شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ يصنعه الإنسان إذا احترم طبائع الأشياء
نحو مشروع ثقافي توا ثقي مستقبلي (5)

يتحدد تطور وتقدم المجتمعات بقوة دفعها الثقافي من حيث القدرة المستدامة لقابلبات الإبداع والخلق التي تحملها ، وحيوية أنساقها في التفاعل والاستيعاب والتكامل لصنع الثقافة الإستراتجية الضامنة لمراحل تقدم وتنمية المجتمع ، والمحددة لطبيعة مهامه عبر التاريخ . ومن ثم فان أي تغير في الثقافة يتضمن فعلياً تغيراً في المجتمع من حيث أهدافه ورؤاه التنموية ... وعلية فان أي فعل تغييري حقيقي يبدأ من الثقافة ومكوناتها أن أراد أن يكتب له النجاح والاستمرارية .... هذا الفعل يجب إن تتكثف رؤاه عبر جدال فكري عميق يستشرف المستقبل ويتجاوز الماضي بأدوات نقد بمقتربات تمتلك صلاحية ملامسة واقع تاريخي متعين قصد إنتاج اسئله الحاضر للإجابة علي قضاياه الإنسانية المستقبلية .
إن أي بناء فكري محكم لابد أن يأخذ في عين الاعتبار حقائق الصراع الكوني بين عنصري: التفكير المادي (الذي يمثله أنموذج إنسان العالم الأول) والتفكير اللامادي (الذي يمثله أنموذج إنسان العالم الثالث)،فبينما يملك أصحاب التفكير المادي فهماً معرفياً مكتملاً للكون فأن أصحاب التفكير اللامادي لا يملكون هذا الفهم ولا أدوات تحليله ومناهجه،بل ويرزحون تحت ضغط آخر غير هذا وهو الناتج الحضاري التكنولوجي لأصحاب التفكير الأول، بحيث لا يستطيع مفكراً ك(مالك بن نبي)إلا أن يجيب رداً علي سؤال وجه له عن ماذا نأخذ من الحضارة وماذا ندع؟ بإجابات من جنس:أن علينا أن نأخذ من الحضارة الغربية الأدوات التي تلزم في بناء حضارتنا.علي الرغم من الفهم الإنتاجي للحضارة في العلاقة الموجبة، والفهم الاستهلاكي للحضارة في العلاقة السالبة.يمكن للناتج الحضاري أن يحدث اضطراباً وخللاً(=المغزى الأعمق لمقولته) في البني والعلاقات الاجتماعية إذا ما تعاملنا مع صور وأشكال المنتجات الحضارية بصفة مجردة متجاهلين الآثار الاجتماعية لها، ولعل هذا يشكل مدخلاً طبيعياً لعلم الاجتماع الإنساني التقني الذي طمح(ابن نبي) من خلاله إلي تأسيس ارصدة التقدم:الإنسان،التراب،الزمن(أو التاريخ الثقافي).والذي يهدف إلي إيجاد حاله من التوافق بين الناتج وبين العلاقات الاجتماعية،قيماً وبناءاً لتتكيف ذاتياً بدلاً من أن يُفرض الناتج وعلاقاته كنتيجة من نتائج البناء الفكري للفهم المعرفي المادي للكون.أن انقطاع جدل هذه العلاقات تم بسبب المجافاة بين علوم الشرع وعلوم الإبداع الطبيعي والجمالي،كمافي تجربة المسلمين بتخلف الفكر ألتديني عن تغطية هذه الاهتمامات منذ عصور الانحطاط. فكان أن تطورت هذه العلوم تطوراً رهيباً بمعزل عن فكر تديني يوافقها فعجزنا اليوم عن مجاراتها واستيعابها فكان من الطبيعي أن لا ندرك من حقائق الحضارة الغربية طاقتها الاستهلاكية لا الإبداعية.فالفرد منا لا ينبهر إلا بمظهر الإبداع لا بمعاناته، فهو لا يحس بمقدار هذه التقدم التكنولوجي الاعندما يقتني اثر من أثاره.وحتى يتحول هذا الاهتمام الاستهلاكي غير المؤسس،يصبح الحديث عن كليات التوجه الاقتصادي العابد الحر غير التابع نوعاً من السخف في غياب التأسيس الاجتماعي للإبداع والاهتمام بإنشاء وحدات اجتماعية كفائية حتى وإن بدت في ظاهرها بدائية وتقليدية لكنها قد تصلح لإحداث النقلة الحضارية الإبداعية الأساسية،إضافة إلي إقامتها نمط جديد من روابط الاجتماع المتآلف المنتج الأصيل تزيل عقد المجتمع النفسية من حب للاستهلاك ألبذخي الكمالي والوقوف موقف المتلهف تجاه كل مستورد وغريب مما قد لايساعد هذه المجتمعات علي استعادة الثقة في مقدراتها الإبداعية.والمتأمل لكل علوم الإبداع الطبيعي،الفني: الذي يصبغ جمالياته علي أشكال التقدم الحضري الجامدة، لوجد في نتاجها الحضاري الروح والقوالب الفنية التي ساعدت في إخراج تصميم يجمع بين إبداع الطبيعة متمثلاً في فرضياته الفيزيائية والكيميائية والقوانين الطبيعية المستندة عليها وبين إبداع الفن متمثلاً في شكل ومظهر الآلة. ولعل في ذلك بعض إفحام للذين يرون أن شجون تطور الحركة الفنية والجمالية الاجتماعية المهتمة بالأشكال البيئية والمظاهر المعيشية ضرباً من ضروب الترف والإسفاف.
قد يصبح جلياً من بعد أن الصراع في عالم اليوم يرتكز علي أولويات قراءة وبناء ثقافي يعتمد عليها مشروع تواثقي طامح لفهم واقع تمثله محاور نفوذ كوني استراتيجي تتقاطعها نماذج معرفية إنسانية: فهنالك أولا،البناء المعرفي المادي للكون يمثله أنموذج إنسان العالم الأول بأحادية ثقافية إستكبارية ذات نزوع رأسمالي متوحش. فليس من قبيل المصادفة مثلاً أن تقود نظريات ثلاثة من كبار مفكري هذا البناء إلي مادية الحياة، فلنحظ الأصل اليهودي والتجربة الموسوية مع بني إسرائيل (=عقدة التجسيد وانعدام البعد الغيبي في العلاقة بأصل التوحيد الكوني:أرنا الله جهرة، اتخاذهم العجل تجسيداً للإله).فتحليلات(ماركس،فرويد،دارون) تُوصل إلي ذات النتيجة الجدلية الكونية المعرفية المادية بتحليلهم لكل النشاط الاجتماعي تحليلاً مادياً: الأول بمقولاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،والثاني بمقولاته السلوكية والنفسية،والثالث بمقولته بالأصل البيولوجي للحياة.لذا فقد كان من الطبيعي أن يقيموا شبكة من المصطلحات ونظم الأفكار الموحدة الفهم،لاسيما اللغة الرمزية في التجربة (الفرويدية) لتُسقط علاقة الغيب التي لم تنجح اصلاً في إقامة علاقة موضوعية معها.ثم يأتي ثانياً، البناء المعرفي اللامادي المختل الذي يتمثله أنموذج إنسان العالم الثالث بثقافة استلاب استضعافي ذات نزوع استهلاكي تابع تكاد تتقمصه تقمصاً لا يستطيع معه فكاكاً،إلا إذا نحج في أن يحرر هذا الفكاك ويُحل العقد ويُقيم التوازن الاستراتيجي مع العالم الأول،لا علي المستوي العسكري فقط بل علي المستوي المعرفي ايضاً.بل إن الظواهر السياسية الدولية المختلة التي نجد لها شواهد متعددة ماثلة لن تشهد تقدماً ملحوظاً في اتجاه الانفراج ما لم تحدث هزات عنيفة لنظام العلاقات الدولية وروافده الإعلامية والاقتصادية القائمة علي الخلل المعرفي والمؤسسة لضمان استمرارية هيمنة الإنسان الأول.فالاستلاب الحضاري للإنسان الثالث يبدو واضحاً في ثقافته والتي ما هي إلا كسبه الاجتماعي التاريخي بشقي حركتها:الامتداد المعنوي للحركة بنظام الأفكار واللغة(أداة التواصل الاجتماعي والتأسيس المصطلحي) علاقة استلاب بالتجارب الحضارية،ثم بالامتداد المادي للحركة بنظام السلوك الاجتماعي علاقة استلاب بالناتج الحضاري.وإنسان العالم الثالث سواء كان في أدغال إفريقيا أو أسيا يمتلك رصيداً مشتركاً من الشعور الديني،صحيح أن هنالك تبايناً حسب التفاوت المرحلي في سلم تطور خبراته الدينية،وبالتالي في أشكال علاقاتها التي تتجسد محصلتها النهائية في أنها لا تسقط علاقة السماء والأرض، صحيح أنها قد لا تعرف الله بالخصوصية التي يعلمها المسلمون مثلاً،إلا أنها لا تعتقد بمادية الحياة كنتيجة يؤسس عليها النشاط الاجتماعي.فهل كان بمحض الصدفة أن تنطلق كل أشكال العلاقات الدينية السماوية(يهودية،مسيحية،إسلامية)من مراحل مابعد التراب حيث لم يكن انطلاقها من مجتمعات دهرية بحتة تُنكر علاقات قوي ما وراء الطبيعية بالرغم من التباين ألاختلالي فيها.إن اكتفاء الإسلام بوضع القواعد الأصولية والحاجيات الأساسية التي تتجاوز العوامل النسبية الظرفية يُفسر:نظامه الأساسي الكوني بقيمه المطلقة وثوابته الفطرية،والذي لا يقيم حجراً علي اجتهاد العقل وكسبه النسبي في فهم توجهات الدين المطلقة المشروطة بعنصري الزمان والمكان.فقيم الدين تقوم علي القيم المطلقة إلا أن الفهم المقلوب احياناً يأبي إلا أن يقيمها علي النسبة:لا للاجتهاد، لا للديمقراطية،لا للتعدد الحزبي، لا لخروج المرأة،لا لعمل المرأة.... الخ، إننا نتعامل مع الظاهرة الاجتماعية النسبية (التحلل الأخلاقي) تعاملاً يخرجها عن ظاهريتها لتُفصل عليها حقائق تتنافي وقيم المساواة المطلقة بين بني الإنسان التي تقرها قيم الدين الأساسية. فالعلاقة بين السماء والأرض ليست علاقة فوقية عديمة الاتصال بالأرض إن دورها يبرز جلياً واضحاً عند انحراف حركة النظام الأساسي الكوني.فالعلاقة بالغيب ليست نتاجاً خيالياً عاطفياً تجعل الإنسان غريباً مشطوراً لعالم ديني موضوع للتمثيل وعالم واقعي دنيوي لا تجمع بينهما إلا العلاقة البائنه كما يري(فيورباخ).فالرصيد الديني الأساسي المتفاوت حياةً اوموتاً متاثراً بعدة عوامل موضوعية لا تقوم علي الحتميات والفرضيات التاريخية(الكلاسيكية) بالضرورة، ولا علي العوامل المعنوية المبهمة كما يحلو للبعض أن يردد.إن في القرآن الكريم استعراضاً واضحاً لمراحل إعقال الخبرة الدينية الإبراهيمية قد تصلح لتحكي سلم تطور العلاقات الإنسانية الدينية ف: إعقال الخبرة الدينية هي الناتج التفاعلي لمتلازمات الوعي،الفهم،التطبيق.فإبراهيم عليه السلام وتاسيساً علي نظام الإيحاء الفطري كخبرة دينية أساسية داعية للنظر والبحث مروراً بوعيه المتأثر بالمظاهر الكونية (اتخاذه القمر، اتخاذه الشمس) وانفعاله بهما ثم ربطه بين المعطيات الحسية الناشئة من تأثره بهذه الظواهر المختلفة(أيمكن أن تنشأ هذه القوي صدفة أم هي تدبير قوة حكيمة) ليوصله هذا التفكير إلي قمة الحساسية الملتحمة مع الواقع في شكل فروض وممارسات تدعوه إلي تحطيم الصنم البشري في النهاية=من التراب إلي الروح تصاعداً وتنازلاً ترتقي العلاقة الإنسانية بمجموع القيم المطلقة والثوابت الفطرية بمرحلها الثلاث:الآوليه(ايحاءاً فطرياً) والوسيطة (انفعالاً بظواهر كونية طبيعية) والنهائية(كمالاً إنسانيا بديانات سماوية) لتحكي سلم تطور الخبرة الدينية وتمام أنموذجها الإنساني الواحد.ومن ثم يصبح التوجه لأولويات قراءة وبناء ثقافي نحو الأنموذج الإنساني الذي يمثله إنسان العالم الثالث حيوية مرحلية لإحداث التوازن الاستراتيجي المعرفي،بل إن المحاولة تلك ستكون أكثر لياقة وتوفيقاً لأنها تبدأ مابعد التراب من جهة وتركيبها الاجتماعي التقليدي من جهة آخري أكثر قابلية للتأسيس واقل تاثراً بالتجارب والمنتجات الحضارية الوافدة،أذا ما تم التعامل معها بوعي مستقبلي.لابد إذن من بناء نسق فكري جديد ومتكامل يشكل نظرية جديدة للمعرفة بتحالف إنساني لمؤمني العالم (أو أهل الملة الإبراهيمية) يستند علي تحقيق مبدأ التوحيد الكوني المتحرر والمتجرد:الذي لا تتشاكس فيه النتائج الكلية والجزئية أو تختل فيه أدوات التحليل والمنهج والمصطلح، بحيث إذا ما بدأت من أي فرعية جزئية وصلت إلي أصولية كلية وفقاً لمنهج بنيوي متناسق يولد توليداً شرعياً ضروباً من الممارسات الاجتماعية بشتى مجالاتها الإبداعية والسياسية والاقتصادية لا تجانب الحقيقة الكلية للكون فيتحقق بذلك المعني الأصيل للتعبد الإنساني بإيجاد حاله من الانسجام بين الظواهر الكونية الموحدة والنشاطات الكونية التوحيدية،فيتاح نظر جديد للتاريخ الإنساني بمصطلحات ومناهج ومفاهيم تمتلك شرعية التأسيس الاجتماعي والصلاحية الوظيفية التي تلبي طموحها المشروع.
2.إشكالية العلاقة بالمستقبل التاريخي،(إن التاريخ بكل ممارسته والأفكار التي تعتمل داخله لا يموت ولا يضيع ولا ينقطع أثره.انه يتحول إلي مخزون نفسي يتحرك في باطن الجماهير،يشدها إلي خط معين،ويولد فيها باستمرار أحاسيس وتطلعات مشتركة تغذي فيها هذا الشعور بأنها كيان واحد ومتميز.هذا المخزون النفسي والثقافي هو الذي يجعل من الأمة كائناً حياً،رغم ضعفها وعجزها وتفككها وغياب دورها علي مستوي المؤسسات ومراكز النفوذ الاستراتيجي) هذه الإشكالية تُطرح في أفق المشروع التواثقي لأولويات القراءة والبناء الثقافي، ذلك إن تحديد هذه الأولويات يستدعي وعياً آخر حول السياقات التاريخية التي ستستخدم فيها والرؤى ألاستراتيجيه الواجب اعتمادها لتحليل قضاياها فكرياً، توظيفاً قد توصف عوامل التغيير في مناهجه بأنها تقدمية ورجعية أو مستقبلية وماضويه. ليس هذا هو المعيار الفيصل، بل هو ضمن أي أرضية تستند هذا العوامل:الوحدة المتقاطعة التي تسطح فيها القضايا وترص المفاهيم ب(توليتاريه)فاشية، أم تكاملية توحيدية تسعي لحل التناقض بوحدة القوانين الكونية ليسود انسجام الحياة الإنسانية مع الكون لتحقيق وحدة العالم مع المنطق الإلهي ليس فقط عبر الخضوع(الميكانيكي) ألقسري بل ايضاً من خلال مجال واسع لامتحان الإرادة والاختيار والمسئولية بتراكم كمي ونوعي لطالح الأخطاء وصالح الانجاز علي المستويين المادي والنظري ، تراكم معقد ومتداخل ومجسد في هياكل وإنتاج وتفكير محكوماً بالتدافع(أو التناقض الايجابي) تركيباً ومنهجاً.
العلاقة بالمستقبل التاريخي في المشروع الثقافي التواثقي، ليست علاقة بمنهج يقدم أحكاماً أخلاقية لا تبحث عن علل الأخطاء بل تلجأ في غالب الأحيان إلي التبرير والتأجيل (=الواقعة الأخلاقية:الانحراف كان بمقتل الخليفة الراشد بن عفان).أنه علاقة بمنهج يبحث عن علة ويربط الفرد والمجتمع بالمكان والزمان أي بالمرحلة التاريخية،فهو يجتهد في ضوء الوقائع ليفهم ويحلل خلفيات ومنطلقات المواقف المتنازعة،ليحدد في النهاية أي الأطراف كان ملتزماً أكثر من غيرة بخط المستقبل التاريخي (=العلة الموضوعية:ليست في عظم فادحة المقتل،ولكن في بنية المجتمع الإسلامي الأول والتغيرات الجيوبلوتيكية الحضارية التي طرأت عليه والاستعدادات المتفاوتة بل والمتناقضة لمكوناته لاستيعاب المتغيرات والتحكم فيها لمواجهة تأثير التحول وتحدي النقلة المجتمعية من مستوي تركيبة قبلية إلي مستوي أمه ودولة عالمية). وهو منهج يبقي المعني مفتوح باستمرار علي إمكانية ممارسة الاجتهاد كمدخل أصولي رئيسي لحل التناقض علي الرغم من مساعي حثيثة لقرون للحد من فاعليته في زمن قد تكون تحولت فيه احدي فروع التاريخ السابق إلي أصل من أصول المستقبل المعاصر،قد نحتاج فيه إلي رتبة النصوص حسب التحديات المطروحة لتحقق المقاصد التي تحددها تلك النصوص أمام التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.ولكنه اجتهاد تاريخي مُحصن،حتى لا تستغله القوي الاجتماعية المتناقضة والمتصارعة كأداة لتحقيق طموحاتها وأسلحه لإدارة صراعاتها الاجتماعية:نسبية الاجتهاد البشري لا تنشأ من فراغ بل متأثرة بتفاوت علمي ومزاج نفسي وذهني وتغاير بيئي واختلاف في المواقع الاجتماعية في وجه الإغراء والخوف والرجاء من جهة،وبحق الانتماء السياسي وشرعية الاختلاف والتصارع(أو المدافعة) من جهة آخري.فعند الاختلاف الاجتهادي في المسائل الكبرى يحق لجمهور العامة تاطير أنفسهم في أحزاب وجماعات وقوالب (أيديولوجية) متعددة حتى لا يقع التفقه الثقافي في أشراك التنظير للقمع السياسي الذي يمنع الرؤية المغايرة من التعبير عن نفسها في إطار مجموعة منظمة تؤثر في الواقع اليومي وتطوره في اتجاه قلب ميزان القوي لصالح هذه الرؤية:لان حجبها أو عدم الاصطبار علي فيض ميزنها قد يُوصل إلي حد تحويل التدافع إلي التقاتل بين طوائف مؤمنة، لا تُنزع عنها شرعية هذا الحق ولا حتى صفة الإيمان إلا إذا استدركت بقسط إصلاح وعدل، فإذا أبت أن تفئ لأمر الله في الناس،نهضت سلطة اجتماعية ديمقراطية راشدة لتميز بين عناصر الحق في هذه الرؤية لتلحقها بطائفة مؤمنة أو الباطل فيها لتدمغ به طائفة باغية، بما يتناسب وأصولية أو فرعية موضوعاته وديمومة أو ظرفية حيثياته وأثرهما علي وحدة النسيج الوطني حتى لا تتحول قضاياه إلي مطلقات فرقة تتطرف به عن النسبيات التي ساهمت في تشكيل حوادثه.
إن تقدمية مصطلح المستقبل التاريخي كمنهج لقراءة التاريخ بالمشروع التواثقي إذن:فهم حركي وليس (استاتيكي) للواقع والفكر والمجتمع،فبرغم مايبدو من سكون ظاهري لبعض المجتمعات إلا أنها في أعماقها تتغير وتتبدل بحكم كونها كائناً حياً يخضع لسنة التغير.هذا القول يجعل لكل مجتمع خصوصية ولكل مرحلة تاريخية من مراحله خصوصية أيضا،يترتب علي ذلك إن ماضي هذا المجتمع قابل للفهم والاستيعاب،لكنه غير قابل للتكرار،وإن تراث هذا المجتمع جزء من بنيته،لكنه ليس بديلاً عن مستقبله، فتطور المجتمع يتحقق بشكل سهمي أو اضطرادي.انه مع كل مرحلة يتطلب إضافات جديدة تتقدم بوعي إنساني خلاق،رغم أنها قد تتوقف احياناً لما يعتريها من عوامل الضعف والانحطاط.إن تقويم تجاربها وتحديد مكاسبها يجعلها اقدر مما سبق علي الفهم والتجاوز البناء،أنها تتقدم علي المستوي التاريخي من الماضي إلي المستقبل.ولكنه تطور مجتمعي يتحقق في ضوء سنن وقوانين اجتماعية،فلا مجال للارتجال أو الصدفة وانتظار الخوارق،هذا يعني حركة المجتمع صعوداً وانتكاساً مسألة قابلة للفهم والتحكم وليست غيباً أو قدراً.إن التاريخ يصنعه الإنسان إذا احترم طبائع الأشياء فكل انتكاسات التاريخ هي انتكاسات الإنسان.وحتى لايحدث التباس أو تأويل في غير محله،فان المستقبل التاريخي ليس مطلقاً في مفهومه بل يتحدد عبر المرحلة وهو من هذه الزاوية مصطلح نسبي.بمعني أن موقفاً ما في ظرف تاريخي محدد يكون تقدمياً(=أو مستشرفاً لمستقبل تاريخي) فإذا ما أسقطناه علي واقع في ظرف تاريخي مغاير قد يتحول إلي رجعي(=أو منتكساً لطرح ماضوي).فهو مجرد أداه للتحليل (لا للتشهير)في ضوء مقاييس متعددة، فليس كل جديد بالضرورة رمز للتقدم،فالغرب الذي تتدفق في كل يوم منتجاته الجديدة ليس رمزاً للتقدم.لان بناء رفاهيته تم علي حساب شعوب مقهورة لايزال حريصاً علي تكريس تبعيتها له باعتباره المحور وهي الأطراف،تحول العلم فيه إلي خدمة رأسمالها والقوة للحفاظ علي اختلال موازينها لصالحه.إن التقدم قيمة إنسانية وليست استهلاكية فلايكفي للتحكم في اتجاهاته امتلاك شروطه التكنولوجية المادية فقط بل بالأساس شروطه الثقافية أي القدرة على التوظيف الإنساني لها ايضاً باختيارات مقاصدية لفكر إسلامي(أو وطني)مستقبلي يحقق تنمية عادلة مستقلة.
كاتب صحفي و باحث في مجال دراسات السلام و التنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.