كل الدلائل والشواهد والوقائع المعاشة الآن على الارض ومن واقع الحال تشير بما لا يدع مجالاً للشك أن حديث السيد غلام الدين عثمان آدم مدير الصندوق القومي للاسكان حول أن الحصول على منزل في غضون السنوات الخمس القادمة سيصبح أسهل من الحصول على موبايل، لا يعدو كونه طرفة أو مزحة اكتست مسحة من المبالغة تعيد للأذهان طرفة العم هاشم بامكار الاتحادي العتيد والبرلماني العريق التي سارت بذكرها الركبان وأضحت من محفوظات التراث السياسي والسجل الانتخابي، وعلى ذكر هذا الوطني الغيور والسياسي المعتق وقبل أن نأتي على ذكر طرفته التي أحيا ذكراها السيد غلام، يحسن بنا أن نطوّف قليلاً على بعض لطائفه ومناكفاته السياسية الظريفة التي كانت تلطف من سخونة السجالات البرلمانية وتكسر حدتها بضحكات حد القهقهة صادرة من القلب، ومن ذلك أنه أراد ذات مرة وفي مداخلة له على حديث العضو الذي سبقه، أن يعضد حديثه ببيت من الشعر فأخطأ وأدخل عليه ما لم يكن فيه، لم يرق ذلك المحجوب وهو من هو في الشعر والأدب فقطع على بامكار حديثه بنقطة نظام وصف فيها بيت بامكار بأنه «مكعكع ومخشلع» وطالب بامكار بايراد اسم هذا الشاعر البائس، لم يفكر بامكار كثيراً في كيفية الخروج من هذا المأزق وانما رد ببديهة حاضرة وعلى طريقته البجاوية المحببة «أنا الشاعر دا ما أذكره ولكن طالما أن البيت مكعكع فهو حتما للشاعر المعروف والاديب المرموق محمد أحمد المحجوب» فضجت القاعة بالضحك وكان المحجوب أول الضاحكين، ومن مناكفاته قيل أنه دُعي ذات مرة ضمن حشد من أعيان بورتسودان ووجهائها لجلسة تجمعهم بالرئيس البشير ذات زيارة له لتلك المدينة وكانت الانقاذ في بداياتها «الثورية» خطب الرئيس في الحشد وقال كل الذي أراد قوله ثم أتاح الفرصة للحاضرين، مضت برهة من الزمن دون أن يطلب أحد الحديث، تلفت بامكار يميناً فوجد قيادات الجبهة الاسلامية، نظر يساره فوجد التابعين من المنضمين حديثاً والمؤلفة قلوبهم، تحول بنظره إلى المنصة ثم توكل على الحي الدائم ورفع إصبعه يطلب الفرصة، منحها له الرئيس دون أن يتبين هويته، لحظتها تمنى قيادات الانقاذ لو أن الارض تنخسف بهم حتى لا يشهدوا وقوع الكارثة التي توقعوا حدوثها في حديث بامكار، لم يأبه بامكار للمشهد وتقدم وقال «سيدي الرئيس إن من هم حولك الآن كانوا قد اقسموا معي على حماية الديمقراطية وها هم الآن يساندون إنقلابك، وأنا متأكد من أنهم سينقلبون عليك عندما يأتي نظام جديد ولذلك أحذرهم ثم أحذرهم»، سرت موجة من الرعشة والاضطراب وتكهرب الجو ولكن بامكار لم يصمت وواصل: «الشيء التاني سيدي الرئيس أن قسمك العسكري يوجب عليك حماية السودان وترابه ولكنك تقف هنا وحلايب على بعد خطوات منك ولا تزورها»، إنتهى حديث بامكار وكادت معه أن تنحبس الانفاس، تعكر مزاج الرئيس قليلاً وسأل عمن يكون الرجل الذي يتحدث بهذا الشكل، قيل له إنه بامكار، ابتسم الرئيس يقول الراوي وتقدم منه وهمس في أذنه: «مش إنت بامكار الوعدت الناس بانشاء كبري يربط بورتسودان بجدة بعد أن يفوزوك في الانتخابات، أها أين الكبري الآن»... وبعد خمس سنوات من الآن نخشى أن يعيد الرئيس حديثه الهامس هذا ولكن هذه المرة في إذن غلام الدين عثمان: «إنت مش قلتا إنو الحصول على منزل سيكون أسهل من الموبايل، أها السنوات الخمسة إنتهت وينا منازلك دي»، أو أن يكون السيد مدير الصندوق القومي للاسكان على قدر هذا التحدي الكبير الذي أقحم نفسه فيه فينجز وعده ولو كان مجرد أوضة واحدة من الجالوص و... ولك يا منازل في القلوب منازل...