم المعاناة، وفي هذا السياق كان أتول كاري، الأمين العام المساعد لعمليات حفظ السلام، حذّر من مخاطر الصراعات الناشبة بالجنوب على قيام الدولة وقال أمام مجلس الأمن في شهر ابريل الماضي أن التوتر الداخلي في الجنوب بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والفصائل المسلحة والمتمردين تعيق من التقدم وتمثل تهديدا للمدنيين وقال (إن حكومة جنوب السودان ستحتاج إلى اتخاذ تدابير حاسمة لمواجه التوتر العرقي وسوء الإدارة والتهميش السياسي والاجتماعي والتنمية الاقتصادية والحكم).