سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكرة الدولة الإسلامية في فضاء معاصر تحتاج إلى مراجعة
نحو مشروع ثقافي توا ثقي مستقبلي (8)

يتحدد تطور وتقدم المجتمعات بقوة دفعها الثقافي من حيث القدرة المستدامة لقابلبات الإبداع والخلق التي تحملها ، وحيوية أنساقها في التفاعل والاستيعاب والتكامل لصنع الثقافة الإستراتجية الضامنة لمراحل تقدم وتنمية المجتمع ، والمحددة لطبيعة مهامه عبر التاريخ . ومن ثم فان أي تغير في الثقافة يتضمن فعلياً تغيراً في المجتمع من حيث أهدافه ورؤاه التنموية ... وعلية فان أي فعل تغييري حقيقي يبدأ من الثقافة ومكوناتها أن أراد أن يكتب له النجاح والاستمرارية .... هذا الفعل يجب إن تتكثف رؤاه عبر جدال فكري عميق يستشرف المستقبل ويتجاوز الماضي بأدوات نقد بمقتربات تمتلك صلاحية ملامسة واقع تاريخي متعين قصد إنتاج اسئله الحاضر للإجابة علي قضاياه الإنسانية المستقبلية .
* العامل السياسي،(الحضارة لاتبنيها دولة،وإنما تنقلها الي عالم الممكن ثقافة شعبية جديدة وحركات تعيد الحياة لأوصال الأمة،وصياغة ثورية لذات جذورها في التاريخ ونظرتها مشدودة للمستقبل.) العلاقة بالسياسي تستدعي بالضرورة في المشروع الثقافي التواثقي حضوراً آخر لمفهوم غالباً ما يختزل فيه السياسي، ألا وهو مصطلح الدولة التي تشكل موضوعاً لممارسة السلطة السياسية.ولكن الإشكالية هنا إضافة للاختزال السياسوي المصادر للرحابة السياسية في انه يتبدي وجه آخر للإشكال: فالدولة كمفهوم سياسي لأحد حقول التفقه الأصولي التوحيدي، أمر مبهم في التاريخ الإسلامي.لم تكن لعرب الجزيرة(=كحاضنة اجتماعية ووعاء تاريخي لتأسيس المفهومات الأولية) في جاهليتهم دولة، والسبب حسب(ابن خلدون: أنهم أكثر بدواة من سائر الأمم، وابعد مجالاً في الفقر،لأنهم اعتادوا الشظف وخشونة العيش،فاستغنوا عن غيرهم، فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش). ثم جاء الإسلام فأقام في المدنية نواة لدولة ترتكز اساساً علي الفكرة وتستبعد العصبية القبلية كقاعدة لها.ولكن هذا العمل السياسي ارتبط بالوحي والنبوة أي أن بعضهم قد أقامها تنفيذاً لأمر إلهي لا إيماناً بضرورتها لاستقامة حالهم ومعاشهم، فحسب(ابن خلدون نفسه:أن العرب لايحصل لهم الملك إلا بصفة دينية من نبوة أو ولاية أو اثر عظيم من الدين علي الجملة،والسبب أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة فقلما تجتمع أهواءهم.فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية، كان الوازع لهم من أنفسهم،وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم).ولعل هذه العوامل النفسية الثقافية إضافة لأخريات تاريخية ثقافية فرضتها تطورات اجتماعية بعد عهد(الشيخين) ضرورات الانتقال التدريجي بفعل الاتساع الجغرافي والتدفق المالي، من الدولة المدينة التي تتمحور حول مدينة، الي الدولة العالمية باختلاط ثقافتها وأجناسها التي أوجدت معايير جديدة للتمايز ليست بالضرورة متوافقة مع الأصول التوحيدية السياسية القرآنية والسنية بعد غياب النبي(ص) وانقطاع هدي الوحي وضعف الوازع السني ليحدث انتكاس استمد طبيعته من طبيعة مجتمع جزيرة العرب وسيرته الغابرة الأولي،فكسرت النواة التي انتهت بانتصار القوة والدهاء علي الفكرة والمثال.إلا أن السلطة لم تندثر وإنما تقمصت الشكل (الكسروي) بطلاء ديني.خطب (معاوية فقال:الأرض لله وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي،وما تركته للناس فالفضل مني) فربط إرادته إذا صحت النسبة بإرادة الله واختياره باختيار الله وذلك جوهر السلطة الدينية التي هي عبارة عن فلسفة للحكم تقطع الطريق أمام الأمة وتقضي علي كل مناخ يمكن من قيام المؤسسات السلطانية الدستورية والتنفيذية.ينتهج ذلك كل خلفاء بني أمية ، عدا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز.لينتفض العباسيون بعدهم علي السلطة فتتغير الرسوم والوجوه وتستمر ذات فلسفة الحكم الإلهي لم تتغير، خطب(أبو جعفر المنصور فقال:أيها الناس قد أصبحنا لكم قادة،ولكم زادة،نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا.وإنما أنا سلطان الله في أرضه وحارسه علي ماله.جعلني قفلاً أن شاء أن يفتحني لإعطائكم، وان شاء يقفلني) وهكذا إذا صحت النسبة تستمر نفس ثقافة المقايسة الظالمة،والشاهد في هذه المقولات دون دخول في حيثياتها ظروفاً وصحةً، إلا أنها تعكس بصدق مناخ سيطرة علي المخيلة الشعبية والذاكرة الجماعية، وما أشبة الليلية بالبارحة وكأنها قضايا التاريخ تبعث من جديد.صحيح أن العالم الإسلامي حينها لم يعش نفس تجربة الحكومة الدينية التي عرفتها أوربا مثلاً في مرحلة سيطرة الكنيسة، ولكن مصطلح (الدولة،السلطة) الدينية يستخدم في إطار المشروع التواثقي لتوصيف حالة الانفصال التي تمت بين ثقافة التفقه السياسي المحرف وبين أصول الحكم السلطانية وإرادة الأمة الجماعية،خلافاً للمبدأ الأصولي السياسي التوحيدي القائم علي الشورى والاختيار بل والي لجوء الحكام وكثير من الفقهاء الي إضفاء تبريرات دينية علي الحكم المطلق وحرمان ألامه من أن تكون لها الكلمة الأخيرة في الشأن السياسي.لقد قامت معظم تجارب الحكم التي سادت في التاريخ الإسلامي علي غلبة صاحب الشوكة حسب التعبير(الخلدوني) حيث لم يعتبر الحكم من الشئون العامة وإنما هو إفراز لموازين القوى: فانعزل الفقيه زهداً في حركة السياسية والاجتماع مكتفياً بموجهات أخلاقية ناصحة أو شروط عامة لا تناقش أصول القضايا ومسببات الانحراف موجهً في الغالب لطبقة الأمراء أحكاماً وآداباً سلطانية عامة لا تكتسي صفة إلزام هادي ولا تقوم بترتيبات مادية موضوعية لضمان التزام الجادة الأصولية وما ينبغي فعلة من مكونات المجتمع لأستمراريتها(=التفقه الارشادى الوعظي لابن تيمه والماوردي) فكان أن انتظم العامة في أسلاك تصوف باطني أو انعزال تجريدي أو خارجة تكفيرية أو رافضة عدمية ليستمر الحال علي هذا المنوال حتى انهيار الخلافة العثمانية ألا من شذرات بعض إشراق هنا وهناك لا تصلح لكي تقوم عليها قاعدة عامة . فكرة الدولة الإسلامية في فضاء معاصر إذن تحتاج الي أكثر من مراجعة، والذين يتحدثون عن نظام إسلامي للحكم جاهز وصالح لكل زمان ومكان علهم يتجاهلون أن التفقه السياسي التاريخي لم يعرف حتى الاتفاق حول ثقافة اصطلاحية في تسمية الحاكم فهو: خليفةً وإماماً عند بعضهم،وأميراً للمؤمنين عند بعضهم بل وزادوا ذلك ألقاباً من عند أعرافهم:خليفة الله، الوصي،ولي الأمر.لم يكن ذلك ترادفاً عفوياً في الألفاظ إنما مرد ذلك الي الاختلاف في فهم الطبيعة الوظيفية للحاكم وللسلطة السياسية التي يمارسها وحدود صلاحياتها وعلاقتها بمحيطي الداخل والخارج.مبدأ الانتخاب ظل غامضاً، فكل خلفية من الراشدين انتخب بطريقة متفردة، بل أن هذا المبدأ سيزداد غموضاً عندما يتنزل في الواقع مع ربطه بمقولة تحريم الترشيح لان(طالب الولاية لا يولي) ليزداد تعقيداً عندما يقترن بغموض مبدأ الشورى عند بعضهم حتى اليوم عندما يعتقدون زعماً باطلاً من عند أنفسهم بعدم حجيته:فالحاكم وسلطته السياسية غير ملزمة برأي أغلبية مجلس الشورى وكذلك الأمر في مفهوم مركب آخر هو أهل الحل والعقد، فمن يملك تحديدهم وما هي سلطتهم وعلي ضوء أي مقاييس تحدد كفاءتهم للقيام بهذا الدور؟ وما علاقتهم بالحاكم؟.
ومن القضايا المبهمات الأخرى ينتصب موقفاً آخر من المعارضة بالرأي المخالف أو بالانتظام في أحزاب سياسية ومؤسسات مدنية، ليسقط التفقه السياسي الثقافي في رفض غير مبرر للتعدد الحزبي أو بتورط في الدفاع عن الحكم الفردي أو الدعوة لاستعادة أنماط (خلافويه)مركزية جديدة تجمع الشتات الإسلامي علي ذات الأسس القديمة.إن صياغة القوالب السياسية المفاهيمية والإجرائية المتجددة هي من ما يدعوا إليه المشروع التواثقي المستقبلي،فهي مهمة التفقه الثقافي الإنساني الاجتهادية لقطع الطريق أمام التجارب المحرفة التي تشهدها ساحاتنا الوطنية أو لممارسة وصاية دينية تدعيها حركة أو زعامة لتفرض علي مواطنيها نمطاً جديداً من أنماط الحكومة الدينية.فالخطر علي أي تجربة إنسانية في أن يتصدي الباحثون لحل مشاكلها في مرحلة متقدمة من مراحل تطورها، وهم يستعملون نفس المناهج والقوالب التي استعملوها خلال المراحل الأولي لنشأة التجربة في حين يجب أن تكون النظرة للمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية معاصرة ومشدودة الي المصالح الأساسية للشعوب المستضعفة.
يتبني المشروع التواثقي مفهوماً لسياسة مقترنة بدولة تكون فيها النظم قبل الأفراد علي غير نسق الدولة الراهنة التي تتكون من أفراد وعُصب قبل أن تكون نظاماً: ففي الحالة الأولي يقام الهيكل النظري لها ليلتمس الأفراد والجماعات مواضعهم فيها التي تؤهلهم لها حقوقهم، بينما في الحالة الثانية يتمني الأفراد والعُصب ذات الشوكة ما يشتهون ثم يخضعون هياكلها النظرية ليعيدوا تشكيلها بحيث تحقق لهم فيها ما قد رسموا لأنفسهم من سبل ملتوية وغايات مصلحيه لتضطلع زمر الموالين لها والمنتفعين من ريعها متدثرين غالباً بمسوح تدينيه لممارسة مختلف مهام الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية في مفارقة بينة لما استقرت علية الحياة المعاصرة من مبادئ فصل السلطات وسيادة القانون بالإخضاع الموضوعي لمؤسساتها لمجال عمومي يختلف جوهرياً عن المصالح الشخصية لذوات مواطنيه،ولا أدل علي ذلك من كون:
* المشروع مع رؤية للتاريخ الإسلامي، لم تعرف سيطرة الدين علي الدولة ومؤسساتها بل شهد سيطرة الدولة علي الدين وتحويله الي جزء منها تقنن وتنفذ باسمه. إن التداخل بين الديني والسياسي ظاهرة طبيعية في المجتمع الإسلامي والوطني نظراً لكونها لأتملك مرجعية ثقافية إنسانية سوي الإسلام.ولكن الإشكال (الذي بدأ تاريخياً منذ التسلط الأموي)في أن يستغل هذا التداخل أفحش استغلال الي درجة أن يتحول السياسي ليصبح اصلاً لكل شي في حياة الناس يهيمن علي كل مناحي الفكر الإبداعي التقني والاجتماعي الاقتصادي بل ويهيمن قبل كل شي علي الدين نفسه لتنقلب الصورة الي شئ أشبة بالهرم المقلوب، قمته الي أسفل وقاعدته الي اعلي ليصبح الوصول الي القاعدة مشروطاً بالتمكن من القمة أولا. في حين جاء القرآن الكريم لإرساء صورة عكسية،فالمجتمع في التصور القرآني هرم مستو علي قاعدته المتمثلة في مجالات الحياة المجتمعية كالعائلة والأسواق والمساجد والمزارع وما تمثله من ثقافة وفكر وروابط إنسانية.هذه المجالات هي التي تصوغ السياسي لتصعد به ليشكل القمة.فالسياسي في هذا التصور حصيلة النسيج المجتمعي بالدرجة الأولي وليس تكريساً لتدجين الدين وتوظيفه إعراضاً عن الطرح الذي أراد الرسول (ص) إرساءه بجعل المسئولية للجمهور المسلم سواء فيما هو ديني أو مدني، واعتبار الخليفة مجرد وكيل تنفيذي يمكن إقصاؤه متى رأي الجمهور ذلك ليصبح المجال أمام اعتبار أن الفضاءات المجتمعية للحياة هي الأصل والأساس وان المنتهي لحاصلات ذلك هي الذروة السياسية التي تترك للأوضاع والاجتهادات لتحدد من طبيعتها ومدي نمائها.
* المشروع مع دولة مدنية، تقوم سلطتها الحاكمة باحترام الحريات والحقوق (المفارقة الغريبة أن الدعوة الأصولية التوحيدية لتحرير الإنسان من العبودية بمختلف أشكالها والاسترقاق لم يؤسس لدعوتها التفقه السياسي التاريخي الإسلامي بل جاءت في غالبها صدىً باهتاً لمبادئ حقوق الإنسان بعد عصر التنوير أو كنتيجة للحرب الأهلية الأمريكية لتستجمع في ما بعد في عهود ومواثيق دولية) .وتقوم شرعيتها على الانتخاب فهو القناة الوحيدة لمراكز التنفيذ، ورأي الأغلبية ملزم في اغلب الأطر السياسية والاجتماعية وحرية الانتماء السياسي والتميز والتدين والعمل النقابي حقوقاً لا يجوز سلبها من احد، فبدون ضمان هذه الحريات سيستمر الاستلاب السياسي الذي تعانيه الجماهير.فهي تتبني بذلك خيار الانحياز لمستضعفيها، فلا تفرز إطلاقاً ولأتسمح لأي فرد أو مؤسسة أن ينصب نفسه ناطقاً رسمياً باسم الإسلام بل أن حكومتها تظهر بإرادة الشعب وتختفي بإرادته، فإلاسلام فيها دين جماهيري لا يفرض نظامه علي مواطنيها إلا بعد مطالبتهم به،الجماعية فيها منحي أساسي والشورى تعني احترام ذاتية الفرد وتقرير حريته في الانتماء العقائدي والسياسي ف(لا إكراه في الدين ).الشورى فيه هي الطريقة المثلي لإقرار كرامة الإنسان وتحقيق انعتاقه المأمول، لأنها في جوهرها رفض لنخبوية العمل السياسي ولتهميش غالب الجماهير المستضعفة بمراعاتها للمبدأ الإسلامي(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).وإذا كان هذا هو الوجه الايجابي لمعادلة علاقة المشروع بالدولة، فهو بالتأكيد يتحقق خصماً علي الوجه السلبي لها بوقوفه ضد خياري الدولة(الائكيةوالثيوقراطية):ذلك أن أصحاب الاختيار(ألائكي)لا يتصورن نمطاً آخر للعلاقة بين الدين والدولة خارج التجربة الأوربية وذلك طرح (أيدلوجي) مغلوط من أساسه لأنه حتى توجد(لائكيه) فانه لابد من أن توجد أولاً مؤسسة دينية مهيمنة تقوم واسطة بين السماء والأرض تنطق باسم الله، لا يمكن إذن أن نفهم(الائكية) إلا في سياق تاريخي خاص يحتدم فيه صراع بين مؤسستين:واحدة دينية شمولية والثانية سياسية نازعة للتحرر.من هذا المنطلق تعتبر(اللائكية) اختياراً مصطنعاً منقولاً عن الغرب لأنه لا يحق لاى مؤسسة أن تحتكر السياسة والفكر في الفضاء الوطني أو الإسلامي.أما أصحاب الاختيار(الثيوقراطي) فأنهم يقعون في ذات الوهم(المؤدلج) عندما يعتقدون أن السلطة الحاكمة نفسها هي المرجع الأصلح والوحيد لفهم الإسلام وتحققه وان ما عداه من المفاهيم والتحركات ليست إلا سراباً.قد يكون استخدام التدين(المؤدلج) فيه غطاءاً للقهر والاستبداد والظلم، لكن الإلحاد هو الآخر يمكن أن يتحول إلي أداه إرهاب وقمع ودمار للآخر الثقافي عندما يتم الانتقاض من معتقداته أو تحقيرها أو نسبتها للتخلف والظلامية.
* المشروع مع ترسيخ أسس الفكر الديمقراطي داخل التصور الإنساني الإسلامي بتثاقف مفاهيمي سياسي ومدني (لا باستنساخ تطبيقي) مع التجربة الوطنية والغربية الحديثة:توازناً لمفاهيمها من تضخم قد يعتبر الدولة المؤسسة المركزية التي تتمحور حولها كل جوانب الحياة المجتمعية، توزيعاً لسلطاتها حتى تقلص من عدوانيتها القامعة،ايجاداً لفضاءات مستقلة عنها تعطي إمكانيات لحركية الإبداع في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي ، انطلاقاً من قدرة علي النمو في عمق وفعل حضاري علي قياس المواطنة المتكافئة.فليس هنالك تعارضاً بين الإيمان بالله والاحتكام للجماهير كما يعتقد بذلك(المودوي وقطب وحتى الخميني). فالسلطة في أي مجتمع من المجتمعات وفي ظل أي نظام من النظم هي في يد بشر يمارسون التشريع والتنفيذ اجتهاداً بهدي الموازنة بين الشريعة مقاصداً واحكاماً تجسيراً للعلاقة بين التشريع الإسلامي والواقع المعاصر، وإحاطة للمجتمع بضمانات العدل والتضامن والحرية قبل اللجوء إلي روادع قد تكون بمثابة مشاركة واعية في تشويه صورة الإسلام عند أهله وأعداءه(كيف لا يشق علي وانتم أعوان الشيطان علي أخيكم) .فليس الدين أو الدولة هما بالضرورة القضية المركزية، إنما إشكالية نمط التدين أو التسيس الذي يستنبطهما الناس عنهما هما الذين يقودان إلي نموذجي التنمية أو التخلف.وذلك حسب مراعاة فعلي التدين والتسيس لشروط:تصحيح وعي الحركة السياسية الإسلامية أو الوطنية بذاتها بممارسة النقد الذاتي والتوجه إلي البناء الفكري وعدم اختزال المشروع في العمل السياسي والحزبية الضيقة وتجنب السقوط في خيار العنف والوقوف ضد قوى العقلانية والتنوير الديمقراطي ومؤسسات المجتمع المدني ،إستحفازاً واعياً لطاقات حاشداتها الشعبية لقومة ثورية وطنية واحدة تنتظم كل فئاته وقطاعاته وأقاليمه،إستشرافاً لنهوض بديل مستقبلي شامل.
كاتب صحفي و باحث في مجال دراسات السلام و التنمية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.