«ترفعوا الاضراب أو تفصلوا عن العمل»، هذا ما قيل للأطباء المضربين الذين رفضوا أن يُعطوا الدنية في مهنتهم في عهد وزيرة الحركة الشعبية الأميرة تابيتا بطرس شوكاى التي وقفت في وجه هؤلاء الاطباء كما تقف الشوكة في حلق مريض، ولكن يبدو أنها في وقفتها هذه لم تكن أفضل حالاً من سابقها وزير الصحة الاسبق العميد طيار فيصل مدني مختار والذي قيل للاطباء في عهده مثل هذا الذي قيل لهم في عهد تابيتا «اللي عاوز يقعد يقعد واللي عاوز يمشي يمشي» وما أشبه الليلة بتلك البارحة وما أشبه تابيتا بفيصل من حيث كونهما لم يكونا عند الانقاذ سوى «تمومة جرتق» أو تميمة لكف العين، ولتسنم فيصل لحقيبة الصحة حكاية «تضحك الغنماية» تكشف عن مدى الاستخفاف بالشأن الصحي والطبي تستحق أن تروى قبل أن نمضي في الحكاية الاخرى، فقد قال العميد طيار فيصل مختار بنفسه في حوارٍ منشور عن حكاية توزيره وزيراً على الصحة وكان قبلها يشغل منصب والي كردفان، أن الشهيد الزبير إتصل به وطلب منه إبلاغ أحد وزرائه الولائيين خبر إقالته قبل أن يذاع في الاخبار، يقول فيصل أنه رفض هذا الطلب واستنكر عدم استشارته في فصل أحد مرؤوسيه فتحرك من فوره إلى الخرطوم لمقابلة الشهيد الزبير واستجلاء الامر منه وحين وصل الخرطوم وقابل الزبير قال له الاخير مجرد أن رآه «الحمد لله الجيت، كنا نريد تعيين الفريق دكتور أحمد عبد العزيز وزيراً للصحة ولكنه طلب مهلة حتى يستشير ويستخير ولم يفدنا بعد، والآن نريد حل لهذه المشكلة» وقد كان الحل في هذا الوالي الولائي الذي جاء الخرطوم مغاضباً فاذا به يجد نفسه وزيراً للصحة، فتأمل طريقة التعيين، ثم أمعن التأمل كرتين في الحكاية الاخرى التي لا تجعل «الغنماية تضحك» هذه المرة بل تجعر من الالم وذلك حين وقف الاطباء في ذاك الوقت ذات الموقف الذي يقفه زملاءهم الآن فأعلنوا الاضراب والتوقف عن العمل، فذهب اليهم فلان وفلان من قيادات الانقاذ وفيصل مختار بوصفه الوزير المعني والتقوا الأطباء بقاعة بروفيسور داؤود بأحد المشافي، ولكن كان ذاك الوفد يتأبط شراً ولا يحمل حلاً، فأول نطقه كان كفراً، إذ كان أول ما نطق به ناطقه الرسمي وكان للأسف من المحسوبين على علوم الطبابة «هناك جزيرة في جنوب شرق آسيا بحاجة لأطباء وانتم السودانيون معروفون بالهجرة فمن أراد منكم التقديم للعمل بها فليقدم أوراقه».. ولك عزيزي القارئ أن تضع ما شئت من خطوط تحت ضمير المخاطب أنتم السودانيون ولك أيضاً أن تتعجب ما شاء لك العجب إذا علمت أن المتحدث سوداني متتورك أو ربما تركي متسودن، ولكن ورغم كل هذه القساوة والشماتة إلا أنها لم تشف غليل رفيقه الآخر فغالى في إساءته للأطباء بصب المزيد من الجاز على النار التي أشعلها صاحبه بتوعدهم قائلاً: «ما بنوعد بأي كوادر او زيادات، اللي عاوز يقعد يقعد واللي عاوز يمشي يمشي».. لا فض فوه. وها هي حكاية التهديد بالفصل تتكرر مجدداً مع الأطباء مع فارق نوعي هذه المرة أنها تصدر من الرئيس رأساً والذي يبدو ان غضبه على الأطباء المضربين قد بلغ به حداً جعله يتجاوز كل الحدود الفاصلة بينه وبين التعاطي المباشر مع مثل هذه القضايا الأمر الذي حدا بالوزارة المعنية لأن تتدخل بتلطيف صيغة التوجيه هوناً ما لتجعله بعد برهة من الزمان بدلاً من فوراً والآن، والقضية هنا ليست قضية فصل الأطباء فهم ليسوا بأفضل من الآلاف الذين تم فصلهم قسرياً وقهرياً وتعسفياً، القضية هي أن لا يتسع صدر الحكومة إلا لحملة السلاح الحقيقي وليس «الكدبلاص» مثل سلاح الاضراب.