رغم ان التوترات لازالت تشكل الطابع العام للعلاقة بين حكومة الجنوبوالخرطوم،الا ان اليومين الماضيين قد شهدا تبادلا للتصريحات المتناقضة من قبل الطرفين، حيث بدأ الرئيس البشير فى جلسة خصصت لوداع الوزراء الجنوبيين فى الحكومة الاتحادية بالتأكيد على ان واقع الانفصال لا يعني نهاية المطاف لهذه العلاقة بين الخرطوموجوبا وذلك لان ما يجمع الشمال بالجنوب اكبر من ذلك.بيدا ان الروح الايجابية التي تجلت فى خطاب البشير، اختفت بعد ساعات حين عاد ليحذر من احتمال نشوب حرب بين شمال وجنوب السودان، في ظل وجود ما أسماها « بالقنابل الموقوتة» التى تؤجج الصراع بين الطرفين.مرجحا في حديث لممثلي وسائل اعلام الدولة الحليفة للخرطوم «الصين»، من احتمال عودة الحرب مرة اخرى بين شمال السودان وجنوبه، ولكنه أوضح أن الشماليين ملتزمون بالسلام ومن أجل ذلك قبلوا تقسيم السودان إلى دولتين، ملوحا بتعرض الحركة الشعبية للخسارة فى أبيي وجنوب كردفان حال قيام الحركة الشعبية فى جنوب السودان بخلق مشكلات.فيما انتقلت هذه الحالة التناقضية، فى الصباح التالي، لرئيس حكومة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت،والذي قال في تصريحات صحفية بالجمعه عقب لقاء جمعه بغيدو فستر وزير خارجية المانيا،ان الجنوب يتطلع لاقامة حدود مرنة مع الشمال تسهل حركة التجارة التي اعتبرها سلفاكير رابطا اقتصاديا يؤسس لعلاقات متينه بين الجانبين.قاطعا فى حضور الوزير الالماني ان الجنوب لن ينفرد بايرادات النفط ويترك الشمال دون مد يد العون،مضيفا «لا نريد اخذ كل عائدات النفط ويجب ان نترك شيئا للشمال لاعانته فى مواجهة التحديات الاقتصادية».غير ان ذلك لا يتوافق مع ابرام حكومة الجنوب اتفاقاً بالاسبوع الماضي لاستغلال ميناء اولامو الكيني لتصدير النفط الجنوبي،وهو ما يدعم مساعيها لابعاد ايدى الخرطوم عن النفط المستخرج فى اراضيها كما ظلت تؤكد قيادات الحكومة في الخرطوم،وينص الاتفاق بين حكومة الجنوب و نظيرتها الكينية على انشاء ميناء بالساحل الكيني لواردات وصادرات دولة الجنوبالجديدة بعد الانفصال، ويتضمن على انشاء ميناء «لامو» في كينيا بمساهمة من جنوب السودان وكينيا واثيوبيا ليكون ميناء مشتركا للتصدير والاستيراد لهذه الدول الثلاث، كما ناقش الجنوب وكينيا كيفية تنفيذ مشروع ربط جنوب السودان بكينيا عبر شبكة السكك الحديدية ،لى جانب عدد من القضايا المتعلقة بالعلاقات بتسهيل التبادل التجاري بين جنوب السودان وكينيا عقب اعلان استقلال جنوب السودان في يوليو المقبل. كما وان هذا الاتفاق يعزز من اعتمادها على ميناء كيني آخر هو ممبسا لاستيراد احتياجاتها التنموية والمعيشية. وهذا ربما مادفع المؤتمر الوطني ليقابل تصريحات سلفاكير بالتذكير بانه لن يأخذ اكثر من نصيبه من عائدات النفط المستحقة باستخدام الجنوب محطات التكرير وخطوط النقل التي تتواجد بالشمال،واشار الامين السياسي للحزب الحاكم دكتور الحاج آدم يوسف الى ان العبرة تأتي بالتنفيذ على ارض الواقع،بايجاد النوايا الصلبة بتحقيق الاستقرار بين الشمال والجنوب بمايتيح علاقات اقتصادية مشتركة واضاف «نحن لانأخذ مالانستحقه فهم احوج اليه اكثر مننا». ويفسر د. بركات موسى الحواتي كثرة التصريحات المتضاربة من قبل الجنوب والشمال بطبيعة المرحلة التي يتعرض لها الوطن،من حيث المتغيرات المتسارعة محليا واقليميا ودوليا، مشيرا الى ان المعلومات اضحت غير ثابتة وقلقة فيما يخص طبيعة العلاقة بين الدولة الوليده والأصل، ويعزز من ذلك القلق التدخل المباشر وغير المباشر من قبلها في سياسات دولة الشمال،معتبرا ان الجهود المتسارعة التي بذلتها الادارة الامريكية لحمل مجلس الامن على ارسال قوات الى ابيي،ابلغ دليل على ذلك.ويقول المحلل السياسي ان حكومة الجنوب تسابق الزمن باتجاه مسار نحو علاقات متينة مع الدول الافريقية ، دون ان يكون لذلك تأثير على علاقتها مع الشمال، الا ان واقع ممارسات سلطة الجنوب يؤكد انها تتجه بكل مقدراتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية للتأثير فى تهديد استقرار الشمال،غير ان الدكتور الحواتي يعود ليقول ان المسؤولية فى التصريحات الاخيرة، تقع فى المقام الاول على عدم توافر المعلومات الكافية والموثوقة للقيادات فى الخرطوموجوبا بسبب التوترات والتصعيدات المتعددة. لكن الصدامات المبكرة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والتي اعقبت توقيع اتفاق السلام، اعطت مؤشرات واضحة عن المسار الذي قد تفضي اليه اتفاقية السلام، حتى فى حال تم اقرار انفصال الجنوب، وهذا ما يدعمه كما يقول المحلل السياسي حاج حمد محمد خير شراسة التيارات الانفصالية فى الشمال والجنوب،والتي رغم بروزها القوى على السطح لم يكن السبب المباشر لانفصال الجنوب،فان مساعيها المتواصلة لجر الطرفين نحو المواقف المتشددة الآن سعيا وراء تكريس الانفصال السياسي وتعميق الانفصال بين الشعبين، يدفع بمثل هذه التصريحات الى المشهد. ولكن المحلل السياسي يقول ان القيادات فى الخرطوموجوبا قد تكون تستهدف من تلك التصريحات تليين المواقف التفاوضية حال الجلوس لمعالجة القضايا العالقة مثل البترول وابيي وجنوب كردفان، لا سيما وان الشريكين قد استخدما نفس التكتيك اثناء خلافاتهم السابقة،غير ان حاج حمد يقلل من الاتفاقات التي ابرمتها حكومة الجنوب مع كينيا سواء لتصدير النفط عبر موانئها، اواستقبال وارداتها من دول العالم عبر ممبسا،مشيرا الى ان الارقام تكذب جدوى مثل هذه الاتفاقية التي رفضتها ،بحسب المحلل، شركات عالمية كبرى لعدم جدواها، ويلفت حاج حمد الى التقارير التي تربط نفاذ البترول فى الجنوب بالعام 2020، والى ان تكلفة الانبوب الى عمق الاراض الكينية تبلغ المليارات التي لا تتناسب مع العائدات المتوقعة فى غضون حتى العامين القادمين.مضيفا ان الشمال ينتظر تعويضا كافيا عن استمرار تصدير النفط واستخدام منشآته النفطية وهو الامر الذي يرى ان الحركة تناور ازاءه، متوقعا ان ينجم عن ذلك استمرار استخدام التصريحات النارية كمدفعية ثقيلة من قبل الطرفين دون الاعتناء بتأثيرات ذلك المدمره على الشعبين شمالا وجنوبا. وفي هذه الايام الحاسمة فى مستقبل الشمال والجنوب ينظر للتصريحات المتبادلة من قبل الخرطوموجوبا بشئ كبير من القلق وهو ما يراه الدكتور الحواتي خطيرا على السلام والاستقرار، معتبرا ان التصريحات الاستفزازية غير مطلوبة من قبل الخرطوم قبل جوبا ، ناصحا الطرفين بالتمهل فيما يخص العلاقة بين الشمال والجنوب، وذلك فى غضون استهداف جهات لم يسمها للاستقرار بالاقدام على استفزازات مغرضة تخدم مساعي قوى اجنبية فى التدخل بالبلاد.غير ان المحلل السياسي حاج حمد محمد خير يدمغ الطرفين بتجاهل التأثيرات النفسية الخطيرة لمثل هذه التصريحات على الشعبين فى الجنوب والشمال،مشيرا الى انها تخلق حالة من البلبله عند المواطنين ، علما بان القيادات فى الشمال والجنوب تدرك بانهم ينتظرون افعالاً وانجازاتٍ لا اقوالاً فى حين يعتمدا هما على الوساطة الاجنبية لحل خلافاتهم، رغم انهما يدركان ان الوساطة المتاحة الآن تحمل اجندة امريكا فى السودان والمنطقة ولا تحفل بقضايا الشعبين المصيرية،ويمضي حاج حمد ليتهم الوسيط الافريقي ثابو امبيكي بعدم النزاهة، والخضوع للضغوط الامريكية التي تمارس عليه، معتبرا ان اضطلاع سوزان رايس المندوبة الامريكية فى مجلس الامن بعرض الاتفاق يوضح بلا مواربة طبيعة الهيمنة الامريكية على كل ما يحدث بالسودان،ويذهب المحلل السياسي لتوقع الأسوأ فى مستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، طالما ظلت القيادات فى البلاد تنتظر الحلول الخارجية.